قضايا وآراء

زيارة قيس سعيد إلى الدوحة: هل يتدفق التيار بينه وبين الغنوشي؟

بحري العرفاوي
1300x600
1300x600

 

 

1- الغنوشي وعقدة السياسيين

منذ فازت حركة النهضة في انتخابات 2011 فوزا كاسحا أصبحت محل اهتمام الطبقة السياسية في تونس، بل وأعداء التجربة الديمقراطية في الخارج. حملات الترذيل لم تتوقف ضد الحركة ورموزها، وقد أثرت فعلا في شعبية النهضة، وهو ما تجلى في انتخابات 2014 حيث تراجعت للمرتبة الثانية، ثم في 2019 حيث تراجع عدد نوابها للمرة الثانية رغم حصولها على المرتبة الأولى.

ورغم كل محاولات الإيقاع بحركة النهضة، إلا أنها كانت دائما تسلك مسالك جديدة ومبتكرة تُنقذها مما يخطط أعداؤها، ولعل أبرز محطة لخروج النهضة من مؤامرة خطرة هي محطة الاغتيالات السياسية في 2013، حيث تمكن الغنوشي بمرونته السياسية والفكرية من الخروج بوزرائه من الحكم والدخول في حوار وطني، ثم عقد "توافق" تاريخي مع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.

أصبح الغنوشي بنظر الكثير من التونسيين وحتى المراقبين الدوليين صمام أمان للتجربة الديمقراطية وللسلم الأهلي، ولكنه تحول أيضا بنظر أعداء التجربة التونسية إلى مانع لمحاولات مشاريع الفوضنة، وتحول كذلك بنظر المنافسين السياسيين إلى "زعيم" يحجب الرؤية عن قامات سياسية أخرى تريد أن تكون في صدارة المشهد التونسي.

حتى داخل المشتغلين على عنوان الثورة، أصبح الغنوشي "مزعجا" ومهددا لطموحات مشروعة ولكن مستعجلة.

قيس سعيد ورغم أنه منتخب بأغلبية مريحة تشبه "التفويض الشعبي"، إلا أنه هو أيضا ظل يعبر باستمرار وبطرائق شتى عن كونه متوجسا من حضور الغنوشي السياسي ومن حضوريته المعنوية والفكرية.

الغنوشي لم يعد بعد رحيل الباجي يعدله أحد من السياسيين، سواء من حيث التكون الفكري والتاريخ النضالي، وسواء من حيث التجربة وشبكة العلاقات الإقليمية والدولية.

ظل قيس سعيد يعبر عن انزعاجه من احتكاك قوة الغنوشي بمجال "نفوذه" وكأنه يستشعر اختراقا لصلاحياته أو قضما من حجمه، لذلك كان يُذكر بأنه هو الرئيس الوحيد لتونس وهو ممثلها في الداخل والخارج، ثم وفي لحظات غضب يشير إلى مؤامرات في الغرف المظلمة، بل ويستعمل مفردات من غير قاموس السياسة ولا من مقتضيات هيبة الدولة ومهابة رجالاتها.

الغنوشي لم يرد إلا بكون العلاقة بالسيد رئيس الجمهورية قيس سعيد هي علاقة ممتازة، وبأن الرئيس محق في كونه رئيسا وحيدا، وبكون حديث "الغرف المظلمة" لا يُناسب ثورة ليلها كنهارها كما جاء على لسانه في حواره التلفزي على القناة الوطنية الأولى مساء 8 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.

2- زيارة الدوحة وتكريم قيس سعيد

أورد الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية البلاغ التالي: "وصل رئيس الجمهورية قيس سعيد مساء السبت 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 إلى مطار الدوحة الدولي، في زيارة دولة إلى قطر بدعوة من سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني".

الخبر كان يمكن أن يكون عاديا في ظل سياسة دولة تشتغل وفق رؤية واضحة وتستند إلى دعم شعبي وانسجام بين الأحزاب في الخيارات الكبرى تحديدا، غير أن الزيارة تأتي في أجواء من الصراع الداخلي تحت عنوان الاصطفاف والمحاور، وخاصة في طقس أيديولوجي ساخن لا يخفي عداوته للمحور الإسلامي التركي القطري تحديدا. لقد تم في مناسبتين تعطيل عرض مشاريع شراكة تنموية بين تونس وكل من تركيا وقطر على البرلمان التونسي.

معارضو حركة النهضة، وعلى رأسهم رئيسة الحزب الدستوري الحر وكذلك التيار الديمقراطي وحركة الشعب، ومنهم اتحاد الشغل وكثير من الإعلاميين والمثقفين، يعتبرون كلا من تركيا وقطر داعمين لحركة النهضة ولما يسمونه بـ"الإسلام السياسي" في المنطقة، ولذلك يرفضون أي تقارب سياسي أو ثقافي أو اقتصادي مع هاتين الدولتين. وقيس سعيد يستفيد بالتأكيد من كل تحرك يستهدف النهضة والغنوشي أساسا؛ لأن إضعاف النهضة والغنوشي - بنظره - يجعل حظوظه وافرة في انتخابات 2024.

