تقارير

في الوعي المبكر بخطر الاحتلال.. الشاعر إبراهيم الدباغ نموذجا

آل الدباغ في يافا عائلة مغربية الأصل، هاجرت إلى فلسطين، واستوطنت يافا بعد سنة 1775 بقليل- (أرشيف)
آل الدباغ في يافا عائلة مغربية الأصل، هاجرت إلى فلسطين، واستوطنت يافا بعد سنة 1775 بقليل- (أرشيف)

عالم أزهري، شاعر وكاتب صحفي فلسطيني، من عائلة ثقافية أنتجت عددا من الشخصيات المؤثرة في القضية الفلسطينية، أبرزهم الكاتب الموسوعي مصطفى مراد الدباغ، عاش وتوفي قبل النكبة. اشتهر ككاتب صحفي أكثر منه شاعراً.. إنه الشاعر الشيخ إبراهيم بن مصطفى الدبّاغ (1880- 1946).
 
آل الدباغ في يافا عائلة مغربية الأصل، هاجرت إلى فلسطين، واستوطنت يافا بعد سنة 1775 بقليل، لكن أصولها تعود إلى الحجاز والنسب النبوي (حسب كتاب القبائل العربية وسلائلها لمصطفى مراد الدباغ). 

ولد إبراهيم في يافا سنة 1880، وعاش بائساً (حسب الزركلي) ومات فقيراً (حسب الموسوعة الفلسطينية) وفصل معجم البابطين بطفولته قائلاً: درس في كتاتيب يافا، نشأ يتيماً فكفله جدّاه لأبيه ولأمه، وعنهما تلقى الملاحم (الشعبية) العربية. 

سمع بعض مجالس عبدالله النديم خطيب الثورة العرابية عندما نفي إليها سنة 1892 وتأثر بأفكار الحرية والإصلاح، وأصبح نصيراً لهذه الحركة وأفكارها.. عمل في صباه خياطاً ثم حداداً، وعندما شجعه النديم على إكمال دراسته في الأزهر، انتقل في شبابه إلى مصر، وجاور الأزهر وتتلمذ عند الشيخ محمد عبده والشيخ محمد علي المرصفي.. وزامل في مصر حافظ إبراهيم وأحمد محرم ومصطفى لطفي المنفلوطي وعبد العزيز جاويش..

وقبل أن ينهي دراسته في الأزهر أخذ ينشر مقالاته وأشعاره في الصحف المصرية المعروفة في بداية هذا القرن، مثل الأهرام والمؤيد واللواء ومجلة سركيس والرقيب.. حتى إنه أصدر في القاهرة صحيفة "الإنسانية" سنة 1903 وظلت تصدر ثمانية أعوام حتى أغلقتها الحكومة. وأسهم في تحرير صحف الحزب الوطني، حزب مصطفى كامل..

 



وفي سنوات الحرب العالمية الأولى كان محرراً لصحيفة "العفاف". واعتقله الإنجليز مدة عام تقريباً. ولما أفرجوا عنه حرّر مجلة "مرآة الأدب". وأصدر بين سنتي 1922 و 1924 جريدة "الزمان". وفي سنة 1926 فقد بصره بسبب مرض السكري فسُمّي "رهين المحبسين"، كما أنه لقب بـ"أديب القاهرة" و"فولتير مصر"، لكنه استمر في كتابة مقالاته وقصائده ونشرها في مختلف الصحف والمجلات الصادرة في مصر وفلسطين.

توفي الشاعر إبراهيم الدباغ في القاهرة في 26 شباط (فبراير) 1946، عن 66 عاماً. بعد وفاته نُقلت مكتبته من مصر إلى يافا ومن ضمنها عدة دواوين شعرية، وبعض كتبه الأدبية والتاريخية التي لم تُطبع ومعظمها ضاع مع نكبة 1948.

إنتاجه الثقافي

بدأ الدباغ ينظم الشعر وهو في الثالثة عشرة من عمره، فكان غزير المفردات جزيل المعاني بعدما حفظ ما نظمه فحول الشعراء القدامى والمحدثين، حتى وصفه صديقه الأديب أحمد تيمور بأنه "كان ذلق اللسان، عذب الكلام، فَكِه الروح. كان آية عصره في قوة الذاكرة وحضور البديهة وسعة الاطلاع".

جمع نظمه ونثره ودوَّنه ابن أخيه مصطفى الدباغ (حسب الزركلي)، وأصدر مما جمعه في ديوان شعر في جزأين قدّم له شاعر القطرين خليل مطران بعنوان "الطليعة" وكتاب "حديث الصومعة". وكتاب "في ظلال الحريّة"، وفيه مختارات من شعره ونثره. ومثله كتاب "شهد وعلقم". وكتاب "رسالة في التصوف وأبي العلاء". وفُقدت كتبه التي لم تطبع.

 



ولم تغب فلسطين عن قصائد الدباغ، خصوصاً بعد أن هالته أخبارها وما يُكاد لها من المكارِهِ والنوائب، فأنشد القصائد الكثيرة التي تصور حال فلسطين، وندد بالهجرة الصهيونية وأطماعها.

اشتهر له الكثير من القصائد الوطنية، منها قصيدته التي تناول فيها وعد بلفور، فقال:

متى أرى القومَ حولَ الصخرةِ اجتمعوا ..             بعد التفرّق من ناءٍ ومقتربِ
إني أرى حولها برقاً وجلجلةً ..                 وقد خلا رعدُها من هاطلِ السحبِ
ما وعدُ بلفور من أمر السَّماء ولا ..          في الجدبِ من أرضِنا درعٌ لمحتطبِ
هل وعدُ بلفورَ تشريعٌ إذا فرطت ..              أغلوطةٌ منه تدعو الناس للعجبِ

وله أيضاً:

في عُقرِ دارِكم هِنتُم فَهَانَ بِكم   ..        سَيفٌ تَقَلَّدتُموهُ غيرُ مَشهورِ
حَتّامَ يَخلبُنا بَرقُ السِّياسةِ مَش   ..     فوعاً بِرعدٍ وغَيثٍ غيرِ مَمطورِ
وَفيمَ يَخدعُنا مَكرٌ يُكذّبُهُ         ..      مَا يَشهدُ العدلَ مِن إفكٍ ومِن زورِ
هذي فِلَسطينُ بَعدَ الفاتحينَ غدَتْ ..        خُرافةً أو مِراحاً للأساطيرِ
كَم عَذَّبوها فَلم تَعبَأ وَما كَفرتْ ..          بِنعمةٍ وَهي دينٌ غيرُ مكفورِ

 

*كاتب وشاعر فلسطيني


التعليقات (0)