كتاب عربي 21

تونس: الحزبية في طريق مسدود

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600
يراهن البعض، ومن بينهم حركة النهضة، على أن الضغط الدولي يمكن أن يساهم في إحراج الرئيس سعيد، وقد يدفعه نحو تعديل مساره، والتراجع عن الاستمرار في خط اللا عودة. ويبدو أن هذا الرهان قد يتحول إلى الجزء الرئيسي من خطة الحركة وقيادتها في الوقت الراهن، رغم أن التجارب السابقة من جهة والمؤشرات الحالية من جهة أخرى تؤكد على أن خطة من هذا القبيل قد تفشل، وقد تؤدي إلى نتائج عكسية.

قيس سعيد لم يصبح رئيسا بدعم خارجي، هذا المعطى يصعب التشكيك فيه. فالرجل قادم من مكان بعيد، ولم يراهن عليه أحد إلى أن قرر الانخراط في السباق الرئاسي، قبل ذلك التاريخ لم يعرف عنه علاقة ما بدولة إقليمية أو غيرها. حتى الذين تحدثوا عن احتمال أن تكون إيران داعمة للرجل بحكم كونه قد اعتنق المذهب الشيعي، بينت مختلف المعطيات أن هذه الفرضية واهية ولا تستقيم.

ولد سعيد من رحم الأزمة السياسية والاقتصادية التي شهدتها البلاد منذ الثورة حتى الآن، ومن داخل هذه الأزمة يجب الشروع في البحث عن الأسباب العميقة التي جعلت منه الرجل القوي في تونس أو "الرئيس المنقذ" بعد الإجراءات الاستثنائية التي أطلق من خلالها مسارا سياسيا انتقاليا؛ ظن الجميع بكونه غير قابل للتوقف أو الانتكاس إلى الخلف.
ولد سعيد من رحم الأزمة السياسية والاقتصادية التي شهدتها البلاد منذ الثورة حتى الآن، ومن داخل هذه الأزمة يجب الشروع في البحث عن الأسباب العميقة التي جعلت منه الرجل القوي في تونس أو "الرئيس المنقذ" بعد الإجراءات الاستثنائية التي أطلق من خلالها مسارا سياسيا انتقاليا

لا بد من أن يتخلص خصوم سعيد من نظرية التآمر عليهم بدعم من أطراف أجنبية. فهذه الفكرة خبيثة، ولا تساعد على الفهم والتحليل، ولن تسهم في تحقيق أي تقدم لرسم سياسة عقلانية للمستقبل. الذين أوصلوا قيس سعيد إلى قمة الجبل الذي يقف فوقه بثقة واطمئنان، هم الذين دعموه خلال الانتخابات الرئاسية إلى أن فاز بشكل كاسح، وهم الذين حاولوا احتواءه عندما وصل إلى قصر الرئاسة، وعندما فشلوا في ذلك حاولوا أن يضغطوا عليه في مناسبات عديدة، ثم انتقلوا إلى تحويل الحكومة ضده عندما دخل في خلاف مع رئيسها هشام المشيسي، وأخيرا أغلقوا أمامه جميع المنافذ حتى انطلق كالسهم نحو تنفيذ خطته التي نضجها تدريجيا خلال الأشهر الأخيرة من مقامه في قصر قرطاج.

لا شك في أن سعيد تعسف على النص الدستوري، وذهب في قراءته للفصل 80 وغيره من الفصول المرتبطة به التي سيستند عليها لنسف الدستور والإطاحة بالمنظومة التي انبثقت عن المجلس الوطني التأسيسي (2012- 2014). وستبقى خيوط اللعبة بين يديه لفترة قد تطول، لكن على الجميع أن يتحملوا مسؤولياتهم فيما آلت إليه الأوضاع بعد أن انتهى المسار كله إلى مأزق تاريخي.

الديمقراطية مبدأ جميل وهي من أقل الحلول سوءا لإدارة الشأن العام، لكن الديمقراطية تفرض على المؤمنين بها أو المستندين عليها حسن تنزيلها على أرض الواقع، والانتباه إلى المنزلقات التي من شأنها أن تفضي إلى أوضاع مناقضة للفلسفة الديمقراطية ذاتها.