زيارة قيس سعيد للدوحة مثلت "حدثا" بالنسبة للشقين؛ الشق المعارض والشق المؤيد، خاصة جمهور حركة النهضة الذي رأى فيها لجوءا إلى طرف داعم حقيقي عند الأزمة. وليس خافيا أن بلادنا تمر بضيق اقتصادي قد يولد احتجاجات عنيفة في الأسابيع القادمة.

الرئيس قيس سعيد كانت له لقاءات وزيارات متعددة في دولة قطر، حيث زار يوم 16 تشرين الثاني/ نوفمبر مجلس الشورى في الدوحة، كما زار مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع ومكتبة قطر الوطنية، وكانت له أنشطة مهمة تناسب شغفه بالتدريس في القانون الدستوري. وقد ورد في الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية: "لقاء مفتوح لجامعة لوسيل.. رئيس الدولة يقدم محاضرة أمام جمع غفير من المثقفين والمسؤولين عن مؤسسات اقتصادية وإعلامية وعدد كبير من سفراء البلدان العربية والأجنبية المعتمدين في قطر".

ولعل أهم حدث تكريمي للسيد رئيس الجمهورية هو الإعلان بحضوره عن إنشاء "الرابطة الدولية لفقهاء القانون الدستوري"، وإسناد رئاستها للأستاذ قيس سعيد.

وأما في مجال المشاريع والمساعدات الاقتصادية، أورد موقع رئاسة الجمهورية "أهمية استمرار التعاون بين الجانبين في مختلف المجالات، ولا سيما الاقتصادية والتنموية والاستثمارية والتجارية عبر إقامة خط بحري بين البلدين لزيادة حجم التجارة البينية، والإسراع في إنجاز منصة الإنتاج في سيدي بوزيد، وعقد اجتماعات اللجنة العليا المشتركة التونسية القطرية خلال الثلاثي الأول من سنة 2021، وإثراء الإطار القانوني المنظم للعلاقات بين البلدين وتفعيل دور القطاع الخاص في تحقيق تكامل المصالح المشتركة، ودعوة مجلس رجال الأعمال التونسي القطري إلى الانعقاد في أقرب الآجال.

3- انعكاسات الزيارة على الوضع الداخلي

إثر عودته من الدوحة والتي استمرت ثلاثة أيام، استقبل رئيس الجمهورية الأستاذ قيس سعيد بقصر قرطاج كلا من رئيس البرلمان الأستاذ راشد الغنوشي ورئيس الحكومة السيد هشام المشيسي، "وتناول اللقاء جملة من القضايا أهمها مشروع قانون المالية للسنة القادمة والوضع لصحي في البلاد.. وأكد رئيس الدولة على أن المرافق العمومية لا بد أن تستمر، وأن الخلافات داخل المجلس أو خارجه لا يمكن أن تمثل عقبة أمام المصادقة على قانون المالية الذي لا يمكن أن يكون فرصة لأي كان لحسم الخلافات بين عدد من الأطراف السياسية.. وقد بيّن رئيس الجمهورية أن هذا اللقاء هو رسالة للجميع مفادها أن الدولة لا بد أن تستمر، ولا بد من إيجاد تصور جديد لحل القضايا الحقيقية للشعب التونسي وهي قضايا اقتصادية واجتماعية في المقام الأول".

وبعد يوم فقط من استقبال رئيسي الحكومة والبرلمان، استقبل رئيس الجمهورية السيد نور الدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل. "وأكد رئيس الجمهورية على ضرورة بذل مزيد من الجهد والتعاون بين مختلف الأطراف بهدف الخروج من الوضع الصعب الذي تمر به البلاد بعيد عن المناكفات.. والعمل على تحقيق انتظارات الشعب التونسي".

قد تكون زيارة قطر فتحت آفاقا للاستثمار والتنمية، ولكن الاستثمار يحتاج دائما استقرارا سياسيا واجتماعيا بعيدا عن "المناكفات" التي لا تهم التونسيين، "مناكفات" كان رئيس الدولة نفسه طرفا فيها بخطاباته المتوثبة للخصومة والمشحونة بالاتهامات لأطراف مجهولة لا يشير إليها؛ يتهمها بالتآمر في الغرف المظلمة ويصفها بـ"مرضى القلوب" وبـ"النفاق" وغيرها من مفردات قاموس الخصام.

الشعب التونسي ليس معنيا بخصومات الأحزاب والساسة، ولا تعنيه إلا مصالحه المتعلقة بأمنه ومعاشه ومستقبل بناته وأبنائه في بيئة مستقرة وضمن هويته الوطنية والثقافية والدينية.

التقاء الرؤساء الثلاثة رسالة إيجابية للشعب التونسي تبعث فيه الأمل، ورسالة جدية للفاسدين والمهربين والمضاربين تحذرهم من كونهم ليسوا بعيدين عن أعين الدولة.

twitter.com/bahriarfaoui1

التعليقات (0)