قضايا وآراء

قمة بغداد.. هل تجمع المصلحة شتات الفرقاء؟

محمد الشبراوي
1300x600
1300x600
لأول مرة منذ فترة طويلة، تستضيف العاصمة العراقية بغداد قمة تجمع هذا العدد من الدول والمنظمات، خاصة أن هذه القمة تأتي في مرحلة هامة تشهد تحولات في المنطقة وتوازنات جديدة، بعد تقليص الولايات المتحدة الأمريكية لوجودها، إضافة إلى انسحابها من أفغانستان.

قمة الفرقاء

جمعت قمة بغداد بين مصر وتركيا وإيران والأردن والسعودية وقطر والكويت والإمارات وفرنسا، إضافة إلى جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي.

لقد كانت قمة بغداد "قمة الفرقاء" بامتياز، والذين كان العراق أحد الساحات لتصفية الحسابات فيما بينهم؛ فقد جمعت القمة فرقاء المنطقة بخلافاتهم وتوافقاتهم، وقد عبرت خطابات القمة عن المصالح المتصارعة بين الدول المشاركة، وجاء كل طرف محملا بأجندته.

هناك خلافات بين دول "قمة بغداد للتعاون والشراكة" في ملفات هامة، أبرزها الخلاف مع إيران، إضافة إلى الخلاف حول الربيع العربي، ولكن على جانب آخر كان هناك تقارب في بعض الملفات الخلافية الأخرى؛ حيث شهدت الفترة الماضية نهاية للأزمة الخليجية وحصار قطر، كما أصبح هناك نوع من التوافق في الملف الليبي، إضافة لما تم في الملف اليمني.

عودة العراق إلى محيطه

عُقد مؤتمر بغداد تحت عنوان "قمة بغداد للتعاون والشركة"، وهو عنوان يحمل كثيرا من التمني أكثر منه تعبيرا عن الواقع؛ حيث لا يوجد ما تقوم عليه هذه الشراكة في الوقت الحالي، إلا أنه يأتي ضمن محاولة إعادة العراق إلى دوره الطبيعي في المنطقة. فقد خسر العرب والمنطقة كثيرا بتغييب العراق عن دوره كدولة إقليمية كبرى، كما أن استقرار العراق له انعكاساته الواضحة على الاستقرار الإقليمي والدولي.

من الواضح أن عقد قمة بغداد جاء متوافقا مع رغبة أمريكية غربية - يعبر عنها حضور الرئيس الفرنسي ماكرون الذي يُعد وسيطا مقبولا لدى المشاركين في المؤتمر، خاصة السعودية وإيران - ترى أن إعادة تشكيل العلاقات الخارجية للعراق على المستويين الإقليمي والدولي، وربطه بمحيطه العربي؛ يصب في إحداث نوع من التوازن، ولاعتبارات منها ما يتعلق بالمشروع النووي الإيراني.

العراق والاستقرار الداخلي

لقد لعب العراق دورا في الوساطة والتوفيق بين إيران والسعودية، حيث احتضنت العاصمة بغداد باكورة اللقاءات والمحادثات المباشرة بين مسؤولين إيرانيين وسعوديين رفيعي المستوى، في التاسع من نيسان/ أبريل 2021، لكسر جدار عدم الثقة بين الدولتين.

لكن معاناة العراق من أوضاع داخلية غير مستقرة، إضافة إلى التدخلات والنفوذ الأجنبي؛ يؤثر على قدرة العراق على القيام بأدوار إقليمية ويجعلها شبه معدومة.

لقد سعى العراق من خلال هذا المؤتمر إلى مزيد التواصل مع دول الجوار والمنطقة والعالم، لمناقشة قضايا تتعلق بالأمن ومكافحة الإرهاب والفساد والبنية التحتية، وغيرها من الملفات المشتركة بين العراق والدول المشاركة.

