"إقالات وإلغاء".. كيف تقمع السلطة الفلسطينية المدافعين عن حقوق الأسرى؟
عربي21- محمد خليل18-Feb-2504:03 PM
0
شارك
تأسست وزارة الأسرى، عام 1997 في عهد ياسر عرفات، وتحولت بعد ذلك إلى هيئة حكومية- جيتي
جاء قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بإحالة رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس، إلى التقاعد بعد رفضه قرارا يمس حقوق الأسرى بالرواتب والمخصصات المالية، يكون أحدث القرارات التي تستهدف أهم جهة رسمية تمثل الأسرى الفلسطينيين.
والأسبوع الماضي، أكد فراس قبل إحالته إلى التقاعد على القرار، موضحا أنه "يتنكر لتضحيات الفلسطينيين، الذين تطالبهم القيادة السياسية ممثلة بالسلطة الفلسطينية بالتصدي للاحتلال"، مخاطبا عباس قائلا: "أناشدك أن تتدارك هذا الأمر وأن يتم سحب هذا المرسوم".
بعد رفضه إلغاء رواتب الأسرى والشهداء، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يقرر إحالة "قدورة فارس" إلى التقاعد. pic.twitter.com/Xz4xZKNLzj
قضية الرواتب وصدر عن عباس، في 10 شباط/ فبراير الجاري، مرسوم يقضي بإلغاء المواد الواردة بالقوانين والنظم المتعلقة بنظام دفع المخصصات المالية لعائلات الأسرى والشهداء والجرحى، في قانون الأسرى واللوائح الصادرة عن مجلس الوزراء ومنظمة التحرير الفلسطينية.
وتضمن المرسوم نقل برنامج المساعدات النقدية المحوسب وقاعدة بياناته ومخصصاته المالية والمحلية والدولية من وزارة التنمية الاجتماعية إلى المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي.
اظهار أخبار متعلقة
وبموجب هذه التعديلات تخضع جميع الأسر التي كانت تستفيد من القوانين السابقة لـ"نفس المعايير المطبقة دون تمييز على جميع الأسر المستفيدة من برامج الحماية والرعاية الاجتماعية، وفقاً لمعايير الشمولية والعدالة، والتي تنطبق شروطها على كافة الأسر التي تحتاج لمساعدة في المجتمع الفلسطيني.
وذكر المرسوم أن مؤسسة التمكين الاقتصادي الفلسطيني "تتمتع بالشخصية القانونية الاعتبارية المستقلة التي يديرها مجلس أمناء يعينه الرئيس، وتعمل وفق قانونها ومهامها وآليات عملها الشفافة وتخضع لمعايير الرقابة الإدارية والمالية وبما في ذلك الرقابة من مؤسسات دولية".
وجاء ذلك ضمن اتجاه السلطة الفلسطينية للتواصل مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتقديم مقترح لـ"إصلاحات" يتعلق بآلية دفع رواتب الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وهو ما يمثل نقطة هامة بالنسبة لـ"إسرائيل" نظرا لأنها تعتبر ذلك "تمويلا للإرهاب".
ونقلت عن مصادر رفيعة المستوى في رام الله أن عباس يطلب مقابل هذا التغيير من الولايات المتحدة إلغاء قانون تايلور فورس الذي ينص على أن الولايات المتحدة لن تحول أي مساعدات للسلطة الفلسطينية حتى تتوقف عن دفع رواتب الأسرى من منفذي العمليات.
وأكدت المصادر أن عباس يسعى أيضا إلى إزالة العقوبات الأخرى التي فرضتها الولايات المتحدة على السلطة الفلسطينية، بينما يتوقع من "إسرائيل" التوقف عن خصم المبالغ المدفوعة للأسرى من أموال الضرائب التي تحولها للسلطة الفلسطينية، وذلك وفقاً لتشريعات الكنيست لعام 2019.
وتعتمد السلطة الفلسطينية بشكل أساسي على أموال الضرائب في تغطية دفع رواتب موظفيها وتغطية نفقاتها التشغيلية، والجزء الأكبر من هذه الأموال تجمعه "إسرائيل" نيابة عن السلطة.
وشهدت السنوات الماضية حجزا متكررا وتأخيرا في تحويل هذه الأموال، الأمر الذي أدى إلى عجز السلطة الفلسطينية عن الوفاء بالتزاماتها المالية، سواء لموظفيها أو للموردين من القطاع الخاص، بعد قرار حكومة الاحتلال احتجاز جزء من هذه الأموال.
