ملفات وتقارير

عائلات شهداء يوم الأرض تعيش الذكرى كل يوم

يوم الأرض - أ ف بفلسطين
يوم الأرض - أ ف بفلسطين

لم يكن حسني طه (٦٤ عاما) يعلم أن ظهيرة الثلاثين من آذار/ مارس من عام ١٩٧٦؛ لن تنمحي من ذاكرته أبدا، حيث حملت معها جرحا غائرا للعائلة بفقدانها أحد أبنائها الشهيد محسن طه (١٥ عاما).

تحولت بلدة كفر كنا المحتلة عام ١٩٤٨ إلى جبهة حرب في ذلك اليوم؛ فالاحتلال حاول احتلالها من جديد وإسكات الغضب الشعبي الذي انطلق رفضا لمخططات الاستيطان والتهويد التي تنهش أراضيها.

كان الفتى محسن يومها ينتظر بدء المواجهات كي يتقدم الصفوف؛ حيث عرفت عنه الشجاعة والإقدام وعدم الخوف من الأسلحة مهما تطورت، بينما كان شقيقه حسني في جانب آخر من البلدة مع بقية الأهالي يحاولون منع الآليات العسكرية والمدرعات من دخولها.

وبعد ساعات من الكر والفر تمكن الاحتلال من التوغل وسط البلدة؛ وهناك جمع عددا كبيرا من أهاليها في ساحة كبيرة ليحاول السيطرة على الأحداث، ولكن محسن أطل برأسه من إحدى الزوايا راشقا الجنود بالحجارة فأطلقوا الرصاص عليه.

يقول حسني لـ"عربي21" إن خبر إصابة شاب انتشر سريعا بين الأهالي؛ ولم يستطع أحد الوصول إليه بسبب التواجد المكثف للجنود والآليات؛ ولكن بعد وقت قصير تبين أن المصاب هو محسن برصاصتين في جبينه اخترقتا الرأس.

لم يطل الأمر كثيرا قبل إعلان استشهاد الفتى؛ ولكن حاول الأهالي رغم ذلك إيصاله لأقرب مستشفى، ووقتها كان أهالي كفر كنا يتجمعون حول منزله وينتظرون أي أخبار حول حالته الصحية؛ فخرج أشقاؤه وقالوا لهم إن محسن استشهد.

وأوضح حسني أنه فور إعلان الاستشهاد انسحبت الآليات العسكرية الإسرائيلية فجأة من البلدة؛ وذلك خشية حدوث ردود فعل من قبل الأهالي، وعم الحزن أرجاءها لتنعى المساجد شهيد القرية الفتى محسن طه.

البلدة التي كانت تتعرض للمصادرة والتهويد ما زالت تعيش الواقع ذاته اليوم؛ فأهاليها يعانون جراء سياسات الاحتلال التهويدية، وأراضيها تتعرض للمصادرة ولا يوجد أي مخطط هيكلي لبناء منازلها التي تتعرض للهدم دون مبرر.

ورأى حسني أن الأسباب التي انطلقت لأجلها ثورة يوم الأرض ما زالت موجودة حتى الآن؛ وأن البلدة التي يكتظ فيها سكانها ما زالوا يعانون من العنصرية الإسرائيلية، حيث يظهر الفرق جليا وكبيرا بين حياة أهالي كفر كنا وحياة المستوطنين في مستوطنة "نتسيرت عيليت" القريبة منها.

وأضاف: "في المستوطنة نجد رفاهية العيش والبناء المنتظم والمساحات الواسعة بين المنازل؛ بينما نحن نعاني من الاكتظاظ والمنازل الملتصقة ببعضها والعشوائية وعدم وجود أي تنظيم للبناء والتوسع، وفي الوقت ذاته تُصادر الأراضي، فالديمقراطية في إسرائيل مجرد كذبة كبيرة".

كل أهالي كفر كنا خرجوا في تشييع جثمان محسن عام ١٩٧٦ يبكونه ويهتفون له؛ ولكنه خط بدمائه طريقا ثوريا ما زال الفلسطينيون يتمسكون به حتى الآن مهما بلغت محاولات التهويد أوجها.