وقد عبرت حكومة الكاظمي عن رغبتها في أن يكون للعراق دور محوري، وهذا الدور نرى أنه ليس لخلق توازنات إقليمية فحسب؛ ولكن يصب وفقا للرؤية العراقية في استثمار هذه التوازنات لتحقيق استقرار العراق داخليا، ورفع يد النفوذ الأجنبي والتدخلات الخارجية في الشأن العراقي، وخاصة النفوذ الإيراني المهيمن على القرارات في العراق.

لذلك فإن التحدي الأبرز بالنسبة للعراق، والذي عكسته خطابات القمة هو، كيف يحقق المواءمة بين الأولويات المختلفة والمصالح المتناقضة للدول المشاركة.

خطوة على الطريق

لقد تسيّد التوتر الموقف في علاقات دول المنطقة طوال الفترة الماضية؛ فالمنطقة العربية هي من أكثر المناطق توترا في العالم، وتعد مسرحا لتنافس الدول الكبرى وهيمنتها، وقد تعددت ساحات النزال والتي كان العراق أحدها.

لقد كان الوجود الأمريكي بالنسبة لكثير من دول المنطقة ضامنا لضبط التوترات حتى لا تنفلت، ومع الانسحاب الأمريكي من المنطقة، وضعف الحضور في قضاياها، وتراجع المنطقة في سلم الأولويات الأمريكية؛ يبدو واضحا حالة الهلع بين الأطراف التي ربطت نفسها ومصيرها بالوجود الأمريكي، وتتخوف من استثمار قوى أخرى لهذا الغياب.

قمة بغداد رغم مخرجاتها البروتوكولية والتوفيقية، إلا أنها تعكس الحاجة الملحة لدول المنطقة إلى هدنة، وإلى ضرورة البحث عن آلية لإدارة الخلافات والتعايش فيما بينها، وذلك استدراكا للفراغات التي ينتجها ضعف الحضور الأمريكي في المنطقة.

لقد شهد المؤتمر لقاءات ثنائية بين الرئيس المصري وأمير قطر، ورئيس وزراء الإمارات ووزير الخارجية الإيراني، وهذه اللقاءات لا شك تحمل دلالات تصب في طريق إذابة الجليد بين الفرقاء، غير أن اللافت للنظر أنه لم يُعقد لقاء بين وزيري الخارجية السعودي والإيراني؛ مما يؤشر إلى أن هذا المؤتمر لم يُعنى بالحوار السعودي الإيراني، وقد كان تمثيل الطرفين في المؤتمر بوزيري الخارجية مؤشرا له دلالاته، بخلاف دول أخرى كان التمثيل بأعلى المستويات، في دلالة على أقصى درجات الاهتمام بالعراق.

الخلاصة

إن مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة سواء كان انعكاسا لرغبة خارجية أو رغبة إقليمية، يعد محاولة جيدة لإدماج العراق في محيطه، تنضم إلى محاولة سابقة هي قمة الشام الجديد، التي جمعت بين مصر والعراق والأردن، رغم وجود اعتراضات لدى البعض في الداخل العراقي يغذيها نفوذ خارجي.

ورغم أن الدول المشاركة في مؤتمر بغداد جاءت محملة بأجنداتها الخاصة، وما جاءت به المخرجات التوفيقية للمؤتمر؛ فإنه مثّل منصة جديدة من الممكن أن تساهم في إدارة الخلافات بين فرقاء المنطقة وخلق مساحات مشتركة من المصالح، إضافة إلى دفع مسار التنمية في العراق وإعادته إلى دوره الطبيعي الوازن والهام لاستقرار الإقليم.

في المنطقة العربية تعودنا ألا نعوّل على بيانات المؤتمرات ومخرجاتها المعلنة، ولكن دائما ننتظر ما ينضح عن اجتماعات الغرف المغلقة.

ورغم التحولات الجيوسياسية التي يعيشها العالم وتنعكس على المنطقة، ورغم أن المصلحة تقتضي جمع شتات الفرقاء في منطقة من المفترض أن ما يجمعها أكبر بكثير مما يفرقها، إلا أن الواقع ما زال يؤشر إلى خلاف ذلك.
التعليقات (0)