ويذكر أن الاحتلال يجمع أموال الضرائب عن البضائع التي تمر خلالها إلى السوق الفلسطينية مقابل عمولة 3 بالمئة، وذلك لأنها تسيطر على جميع المعابر التي تربط الضفة الغربية بالعالم الخارجي.
واستنادا إلى القانون الأساسي الفلسطيني لسنة 2003 وتعديلاته المختلفة، يتلقى الأسير في السجون الإسرائيلية على خلفية مشاركته في النضال ضد الاحتلال راتبا أو مبلغا ماليا شهريا، بشرط ألا يكون موظفا، ويصرف هذا الراتب له أو لأسرته وينقطع فور تحريره من سجون الاحتلال.
وتنص المادة الثانية من هذا القانون أن كل أسير (اعتقل على خلفية النضال) يمنح راتبا شهريا يصرف له أو لأسرته، على أن لا يكون مستفيدا من راتب شهري من أي جهة حكومية أو شبه حكومية أو أية مؤسسة رسمية، كما أنه لا يجوز للدوائر الحكومية أو المؤسسات الرسمية أو المؤسسات شبه الحكومية أن تقطع رواتب الموظفين لديها في حال تم أسرهم.
اظهار أخبار متعلقة
وتؤكد المادة الرابعة أنه يستفيد من أحكام هذا النظام الشخص المفروض عليه الإقامة الجبرية من سلطات الاحتلال الإسرائيلي، على أن يقدم ذووه الأوراق الثبوتية اللازمة لذلك إلى الإدارة المختصة، على أن يتم صرف راتب للأسير من تاريخ أسره، بحسب المادة السابعة.
ماذا قال فارس؟ وفي مؤتمر صحفي عقد بعد مرسوم عباس بيوم واحد، قال قدورة فارس: "موضوع بهذا الحجم (رواتب الأسرى) كان يجب أن يناقش في كافة الأطر الحزبية، وأنا أناشد الإخوان في اللجنة المركزية لحركة فتح والمجلس الثوري والأقاليم أن يقفوا عند مسؤولياتهم"، مؤكدا أن مخصصات الأسرى كانت محل إجماع.
وأوضح رئيس هيئة شؤون الأسرى أن نحو 35 إلى 40 ألف أسرة فلسطينية، داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها، ستتأثر بهذا المرسوم، متهما بشكل غير مباشر، من وصفهم بـ"المستشارين" بأنهم "مضللون وضالون ومضلون"، وأنهم ابتكروا ما أسماه "مبررات واستدارات".
وخاطب فارس رئيس السلطة قائلا: "أنا أناشده، وهو من الرعيل الأول الذي أطلق المجموعة التي أطلقت الرصاصة الأولى، وأقول له: هؤلاء أبناؤك، وأبناؤهم وزوجاتهم وعائلاتهم هم أبناؤك، وهذه مسؤولية نسأل عنها يوم العرض العظيم. أناشدك أن تتدارك الأمر وأن يتم سحب المرسوم. وإن كان هناك داعٍ لقرار ما، فأنا أؤمن بدور المؤسسات، فلتتخذ هي القرار، وهذا معمول به في المؤسسات الفلسطينية. نحن في امتحان وابتلاء كبير، حيث توجد حكومة يمينية قاتلة مجرمة، ونريد التفكير معًا في كيفية مواجهتها".
رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس تعقيبًا على قرار الرئيس عباس بوقف رواتب الأسرى والجرحى والشهـ.داء:
▪︎نحن نطالب الأهالي بالتصدي للاحتلال والمستوطنين، عندما يصاب أو يعتقل نقول له لا نعرفك؟ هذا لا يجوز.
واعتبر فارس أن قانون الأسرى والمحررين، والأنظمة واللوائح التي تنظم دعم عائلات الشهداء والجرحى، تمثل "اللوحة الأجمل في البيت الفلسطيني"، حيث لم يختلف عليها أحد، ولم تنتقدها أي فصائل. وأشار إلى أن الأمر عُرض عليه عدة مرات، وكان قد استُشير في مراحل سابقة حوله، وكان يجيب دائمًا بأن مثل هذا الأمر يمكن مناقشته فقط عند وجود عرض سياسي ذي وزن ثقيل.
