كشفت
انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة، بمعركتها حامية الوطيس بين مرشحي الرئاسة "دونالد
ترامب" و"جوزيف
بايدن"، عن وجه عربي لهذه الانتخابات، وحقائق بالنسبة للمنطقة العربية.
لقد كانت الحقيقة الواضحة، التي كشفت عنها انتخابات الرئاسة الأمريكية 2020؛ هي أن المنطقة العربية ترزح في تبعية مقيتة؛ وأن دولها تبدو مرتهنة لمن يسكن البيت الأبيض.
يدرك المراقب لما يدور على شاشات الفضائيات، وما تنشره المواقع والصحف على الإنترنت، أن المنطقة العربية حبست أنفاسها - وهنا لا أقصد الشعوب ولكن أقصد النخب الحاكمة - وتتحرق شوقا أكثر من الأمريكيين أنفسهم لحسم المعركة الانتخابية، كل حسب من ارتبطت به مصالحهم.
كان واضحا أن نظم الحكم في المنطقة عيونها معلقة تجاه واشنطن، ومن سيكون سيد البيت الأبيض؛ وعّبر عن ذلك بوضوح التناول الإعلامي لقنوات دول المنطقة للانتخابات لحظة بلحظة.
عيون العالم قد تكون متجهة نحو الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنها ليست معلقة ومرتجفة، كما هو الحال في المنطقة العربية؛ فالعالم قد يهتم بنتائج الانتخابات الأمريكية، ولكنه غير مرتهن لنتائج تلك الانتخابات.
أكدت هذه الانتخابات أن المنطقة العربية تكاد تكون بمثابة إحدى الولايات الأمريكية؛ فهناك من يتمنى أن يستمر "ترامب" وهناك من يأمل أن يفوز "بايدن".
التغطيات الإعلامية الواسعة لحظة بلحظة، التي قامت بها القنوات من موقع الحدث في الانتخابات الأمريكية، أكاد أجزم أنها لا تعني المواطن العربي المغلوب على أمره في شيء؛ ولكنها تعني في المقام الأول النخب الحاكمة، التي جعلت من أمريكا قبلتها.
من الواضح أن هناك في منطقتنا العربية من استثمر بقوة في مرشحي الرئاسة الأمريكية؛ فمنهم من بنى خططه المستقبلية على استمرارية "دونالد ترامب"، ومنهم من يرى في المرشح الديمقراطي "جوزيف بايدن" فرصة، ربما تؤتي ثمارها في ما يأمله، ولم يتحقق في ظل وجود ترامب!
لم يحدث أن تمت تغطيات ومتابعات للانتخابات الأمريكية على مستوى الإعلام العربي كما يحدث الآن، وقد يعزى ذلك للتكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة، غير أن الحقيقة أن هذه التغطيات والمتابعة الحثيثة والتي تحتاج إمكانيات جبارة؛ هي بإرادة وتوجيهات نخب حاكمة، وليست مطلبا لجماهير المنطقة.
التغطيات الإعلامية للانتخابات الأمريكية بدون شك مثلت فرصة لإعادة تدوير صورة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الجماهير العربية، وفي نفس الوقت تكرس بطريق غير مباشر للهيمنة المعنوية الأمريكية في ذهن المتلقي من جماهير المنطقة العربية.
الانتخابات الأمريكية بيّنت أن المنطقة العربية برمتها لا تعني الناخب الأمريكي في شيء، وأنه لا يهتم سوى بما يتصل بمصالحه فقط، وهذا أمر طبيعي، فالشأن الخارجي هو أمر على الهامش للناخب الأمريكي.
الحقيقة الثابتة في الانتخابات الأمريكية في ما يتعلق بالمنطقة العربية هي "إسرائيل"، والتي يؤكد عليها كل مرشح ويتعهد بحفظ أمنها.
قد يتمنى المتابع العربي للانتخابات الأمريكية، وفقا للصورة التي تنقلها الفضائيات أن يرى مثلها في بلاده، وأن يختار من يحكمه، لكن الحقيقة أن النخبة الحاكمة التي تفرزها الانتخابات الأمريكية هي التي تعمل على تكريس الوضع على ما هو في المنطقة العربية؛ لأنه ليس من مصلحتها أن تتملك شعوب هذه الدول إرادتها.
بدون شك، بيّنت انتخابات الرئاسة الأمريكية للمتابع العربي، أن الرئيس الحالي "ترامب" الذي يتنافس مع المرشح الديمقراطي "جو بايدن" ليس هو الدولة؛ وأن الدولة لا تتوقف على وجوده من عدمه، وأنه عندما يخوض الانتخابات لا يملك أن يملي إرادة على أحد.
من الواضح أن الانتخابات الأمريكية ليست مثالية كما يظن البعض؛ فالنظام الذي يحكم العملية الانتخابية له مثالب كثيرة، بل أعتقد أنه يجور على أصوات الناخبين عبر نظام اعتماد أصوات المجمع الانتخابي دون اعتبار لأغلبية الأصوات الانتخابية، ناهيك عن سيطرة جماعات الضغط والتوجيه، والإعلام، وتحكم رأس المال.
الحقيقة الواضحة بالنسبة للمنطقة العربية؛ أن أي رئيس للولايات المتحدة الأمريكية لن يتعامل مع هذه المنطقة إلا بما يحقق مصالح بلاده وسيطرتها وهيمنتها، ويضمن أمن إسرائيل؛ وهذه استراتيجية دولة، وسواء بقي "ترامب" أو جاء "بايدن" فإنه لن يختلف الأمر. فالاثنان وجه لعملة واحدة، ويعملان لهدف واحد، وكل الفرق بينهما أن "ترامب" كان وجها مكشوفا صريحا خشنا يتعامل بمنطق البيزنس الصريح. أما "بايدن" فقد يبدو وجها ناعما يتدثر بعباءات مختلفة؛ لكن هناك من لا يدركون ذلك، ويحلمون بأن "بايدن" سيجلب معه الديمقراطية، ويقدمها على طبق من فضة للمنطقة، وأنه أفضل حالا، ويختلف عن ترامب؛ وهذه أحد الحقائق المرة للوجه العربي للانتخابات الأمريكية.