إعادة الاحتلال
الإسرائيلي
اعتقال أسرى
سجن جلبوع الستة، محمود العارضة وأيهم كممجي ومحمد قاسم العارضة وزكريا
الزبيدي ويعقوب قادري ومناضل نفيعات، يعيد قضية أسرى الحرية في
السجون والمعتقلات
الصهيونية إلى واجهة الحدث والاهتمام في الشارع
الفلسطيني والعربي. والمواقف التي
عكست تضامن الشارع الفلسطيني مع قدرة الأسرى على تحرير أنفسهم بعملية بطولية ضربت
هيبة المحتل الأمنية؛ كان من المفترض الاستدلال بها فلسطينياً، من خلال النتائج
التي أظهرتها العملية بأبعادها السياسية والاجتماعية في الأراضي الفلسطينية
المحتلة؛ التي كسرت وقائع المحتل الأمنية وحشرته في زاوية ضيقة من نفق الحرية.
كسر إرادة الأسرى في إعادة
اعتقالهم هو المنجز على المستوى الأمني الإسرائيلي، وعلى المستوى السياسي
الفلسطيني هناك واجب حماية وتقوية إرادة الأسرى عموما في المعتقلات، بما يتجاوز
حالة التضامن الإعلامي وإيراد أخبار الأسرى في وسائل الإعلام المحلية.
فأيام الحرية القليلة التي
تنعّم بها أسرى جلبوع تنطوي عليها أبعاد اجتماعية وسياسية، وأخلاقية ومعنوية، وبعض
مظاهر البهجة التي رافقت تحرير الأسرى أنفسهم وسرعة إلقاء القبض عليهم؛ تكشف عمق
المأساة التي يعيشها أسرى الحرية وعموم الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، مع بقاء
الهشاشة الأمنية للمناطق الفلسطينية الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية "ظاهرياً"،
وتحت المقصلة الأمنية الإسرائيلية عملياً بضمانة التنسيق الأمني مع المحتل، حيث تبدو
الأمور على نحو أشد فظاظة وفجاجة مما كانت عليه الأوضاع الفلسطينية في العقود
الماضية.
من العبث المرذول بمكان وضع
قضية الأسرى ببيانات رسمية تتضامن معهم، أضافت إليها سنوات الاعتقال الطويلة
للمناضلين نعوتاً متتالية، من التقصير وعبادة المصالح إلى التآمر عليهم وعلى
قضيتهم، وإذا كان لنا أن نصرخ بغضب لأوضاع الأسرى أو نصمت بأسى لإعادة اعتقالهم،
فعلينا ألا ننظر باستخفاف لإنجازهم البطولي بتوجيه ضربة كبرى بالغة في الإيلام
للأمن الصهيوني.
ولعل الإشارة مستقبلاً لسجن
جلبوع تفضي مباشرة لنفق الحرية الذي حقق أسرى البطولة فيه أسطورة، بقدر ما تفضي الإشارة
لجهود الاحتلال ومخابراته مع التنسيق الأمني إلى تخوم العجز والارتهان لإرادة
المحتل. وقد كان طبيعياً أن تأخذ حرية الأسرى بساعاتها أو أيامها القليلة إلى
استنهاض مجتمع يرفع من قيمة الإنسان وتطلعه إلى الحرية من الاحتلال.
التعاطي مع ملف وقضية
الأسرى في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي، فلسطينيا وعربياً، يحمل الكثير من التهميش
والتخاذل والعجز والتآمر. تبدو المعادلة أكثر وضوحاً، فالسياسة التي تؤمن بها
السلطة الفلسطينية، تغيب كلياً في فترة الحرية الجزئية للأسرى الهاربين.. لا بيانات
موجهة لمجلس الأمن والأمم المتحدة، ولا للصليب الأحمر الدولي لتطالب بحماية الأسرى
والإفراج عنهم فوراً، ولا مطالبات لمجلس الجامعة العربية وغيرها من المنظمات الإقليمية
والدولية التي تحب السلطة إبلاغها ببيانات متعاقبة بعد كل اعتداء وإرهاب إسرائيلي.
العجز عن اتخاذ قرار منصف بحق أسرى الحرية يؤمن لهم الحماية المحلية والدولية
اللازمة؛ يشكل قنابل قابلة للانفجار في أي وقت، أما المبادرة لإصدار بيانات ومواقف
روتينية فارغة المضمون، لا تفرج عن معتقلين ولا تحمي ظهورهم، تَركت إرهاب المحتل
يستبيح الأرض بالمستوطنات والتهويد والاعتداءات المتكررة على طول الأرض وعرضها في
فلسطين.
هكذا هو الحق الفلسطيني، في
أرضه وأسراه، مستباح، لكن له فعل الهزات الكبرى القامة التي ترمي إلى سطح الأرض ما
تختزنه داخلها. يظهر الأسرى من نفق الحرية أقوى من جلاديهم، ومن خلف القضبان أصلب
بإرادتهم الفولاذية، ممسكين بهويتهم الوطنية، فيكون لصبار البلاد وعسلها وزعترها
طعمٌ يعرفه الأحرار.
يعرف أسرى فلسطين وشعبها أكثر
من غيرهم معنى دفاعهم عن وطنهم وحريتهم، وعن حقهم في الهواء والماء والشمس وعن
حصتهم في صبار البلاد، يعرفون أكثر من سواهم معنى إرهاب المحتل، وخذلان السلطة
والعربي والعالم، ومعنى أن يكونوا ضحايا لإرهاب عدو، فهل يعرف قادة السلطة
الفلسطينية شعبهم؟
الأعمال بدلالتها، والصدور
دُججت بكل ما يفضح ويجرح. التعريف الصريح والواضح لكل أسرى فلسطين مع "الأفعال"
أو الأعمال التي قادتهم إلى خلف القضبان، هي بالتعريف الرسمي للسلطة وقادة أجهزتها
الأمنية "إرهابية" تستوجب القمع وإعادة الاعتقال.
المعرفة تتلخص بما تسرده
اجتماعات التنسيق الأمني، وما تفاخر به الرئيس أبو مازن مراراً لسنوات طويلة أمام
وسائل إعلام عربية وعبرية؛ عن معرفته ورأيه بمن يحاول أن يرفع قبضته أو يخبئ في
حقيبته المدرسية ما يزعج إرهاب المحتل.
twitter.com/nizar_sahli