قضايا وآراء

التعايش بين التركي واللاجئ السوري.. دروس وعبر

أحمد موفق زيدان
1300x600
1300x600
مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي التركي ترتفع بورصات استمالة الناخبين، وربما بطريقة غير أخلاقية لتنفيذ مآرب حزبية سياسية آنية، بعيدة كل البعد عن مصالح الأمن القومي.

فالمقطع الذي تم تداوله لسيدة تركية تقول إنها لا تستطيع شراء الموز بينما اللاجئ السوري يشتريه؛ تسبب في أزمة وصلت إلى ترحيل الصحافي ماجد شمعة، الذي يعمل في قناة أورينت، لتقريره الذي بثه عن الموضوع، ولم تُفلح تدخلات الصحافيين السوريين ولا مناشدات عدة بوقف ترحيله. مثل هذه الحوادث التي تكررت، وقد تتكرر مع قرب الاستحقاق الانتخابي، واستغلالها من المعارضة لتسجيل أهداف ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم، لا بد من وقفة أمامها لاستخلاص العبر والدروس، لعلنا نستطيع تفاديها في المستقبل:

منذ بداية الثورة السورية، كان من المفترض برأيي المتواضع أن يُعلن عن صفة السوري الهارب إلى تركيا كـ"لاجئ"، تماماً كحال كل الدول التي تستضيف مشردين ولاجئي حروب، مما يضع الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية أمام واجباتها، واستحقاقات حقيقية في كفالة اللاجئين؛ ليس من الناحية المادية والمعيشية، وإنما تحمل كُلفة إيجاد حل سياسي لعودتهم، بعد رفع الأسباب التي أدت لهجرتهم ولجوئهم، فيطمئن الشعب التركي وبكافة أطيافه، ومعه المعارضة، أن اللاجئ ليس عبئاً عليه، وإنما عبؤه على المجتمع الدولي، فلا يحسُّ التركي أن السوري يعيش على أمواله، وإنما على المؤسسات الدولية المتكفلة به.
كان من المفترض برأيي المتواضع أن يُعلن عن صفة السوري الهارب إلى تركيا كـ"لاجئ"، تماماً كحال كل الدول التي تستضيف مشردين ولاجئي حروب، مما يضع الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية أمام واجباتها، واستحقاقات حقيقية في كفالة اللاجئين؛ ليس من الناحية المادية والمعيشية، وإنما تحمل كُلفة إيجاد حل سياسي لعودتهم، بعد رفع الأسباب التي أدت لهجرتهم

وكان ينبغي أن يتوازى ذلك مع إشاعة وعي وسط كافة الأحزاب التركية، تتولى توضيح تفاصيله الأجهزة الأمنية ومعها الصحافة والمراكز البحثية، بأن الوضع في سوريا مسألة أمن قومي تركي، تهمُّ اليمين واليسار وغيرهما، وكل شرائح الشعب التركي، تماماً كما فعلت الأجهزة الأمنية الباكستانية حين جعلت من أفغانستان قضية أمن قومي ويتوجب على كل الأحزاب الوقوف معها.

قيل قديماً بأن الحجر في محلّه قنطار، وقيل أيضاً إن الغريب ينبغي أن يكون أديباً، وقد تغرّبنا لعقود منذ أيام حافظ الأسد، فكان شعارنا التأدب مع أهل البلد، وفهم حساسياتهم، وتجاهل حتى الإساءات التي يمكن للمرء أن يتعرض لها، فلكل شيء ضريبته، وللغربة ضريبتها، أما التعامل في الغربة وكأن المرء في بلده فهذا غير معقول وغير منطقي، مع إدراكنا صعوبة أن يصمت الثائر الذي سعى الطغاة إلى إسكاته لعقود، لكن كما قيل: إن قمة المعرفة أن تعرف ماذا تتجاهل. أما أن يتصور أربعة ملايين سوري يعيشون في تركيا أن كل من فيها مثل أردوغان، فهذا تصور يجانب الواقع، فهناك معارضة قد تميل لبشار الأسد، وهناك مجتمع ديمقراطي حقيقي، فيه المؤيد لأردوغان والمعارض له، والمؤيد لسياساته والمعادي لها، ودون فهم هذه الحقيقة بشكل عملي وليس نظريا، سيقع اللاجئ السوري في مشاكل شبه يومية، وسيكون غمسه خارج صحنه.
كان ينبغي أن يتوازى ذلك مع إشاعة وعي وسط كافة الأحزاب التركية، تتولى توضيح تفاصيله الأجهزة الأمنية ومعها الصحافة والمراكز البحثية، بأن الوضع في سوريا مسألة أمن قومي تركي، تهمُّ اليمين واليسار وغيرهما، وكل شرائح الشعب التركي

