قضايا وآراء

مصر إلى أين؟

يحيى سعد
1300x600
1300x600
أيام قليلة تفصلنا عن انتهاء سبع سنين مرت على مصر منذ الانقلاب العسكري في 2013م؛ على مكتسبات ثورة يناير، والتي تمثلت في استعادة المصريين لحرياتهم، وإعلائهم لكرامتهم، وامتلاكهم لإرادتهم.

فرغم مرور تلك السنين لم ير المصريون مصر "أد الدنيا" كما وعد عبد الفتاح السيسي، ولم يروها في "موضع تاني" كما زعم، إذ بعد كل تلك السنين من الوعود الكاذبة تفاقمت أزماتها وتقزم حجمها وتراجع دورها.

فإلى جانب ما سبق وقدمته بعض دول الخليج من مساعدات مختلفة لمعسكر السيسي عقب انقلابه على الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي، فإن السعودية والإمارات والكويت ما زالت تتقاسم ديونا على مصر على هيئة ودائع لدى البنك المركزي بلغت في نهاية أيلول/ سبتمبر 2019م 17.4 مليار دولار. 

ولذلك فالقرار السياسي بات مرهونا بأجندات تلك الدول الخليجية التي دعمت سيطرة السيسي على الحكم، وهو بدوره يستجدي ودها لتأجيل سداد الأقساط المستحقة من تلك الديون.

مصر بعد سبع سنوات من الانقلاب العسكري لم يحدث فيها أي تقدم ملموس من التنمية الحقيقية التي تنعكس على حياة المواطن البسيط، بل أضحت غارقة في الديون بوضع لا يتناسب مع إجمالي الدخل المحلي، وبات سداد تلك الديون وفوائدها يستنزف الموازنة العامة، ويقلل من نصيب المواطن من الخدمات الضرورية، ويحمل الأجيال القادمة أعباء تلك الديون.

ورغم إغراق السيسي مصرَ في مستنقع الديون الخارجية والداخلية، فقد كشفت أزمة كورونا اهتراء وهشاشة المنظومة الصحية، وعجز المستشفيات الحكومية عن توفير أدنى مستلزمات الحماية للأطباء، فضلا عن توفير العلاج والرعاية الصحية للمواطنين.

مصر في عهد السيسي تَقزَّم دورُها الإقليمي، وأصيب نظامها بالحَوَل السياسي، فأصبح يعادي ويصادق وفق ما يخدم مصلحته لا وفق ما يخدم المصالح العليا للوطن.

فبينما تحتاج مصر إلى توجيه جهودها وقدراتها لتجنب كارثة تناقص مياه النيل بسبب شروع إثيوبيا في ملء خزان سد النهضة (تلك القضية التي بدا السيسي فيها حملا وديعا)، إذا به في الملف الليبي يتنمر على حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، ويهدد بالتدخل العسكري في ليبيا بذريعة حماية الحدود الغربية لمصر. وكان بوسعه أن يتعاون مع تلك الحكومة الشرعية لحماية الحدود الغربية من الإرهاب المحتمل بدلا من دعم المنقلب حفتر، ولكن أنى له ذلك وقد أصبح القرار المصري مرهونا بأجندة وتعليمات الكفيل الخليجي؟ 

ضياع هيبة مصر في عهد السيسي أدى إلى الفشل الذريع في إدارة ملف سد النهضة، والتعامل بسذاجة مثيرة للضحك مع قضية من أهم قضايا الأمن القومي لمصر (قول والله والله لن أسبب أي ضرر للمياه في مصر)! ثم عاد السيسي يستجدي النجدة والوساطات مرة باستدعاء التدخل الأمريكي، وأخرى بطلب تدخل مجلس الأمن، والذي من المتوقع أن يعرب عن قلقه ويدعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس.

مصر بعد سبع سنوات من انقلاب السيسي، لم يعد بها مؤسسات حقيقية (سواء كانت سياسية، أو قضائية، أو أمنية، أو إعلامية) تعبر عن الإرادة الحقيقية للمصريين، وصارت كل مؤسسات الدولة لعبة في يده يتلاعب بها كيفما يشاء.

فالبرلمان المنوطة به مراقبة السلطة التنفيذية ومحاسبتها أصبح يقنن ما يريده السيسي، حيث أقر في حزيران/ يونيو 2017م تنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير، وصادق في نيسان/ أبريل 2019م على تعديلات دستورية تسمح للسيسي بالبقاء في السلطة حتى عام 2030م، وتُوسِّع سلطاته في مجال تعيين القضاة، كما تساعد على تغلغل الجيش في الحياة المدنية.

ومؤسسة القضاء أصابها التسييس حتى النخاع، فغابت المنظومة العدلية، وليس أدل على ذلك من أحكام الإعدامات التي تصدر بالجملة دون إجراءات تقاضي صحيحة وسليمة في الشكل والمضمون، أو توفر أدلة دامغة.

أما المؤسسات الأمنية (الجيش والشرطة) فصارتا أداتي بطش وقتل خارج إطار القانون، واستخدمتا لغير ما أوكل لهما في دساتير مصر المتعاقبة. فبدلا من أن تكون الشرطة في خدمة الشعب وقائمة بحفظ الأمن، صارت مصدر رعب وتنكيل بالمواطنين، في حين ترى أن الجيش قد غير عقيدته ونسي مهامه الأساسية، فغرق في السياسة حتى أذنيه، وتغول على كافة الأنشطة الاقتصادية حتى أنه تفرغ لبيع السمك والجمبري.

مصر في عهد السيسي لا مكان فيها للحريات، ولم تعد بها معارضة سياسية، ولم يبق فيها صوت لسياسي حر خارج أسوار السجون، وباتت كل القنوات والمنصات الإعلامية تابعة للسلطة المسيطرة على الحكم تعزف منظومة واحدة موجهة من أجهزة المخابرات، فتنعق ليل نهار من أجل تزييف الوعي، وتزيين الجهل، وتضليل الرأي العام، كي تطيل عمر المستبد لأطول فترة ممكنة.

لقد أضحى كل السياسيين والمعارضين المصريين في نظر السيسي "أهل شر" و"بتوع كلام"، وتحول مفكرو مصر وسياسيوها وخيرة أبنائها فجأة إلى مجرمين وإرهابيين، يُحكم عليهم بالإعدامات والمؤبدات، بل ويموت كثير منهم داخل الزنازين وأقسام الشرطة، إما بسبب التعذيب والقهر الممنهج، أو بسبب الإهمال الصحي المتعمد.

فإلى أين تتجه مصر إذا طال بقاء السيسي والعسكر على رأس السلطة أكثر من ذلك؟
التعليقات (0)