وكشف فارس أنه قبل 11 شهرًا، وفي ضوء الجهود التي وصفها بـ"المحمومة" من قبل من أسماهم "المنافقين وأعداء الحرية"، قبل ببعض الاستدارات بناءً على توجيهات من عباس، شريطة ألا تتعارض مع الحقوق المعنوية والمادية للأسرى وعائلات الشهداء والجرحى.
وأكد فارس أن من بين المقترحات المطروحة كان تقسيم الرواتب العالية للأسرى وعائلات الشهداء بين أكثر من وكيل، وإعداد الكشوف في هيئة الأسرى لتسليمها لمؤسسة "تمكين" دون المساس بحقوق الأسرى، على أن تقوم المؤسسة بصرفها.
لكنه أشار إلى أن المرسوم يجعل من مؤسسة "تمكين"، وهي مؤسسة أهلية وليست رسمية، المسؤولة عن هذه المهمة، كما أنها ستقوم بزيارات لمنازل الأسرى للكشف على أوضاعهم الاجتماعية، وهو ما رفضه فارس تمامًا.
كما طالب رئيس حركة الدفاع عن الحريات، حلمي الأعرج، بسحب هذا المرسوم، مشيرًا إلى توقيته ومضمونه غير المناسبين، خصوصًا أن الأسرى على أبواب الحرية.
ليست أول مرة وبالعودة إلى عام 2014، عملت السلطة الفلسطينية على تحويل وزارة الأسرى والمحررين إلى هيئة حكومية، تحت اسم الهيئة العليا لشؤون الأسرى والمحررين، وحينها جرى لأول مرة إعلان حكومة فلسطينية (حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني الثالثة برئاسة رامي الحمد الله، وهي الحكومة الفلسطينية رقم 17) منذ عام 1998 دون وزارة الأسرى والمحررين.
وذكرت جهات وأوساط فلسطينية في ذلك الوقت أن القرار سيكون استجابة من السلطة للضغوطات الإسرائيلية التي طالما تعرضت لها، من خلال انتقادات مستمرة لدعم الأسرى، باعتباره "دعمًا للإرهاب"، إلى جانب احتجاج إسرائيلي عبر تصريحات إعلامية، على طريقة استقبال الأسرى المحررين والاحتفاء بهم في مقر الرئاسة الفلسطينية.
اظهار أخبار متعلقة
ويذكر أن وزارة شؤون الأسرى والمحررين تأسست عام 1997 نتيجة جهود بذلها أسرى محررون وممثلوهم مع رئيس السلطة الراحل ياسر عرفات، من منطلق إعطاء أهمية خاصة لهذه القضية، وهي التي كانت قبل ذلك جزءا من مؤسسة الأسرى والشهداء التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وبعد ذلك بأربع سنوات جرى إقالة رئيس هيئة الأسرى عيسى قراقع، وسط تأكيدات فلسطينية أن ذلك تم بسبب مواقفه الداعمة للأسرى، ومعارضته للعقوبات التي فرضت على قطاع غزة وشملت قطع رواتب بعضٍ من أسراها.
وكان عباس فرض في 2018 إجراءات عقابية ضد قطاع غزة، أبرزها تقليص كمية الكهرباء الواردة له، وخصم ما نسبته 30 إلى 50 بالمئة من رواتب موظفي السلطة، وإحالات كبيرة للتقاعد، إضافة إلى تقليص التحويلات الطبية للمرضى للعلاج في مستشفيات الضفة أو الاحتلال الإسرائيلي بشكل كبير.
وكان قراقع من أبرز المعارضين للعقوبات التي فرضت على غزة وشملت قطع رواتب بعض من أسراها، وطالب حينها في مقابلة إذاعية بإعادة رواتب أسرى غزة المقطوعة، ووصف العقوبات على غزة بالمجحفة.
وعقب قرار الإقالة نشر قراقع مقالا تحدث فيه بشكل واضح وضمني عما جرى بحق الأسرى، قائلا: إن "الواقع المرير والصعب الذي يتعرض له الأسرى بالسجون سيكون بؤرة الاشتعال القادمة في المنطقة على ضوء الاستهداف الرسمي والممنهج من قبل حكومة الاحتلال لحقوق وكرامة المعتقلين، وأن سلطات الاحتلال مسؤولة عن كل التداعيات التي قد تحدث داخل السجون".