هناك مسؤولية كبيرة للنخب والوجهاء والمؤسسات الإعلامية والحسابات المهمة على مواقع التواصل الاجتماعي، فربّ كلمة تؤدي إلى مشكلة كبيرة، وإن النار من مستصغر الشرر، فالشحن والتعبئة والاستماع إلى الطاقة السلبية بالنيل من بعضنا، سوريين وأتراكاً، يؤدي بالتأكيد إلى بناء عداوات وخصومات؛ تفيد أكثر ما تفيد أعداءنا المتربصين بنا على الحدود.

لا بد لنا أن تشعر كلاجئ بأن من احتضنك وأكرمك عليك ملاطفته وشكره، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، فهم يرون أنك أضررت بهم وباقتصادهم. فالبيت المخصص لعائلة من ثلاثة أشخاص حين يدخله ستة أشخاص فجأة يضيق بالعائلة، ويخلق ربما حالة من سوء الخلق والمعاملة المتشنجة، وهذا ما ينطبق على حالة الدول.

مع دخول القوات التركية في سوريا، ونشر آلاف من جنودها على خطوط الرباط مع الاحتلال الروسي والإيراني والعصابات الأسدية، سينظر التركي إلى اللاجئ السوري على أنه هرب من مواجهته التي هو أولى بها مع النظام، وأن الجيش التركي هو الذي يقاتل بديلاً عن اللاجئ السوري. بل والأسوأ من ذلك أن من بين السوريين من يذهب ليشوّه صورة المناطق المحررة من حيث يدري أو لا يدري، حين يرى أن ترحيل اللاجئ إلى هذه المناطق خطر عليه، فكيف تكون هذه المناطق خطرا على أبناء البلد بينما الجندي التركي يذهب إليها، بل ويُقتل عليها، ويؤتى بجثته لأهله وشعبه، مع إدراكنا أن الاتفاقيات الدولية فرضت على السوري ألاّ يقاتل؟
ثمة مسؤولية على الإعلاميين الأتراك، وتحديداً الناطقين باللغة العربية، في توضيح ما يجري في سوريا، وتحديداً في ما يتعلق بمصالح ووجود قوى كبرى وإقليمية تحتل هذا البلد، وهذا الاحتلال يمسّ الأمن التركي بشكل مباشر

باختصار، ثمة مسؤولية على الإعلاميين الأتراك، وتحديداً الناطقين باللغة العربية، في توضيح ما يجري في سوريا، وتحديداً في ما يتعلق بمصالح ووجود قوى كبرى وإقليمية تحتل هذا البلد، وهذا الاحتلال يمسّ الأمن التركي بشكل مباشر. والسوريون اليوم يشكلون خط الدفاع الأخير عن تركيا، وإن السوريين ضحوا بكل ما يملكون، وتعرضوا لما لم يتعرض له شعب؛ من قصف بالكيماوي لـ330 مرة بحسب تقرير ألماني، وقصف بكل الآلة الجهنمية الروسية والإيرانية والأسدية، واقتلاع لـ14 مليون شخص، وهو ما لم يحصل في التاريخ، ومع هذا فهم صامدون.

كما لا بد من الإشارة هنا إلى الجوانب الإيجابية للاجئين السوريين من حيث الأمانة، كما حصل مع الشاب في مرسين الذي عثر على مبلغ نصف مليون يورو وسلّمه لشرطة المدينة، فضلاً عن جوانب إيجابية أشاعوها في الحياة التركية، وضخ دماء جديدة، وتسويق تركيا وسط السائحين العرب لمعرفتهم اليوم باللغتين العربية والتركية. فالظُفر لا يمكن فصله عن اللحم، كما أن الماء لا يمكن فصله بالعصا، فماء السوري والتركي واحد ديناً وجغرافياً ونسباً، والآن يتشاطرون عدواً واحداً كما كانوا على هذه الحال منذ قرون.
التعليقات (0)