قضايا وآراء

قضية الإسرائيليين في تركيا بين القضاء والسياسة والإعلام

ماجد عزام
1300x600
1300x600
أثار اعتقال تركيا زوجين إسرائيليين بشبهة القيام بأعمال تجسس في البلاد؛ اهتماماً سياسياً وإعلامياً، وبالطبع قانونياً، حيث أحدثت القضية حالة من الصخب الإعلامي في إسرائيل رغم حذر الحكومة ووزرائها المعنيين من تداولها علناً، بينما حافظت تركيا على الهدوء؛ ساعية لإبقائها في سياقها القضائي المعتاد، والابتعاد عن التسييس الذي أتى أساساً من الجانب الإسرائيلي رغم ادعائه العكس.

ببساطة، بدأت القضية مع اعتقال السلطات التركية الثلاثاء الماضي مواطنين إسرائيليين، هما نتالي وموردي أوكنين، إثر قيامهما بتصوير منزل الرئيس رجب طيب أردوغان، في القسم الآسيوي الجميل والخلاب من إسطنبول الجميلة والخلابة أيضاً.

وعلى عكس ما يتم تداوله في الإعلام، لا يتعلق الأمر بتصوير قصر دولمة بهتشة التاريخي والسياحي الذي يعتبر بمثابة مقر رسمي أيضاً لاستضافة الاجتماعات الحكومية واللقاءات الدبلوماسية والرسمية، وإنما بالمنزل الخاص للرئيس رجب طيب أردوغان بمنطقة أسكودار الآسيوية، مع التركيز على الحراسة وتوزيع العناصر الأمنية، كما موقع المنزل والمسافة من مكان التصوير في برج تشاميلجا السياحي الشهير.
أحدثت القضية حالة من الصخب الإعلامي في إسرائيل رغم حذر الحكومة ووزرائها المعنيين من تداولها علناً، بينما حافظت تركيا على الهدوء؛ ساعية لإبقائها في سياقها القضائي المعتاد، والابتعاد عن التسييس الذي أتى أساساً من الجانب الإسرائيلي رغم ادعائه العكس

قام الزوجان الإسرائيليان بإرسال الصور مباشرة إلى مجموعة على تطبيق الواتسآب قيل إنها عائلية، مع عبارات إعجاب مثل "يا له من منزل جميل"، كما كتبت الزوجة حرفياً.

على عكس ما يقال أو ما هو معروف أيضاً، فقد تم التصوير خلافاً لرأي المرشد السياحي التركي الذي أخبر الزوجين بعدم قانونية ما فعلاه. ورغم تجاوبهما مع مسؤول الأمن في المكان، الذي انتبه للواقعة وطلب مراجعة جهاز الهاتف الخاص بهما، إلا أن ذلك لا ينفي أصل المشكلة وضرورة السعي للوصول إلى الحقيقة كاملة، وهذا ما فعلته وتفعله في الحقيقة السلطات التركية.

لذلك تم اعتقال الزوجين ومباشرة التحقيق المبدئي معهم من الجهات المختصة بإشراف تام من النيابة العامة، وتم طلب تمديد اعتقالهما ثلاثة أسابيع حسب القوانين والإجراءات المرعية من قبل محكمة الجزاء والصلح في إسطنبول. وحتى الآن يتم التعاطي معهما كمشتبه بهما بالتجسس السياسي والأمني، مع وجود عامل أو احتمال البراءة الذي لا ينفي بالطبع ضرورة المضي قدماً في التحقيق والإجابة عن الأسئلة الحيوية والمهمة الخاصة بأسباب تصوير منزل شخصي بهذا الاهتمام والتركيز، وهل قاما بأمر مماثل في مناطق ومقار أخرى في إسطنبول؟ وما هي خريطة تحركهما واتصالاتهما خلال مكوثهما في المدينة؟
أسئلة روتينية، والإجابة والإحاطة المتكاملة بالإجابات عنها ضرورية لتحديد وضع الزوجين، ما استلزم مساحة أوسع من الوقت وفّرتها المحكمة للأجهزة المعنية للعمل عليها، ودائماً بإشراف قضائي كامل

هذه أسئلة روتينية، والإجابة والإحاطة المتكاملة بالإجابات عنها ضرورية لتحديد وضع الزوجين، ما استلزم مساحة أوسع من الوقت وفّرتها المحكمة للأجهزة المعنية للعمل عليها، ودائماً بإشراف قضائي كامل.

تعاطى الإعلام التركي مع الحدث بشكل عادي وطبيعي، وتم نشر أول تقرير موسع بعد أسبوع تقريباً (وكالة إخلاص- 15 تشرين الثاني/ نوفمبر)، حيث عرض تفاصيل مجريات القضية بدقة ومهنية مع إبقائها في سياقها القضائي، والإشارة طبعاً إلى عامل أو احتمال البراءة والفضول.