"الأرض طلبت أهلها"

في الثلاثين من آذار من كل عام؛ يحيي الفلسطينيون ذكرى يوم الأرض الذي ثاروا فيه ضد قرار قوات الاحتلال بمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية في الداخل المحتل، فأعلن الإضراب الشامل في بلدات سخنين وعرابة وطمرة ودير حنا وطرعان وكابول قبل ساعات قليلة من تحولها لساحات مواجهة مع الجنود، وخلال ذلك استشهد ستة فلسطينيين وأصيب العشرات.

جليلة أبو ريا (٤٦ عاما) كانت تبلغ من العمر سنة واحدة حين خرج والدها رجا أبو ريا (٢٨ عاما) آنذاك من منزله بعد سماعه أصوات الهتاف والمواجهات بعد ارتقاء الشهيدين خير ياسين وخضر خلايلة في عرابة، كانت حينها المدرعات العسكرية الإسرائيلية تجوب بلدته سخنين لإفشال الإضراب المعلن فيها.

وتقول لـ"عربي21" إن والدها ترك زوجته وطفلاته الأربع وخرج للمشاركة في المواجهات؛ وبالقرب من المنزل سمعت زوجته صوت طلقات نارية فأغلقت عينيها ودعت الله ألا تكون اقتربت منه، وبعد ذلك عم هدوء غريب المكان لتخرج صيحات الهتاف فجأة؛ حين وجد الأهالي رجا مضرجا بدمائه برصاصة في رأسه من قناص إسرائيلي.

حاول الأهالي نقل رجا بمركبة خاصة إلى المستشفى لأنه كان على قيد الحياة وينزف بشكل كبير، ولكن جنود الاحتلال منعوا المركبة من الخروج من البلدة، ثم قاموا بتحطيم الزجاج الخلفي للمركبة حين حاول سائقها التقدم، وحين وصل إلى المستشفى بقي مُلقًى على أحد أسرتها دون تقديم العلاج له، فنزف حتى استشهد.

ومنذ ذلك الحين كبرت جليلة وشقيقاتها يحملن لقب "بنات الشهيد"؛ وعرفن من خلال قصص والدتهن وجدتهن الشجاعة.

وأضافت: "كان والدي محبوبا وشهما لا يتنازل عن حقه؛ والكل يعرف عنه ذلك؛ ورسالة استشهاده كانت أن الأرض طلبت أهلها وهو لبى النداء وقدم روحه فداء لأرضه التي هي أغلى من كل شيء".

زوجة رجا عاشت طوال ٤٥ عاما كي ترعى طفلاتها بعد استشهاده؛ ولكن وقفة الأهالي معها على مدار السنوات لم تجعل جليلة وشقيقاتها يشعرن باليتم، وكان كل أهالي سخنين يتواجدون حولهن باستمرار ويقدمون لهن الدعم المعنوي.

أما عن سخنين وغيرها من البلدات المجاورة؛ فتقول جليلة إنها ما زالت تعاني من مصادرة الأراضي والتهويد وأساليب العنصرية المستمرة، مؤكدة أن الأهالي ما زالوا متمسكين بأرضهم ويرفضون كل هذه الممارسات.


وأشارت إلى أنه في الثلاثين من آذار من كل عام يقوم الأهالي بزيارة قبور الشهداء ووضع أكاليل الزهور عليها؛ ثم تنطلق مسيرة ويقام مهرجان مركزي في كل عام للتذكير بأمجاد الشهداء ودفاعهم عن أرضهم.

الشهيد رجا اغبارية عرض عليه الاحتلال ترك أراضيه التي يزرعها ولكنه رفض ذلك؛ معتبرا أن إغراءات الاحتلال للفلسطينيين بالعمل في المدن هي مقدمة لتهويد الأراضي والسيطرة عليها، ولكنه بقي يزرعها ومتمسكا بذلك حتى استشهد.

 



 

التعليقات (0)