قضايا وآراء

لبنان: المنصة الدولارية الموعودة في زمن الدولار المحلق والدين العام القاتل

محمد موسى
1300x600
1300x600

كل عام وأنتم بخير.. هلّ هلال رمضان ولا مال في الجيوب، والحال يبكي على حاله في جمهورية هاربة من نفسها، وحكومة تصريف أعمال تبتعد عن الانعقاد لإيجاد الحلول بحجة الدستور والحفاظ عليه، والحقيقة المؤكدة هي الهروب إلى الأمام من تجرع سم القرارات المصيرية لرفع الدعم وتلقف كرة النار القادمة.

أي حكومة و5 أمبيرات شارفت على نصف مليون ليرة؟

كرة النار المتمثلة في عيّنة تقارب 85 في المئة من اللبنانيين الذين لا يسألون عن الحكومة وشكلها وعديدها واختصاصيها وسياسييها وتكنوقراطها، بل يسألون عن غالون زيت مدعوم مما تبقى ولم يحجره التجار في مخازنهم أو من كيس سكر بات أداة افتعال لمشاكل في السوبرماركت على مساحة الوطن الجريح ولا يجد الطبيب المداوي.

نعم السؤال الأكبر: متى تأتي الكهرباء وكم تبلغ ساعات التقنين الكهربائي؟ وكم ستبلغ كلفة خمسة أمبيرات من مافيات المولدات؟ هل تصل إلى راتب كامل من الحد الأدنى للأجور؟!! وهل يمر رمضان على خير أمنيا واجتماعيا وسياسيا مع كل الجو من الخوف السائد؟ والسؤال الملحّ: من يوقف سلم الدولار الذي يلعب على أعصاب الناس في لعبة السلم والثعبان الذي يلدغ حياة اللبنانيين عند كل مفترق؟

من يلجم الدولار؟!

العملة الخضراء لا تعرف من يلجمها، حيث وصل الاحتياطي الإلزامي إلى نقطة اللا عودة في بلاد موازنات الأرقام لا الرؤى الاقتصادية، وإن حملت في طياتها قرارات موجعة في عملية استئصال السرطانات المتنوعة في جسد الاقتصاد المنهك، من الكهرباء السائبة صاحبة نصف الدين العام (أي ما يزيد عن 40 مليار دولار أمريكي)، إلى الدين العام الذي يصعد خافتا. وللتذكير، وصل بالعملة الأجنبية إلى ما يقارب 34 مليار دولار وبالليرة اللبنانية بحدود 58.7 مليار دولار، وذلك ربطا بسعر مصرف لبنان الخيالي عند عتبة 1500 ليرة للدولار الواحد.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن استمرار الدين العام بالصعود رغم إعلان الدولة في 9 آذار/ مارس 2020 توقفها عن سداد الديون بالدولار، لا سيما للدائنين الأجانب (اشمور على سبيل المثال)، وعزمها على إعادة جدولة تلك المقومة بالليرة اللبنانية.

ولاستكمال الصورة يكفي الحديث عن الموازنة العامة الرقمية في 2020، حيث سجلت عجزا نظريا بقيمة 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أو ما يقدر بـ3.9 مليارات دولار، مع العلم أن احتساب تراجع الإيرادات بأكثر من 60 في المئة في العام 2020، فالناس لا يملكون قوت يومهم فكيف يدفعون الضرائب!! وذلك مع استمرار الإنفاق التشغيلي كما هو، معتمدين سياسة الطبع المفرط. والحقيقة تقول إن نسبة العجز قد ارتفعت إلى أكثر من 10 في المئة أو ما يقارب سبعة مليارات دولار.

أما خدمة هذا الدين العام التي تقارب ستة مليارات، فهي لا تقف برغم التخلف عن الدفع للدائنين وما سببه من كوارث بالخروج من السوق، حيث لا دائنين ولا من يحزنون، مضافا إليه سرطان تضخم القطاع العام الذي باتت رواتبه عبئا يراكم الأعباء التي تنتهي بطبع العملة اللبنانية على غارب من يشاء، حتى لامست الكتلة النقدية ثلاثين تريليون ليرة بعدما كانت قبل ثورة تشرين الأول/ أكتوبر 2019 لا تتجاوز الخمسة تريليونات.

إطفاء الخسائر من جيوب الناس

وكأن البعض يستفيد بتمرير الوقت لبلوغ مرحلة ظهور الحكومة من جهة ودخول منصة مصرف لبنان الدولارية المنتظرة من جهة أخرى، بالاعتماد على لعبة الدولار في مزاد إطفاء الخسائر وعلى حساب معظم اللبنانيين وللدلالة والتقدير بلغة الأرقام، حيث مجمل الدين بالعملة المحلية يساوي 58.7 مليار دولار (89 تريليون ليرة) على سعر صرف 1515، فقد أصبح مع وصول سعر الصرف إلى 13 ألف ليرة، يعادل 6.8 مليارات دولار، وربما هنا بيت القصيد!!

فكيف إن بلغ سعر الدولار أرقاما أعلى (أي 20000 مثلا) في حال فشل منصة مصرف لبنان، وربما يكون هذا الخيار الأقرب مع تعقد المشهد اللبناني برمته الذي يئن من موسكو مع الرئيس المكلف إلى واشنطن التي وصل موفدها ديفيد هيل باحثا عن الحكومة الضائعة محليا؟ وماذا عن فيينا حيث الدخان الأبيض البعيد المنال آنيا؟ وكيف لو تصاحب كل ذلك مع العقوبات الأوروبية الموعودة فرنسيا، عندها لن تنجح لا منصة مصرف لبنان ولا سواها، حيث سيصاحبها الفشل في الاقتصاد وبلغة النقد، حيث السؤال الكبير: من أين سيضخ مصرف لبنان النقد الأجنبي ويتدخل وكلنا يعلم أن الاحتياطيات الأجنبية قاربت النهاية مع سياسة الدعم العشوائية، وبشهادة وزير المال وحاكم مصرف لبنان في رسالته الأخيرة لوزير المال؟

 

فالأول (وزير المال) صرح بأن الدعم قد ينتهي في نهاية أيار/ مايو، والثاني أشار إلى أن مصرف لبنان يرى أنه أصبح من الملحّ قيام الحكومة، وبشكل سريع، بوضع تصوّر واضح لسياسة الدعم التي تريد اعتمادها كي تضع حدا للهدر الحاصل وضمن حدود وضوابط تسمح بالحفاظ على موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية، والعمل على المساهمة في تأمين واردات بالعملات الصعبة لتغطية كلفة الدعم.

باختصار، الحلول الترقيعية لا تجدي، والحل أولا وأخيرا يبدأ لبنانيا بالسياسة ويتبلور إقليميا بالاتفاق، ويتجلى دوليا بالدعم من الدول الكبرى وصندوق النقد والأشقاء العرب الذي ينعكس اقتصاديا وماليا في نسب النمو الاقتصادي الحقيقي، بدلا من منصة دولار تشتري الوقت وتتأجل من هنا وكرتونة إعاشة من فريق سياسي من هناك.

التعليقات (0)