ما يلاحظ في التجربة التونسية أن التعددية الحزبية قد فشلت فشلا ذريعا في خدمة التونسيين وفي إقناعهم بأن الأحزاب ضرورة، وأن وجودها من شأنه أن يقطع الطريق أمام الاستبداد، أيضا أمام الفساد، ومن شأنها أن تؤدي إلى رفاهية المجتمع وحماية حقوقه.
لقد سقطت التجربة في ظرف سنوات قليلة، ونجح خصومها في إرباكها وإدخالها في مآزق عديدة حتى فقدت بريقها، وفقدت معه احترام التونسيين لها. فالسقوط الاقتصادي والاجتماعي الذي صاحب التجربة جعل نسبة عالية من المواطنين يشعرون وكأنهم وقعوا في فخ

لقد سقطت التجربة في ظرف سنوات قليلة، ونجح خصومها في إرباكها وإدخالها في مآزق عديدة حتى فقدت بريقها، وفقدت معه احترام التونسيين لها. فالسقوط الاقتصادي والاجتماعي الذي صاحب التجربة جعل نسبة عالية من المواطنين يشعرون وكأنهم وقعوا في فخ، وأن وعود الأحزاب ليست في الحقيقة سوى أكاذيب من أجل السيطرة عليهم والمس من مصالحهم، والدفع بهم نحو متاهة لا قرار لها.

هذا الشعور الذي ساد بين التونسيين استثمره قيس سعيد جيدا، وحوّله إلى خطاب "جميل"، مدعم بواقع بائس وحقيقي. لهذا عندما قرر فجأة إيقاف المسار بطريقة لم تخلُ من تعسف، أيّده عموم التونسيين، ولم يترددوا في الوقوف إلى جانبه، رغم أنه لم يقدم لهم ضمانات حقيقية، ولم يعرض عليهم بقية عناصر خارطة الطريق.

ما حصل في تونس لا يعني أن الأحزاب خرافة، وأن التعددية الحزبية أكذوبة، أو ليست لها علاقة لها بحل معضلة الحكم، أو بمواجهة تعسف الدولة، لكن التعددية ليست فقط فن المناورات، ولا تقف عند تكوين أحزاب بأي شكل أو بأي مضمون. التعددية قيمة تستند على قيم أخرى، لهذا يتم ربط الديمقراطية بالثقافة الديمقراطية. وما حصل في تونس حول الصراع السياسي إلى هدف في ذاته، وجعل من موازين القوى الانتخابية عاملا وحيدا أو يكاد للتحكم في اللعبة السياسية أو في تعطيلها. لكن بعد سنوات من الرقص داخل نفس المربع على حساب مصالح الناس ومستقبل أبنائهم، اهتزت الأفكار، وأغرق صراع الأحزاب واللوبيات البلاد في أوضاع رديئة جدا. فكانت النتيجة خلق تناقض في الأذهان بين مصلحة الشعب وبين الديمقراطية أو الحزبية. لهذا قال الكثيرون: علينا أن نضحي بالأحزاب ونقبل بالحكم الفردي.

من هذه النقطة بالذات، يجب أن ينطلق الذين خسروا الجولة الأولى من الصراع.
التعليقات (2)
نبيل صوة
الجمعة، 13-08-2021 04:57 م
اداء منظومة الديمقراطية رهين بالقانون الانتخابي. في تونس الثورة تبنت قانون انتخابي يمنع الاحزاب الكبيرة من ااهيمنة على الحياة السياسية و يجبرها على قبول انتخاب اناس لا رصيد شعبي لهم و اعطاءهم مسوليات و الاضطرار لاقامة تحالفات حكومية معهم من جراء هذا القانون فسدت الحياة السياسية و اصبحت الانتخابات لا معنى لها و اثبحت القوى السياسية الميدانية مكبلة لا تحسم في اي مسالة ان الاوان لتلافي هذا الخلل حتى يعود للفوز في الانتخابات معناه و للقوى السياسية المجال لتطبيق برامجها و تحمل مسوولياتها كاملة
adem
الأربعاء، 11-08-2021 11:33 م
من فضلك احترم عقولنا ، تريد أن تقنعنا أنّ الرّجل تحرّك بمحض إرادته و حنكته السياسية ؟!!! بدون أيّ سند إقليمي أو دولي ؟ حَكَمَكُمْ رئيس وزراء فرنسي لمدّة 4 سنوات !!! سي الشّاهد !!! اقتصادكم بيد غيركم !!! .....أنتم تتوهّمون أنّ تونس تركيا مثلا ؟!!! ليست الحزبية في طريق مسدود بل قريبا تونس بأكملها ، الحزبية الفاشلة لها دواء قاتل واحد فقط أتدرون ما هو ؟ العودة إلى الشّعب و الصندوق ، أليس ذلك ما طُلِب من الشّهيد مرسي ؟