وصدر أول تصريح رسمي عن وزير الداخلية سليمان صويلو، مساء أمس الثلاثاء، والذي تحدث من موقعه الحكومي التنفيذي طبعاً، وأشار إلى وجود اتهام بالتجسس السياسي والأمني وملاحقة القضية حتى الكشف عن ملابساتها كاملة.

أما في إسرائيل فكان حذر رسمي نسبي، ومحاولة من قبل الحكومة ووزرائها لإبقاء القضية بعيداً عن الإعلام، مع القيام طبعاً بجهود دبلوماسية وأمنية وقنصلية لمساعدة المعتقلين، وحتى تسهيل سفر محام إسرائيلي (نير يسلوفيتش) على وجه السرعة - وصل السبت إلى إسطنبول - حيث أشاد بما رآه وسمعه عن الإجراءات المهنية التي قامت وتقوم بها السلطات التركية.
في إسرائيل فكان حذر رسمي نسبي، ومحاولة من قبل الحكومة ووزرائها لإبقاء القضية بعيداً عن الإعلام، مع القيام طبعاً بجهود دبلوماسية وأمنية وقنصلية لمساعدة المعتقلين

الاتصالات الإسرائيلية شملت قيام مسؤولين كبار في وزارة الخارجية بالتواصل مع نظرائهم في أنقرة، وهو نفس ما قام به أيضاً رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية (الموساد) دافيد بارنياع مع نظيره التركي هاكان فيدان، لنقل رسالة مفادها أن لا صلة للزوجين بأي من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وأنهما مواطنان عاديان أرادا فقط قضاء إجازة عائلية في إسطنبول.

إلا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية المجندة كما العادة؛ تعاطت بشكل مختلف وعدائي وتحريضي وباحث عن العناوين المثيرة، كما أقرّ وزير الخارجية لبيد حرفياً، مع تعليقات جاءت أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع والمنطق.

تمكن الإشارة إلى عدة أسباب وراء هذه الضجة؛ أولها العقل الباطن المريض الذي ينعكس على كافة التصرفات الإسرائيلية وأن على الأغيار الأقل مستوى الخضوع للمشيئة الإسرائيلية.

وهنا لا بأس من التذكير بمقولات شهيرة لمسؤولين إسرائيليين، منها مقولة مؤسس الدولة العبرية ديفيد بن غوريون: "ليس مهم ما يقوله الأغيار وإنما ما يفعله اليهود"، ومقولة رئيس الوزراء السابق أرئيل شارون أن بعض الإنجازات لا تتحقق بذكاء اليهود وإنما بغباء العرب. والمقولة الشهيرة لموشيه دايان بأن الدولة يجب أن تتصرف دائماً ككلب مسعور حتى يهابها ويتحاشاها الخصوم.
وسائل الإعلام الإسرائيلية المجندة كما العادة؛ تعاطت بشكل مختلف وعدائي وتحريضي وباحث عن العناوين المثيرة، كما أقرّ وزير الخارجية لبيد حرفياً، مع تعليقات جاءت أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع والمنطق

أما السبب الثاني فيتمثل بالشعور بأن إسرائيل دولة مدللة فريدة يجب أن يعامل رعاياها معاملة خاصة واستثنائية من قبل الدول الأخرى، كما نرى مثلاً في زيارة السياح الإسرائيليين إلى مدينة طابا بمصر، أو حتى في طلب احتياطات أمنية استثنائية وزائدة كالتي تتمتع بها مثلاً شركة "العال" للطيران، وكانت سببا لتوقف رحلاتها إلى تركيا لسنوات طويلة.

السبب الأخير، يرتبط بالعلاقات الباردة مع تركيا، والعداء وحتى الهوس بالرئيس رجب طيب أردوغان وكل ما يفعله ويقوله، والمقارنات الخاطئة مع اعتقال تركيا رعايا ألمان وأمريكان في الماضي ارتبطوا بصلات واضحة مع تنظيمات وشخصيات إرهابية في البلاد.

عموماً، وكما أقر وزراء ومسؤولون وتقديرات إسرائيلية رسمية وحتى المحامي الذي اطلع على مجريات القضية عن قرب في إسطنبول، فلا دليل على تسييس تركيا لها، وهي تسير في سياقها القضائي والطبيعي والمعتاد دون ظلم أو إجحاف، ولكن دون تدليل أو مجاملة، لملاحقة وفحص كل الاحتمالات دون استثناء بما فيها التجسس والبراءة أيضاً.
التعليقات (0)