قضايا وآراء

السيسي واستراتيجية "الزفة الكدابة"

يحيى سعد
1300x600
1300x600
المتتبع لأداء الحكام المستبدين يجد أنهم يسخّرون كل إمكانيات بلادهم من أجل بناء مجد شخصي لذواتهم وليس مجدا حقيقيا لبلادهم، ذلك لأنهم - في الغالب - لم يصلوا لسدة الحكم بإرادة شعبية حقيقية أفرزتها انتخابات حرة ونزيهة، ويشعرون دائما بعقدة النقص التي تدفعهم لتزييف وعي الجماهير وتوظيف المواقف والأحداث، من أجل تضخيم شخوصهم التافهة وتلميع صورهم الباهتة.

فالسيسي الذي حنث في قسمه وخان عهده بانقلابه على رئيسه المنتخب يسعى جاهداً لتضخيم نفسه، من خلال استتثمار المواقف والأحداث بطريقة قد تنطلي على ضعاف الذاكرة، سقيمي الأفهام، معلولي البصيرة، لكنها بالتأكيد لا تنطلي على أصحاب المبادئ، مثقفي الفكر، صادقي الانتماء لقيم الحق والعدل والخير وحب الأوطان.

فقد رأينا في الأيام الماضية محاولة السيسي ركوب الموج وتوظيف حدثين لصالحه؛ الأول: هو الانتهاء من تعويم السفينة العالقة في قناة السويس، والثاني: هو نقل المومياوات من المتحف المصري في التحرير إلى متحف الحضارة في الفسطاط.

في المناسبة الأولى ظهر السيسي منتشياً وكأنه يحتفل بانتصاره على الأعداء في معركة تحرير وطني بعد جهاد طويل، إذ ما الذي يستدعي أن ينتقل السيسي إلى قناة السويس بعد تعويم السفينة فيعقد مؤتمرا صحفياً مستغلا الحدث، رغم أنه حادث عادي لا يرقى لتحويله لنصر كاذب، ويُشعر المصريين المتعطشين لأي إنجاز، المنهكين من ضغوط الحياة المعيشية؛ بأنهم قد أحرزوا نصراً كبيراً؟

ما الإنجاز في تعويم سفينة تعطلت وعطلت حركة الملاحة في القناة لسبب أو لآخر لما يزيد عن ستة أيام؟

وهب أنه إنجاز تم بأيدي العاملين في هيئة قناة السويس ولم يتم بدعم الشركة الهولندية، فما الضرورة لهذه المنظرة الإعلامية والبهرجة السياسية الفارغة؟

وأما المناسبة الثانية - وهي مناسبة مصنوعة – والتي تم فيها نقل عدد من المومياوات من متحف إلى آخر، فهي مجرد عملية نقل من المتحف المصري بميدان التحرير إلى المتحف الجديد المسمى بمتحف الحضارة في منطقة الفسطاط، حيث تم أيضاً استغلالها للتلاعب بوجدان المصريين من خلال إبهارهم بحفل كبير؛ من الواضح أنه تم الإعداد له منذ فترة طويلة، وسخرت له كل موارد وإمكانات الدولة سواء كانت موارد مادية أو بشرية.

ولست هنا بصدد التقليل من روعة وجمال الحفل المبهر الذي بدت فيه إبداعات المصريين الفنية والتنظيمية، إذ ليس هذا بجديد على أبناء مصر إذا ما توفرت لهم الظروف الملائمة. فمصر ولاّدة عبر تاريخها وقدمت الأدباء والشعراء والعلماء، لكني لست ممن يستسلمون لمكر الطغاة المستبدين الذين يتلاعبون بسيكولوجية الجماهير، ويوجهونها لتمجيد الجلادين وتثبيت أركان حكمهم.

وهذا يدعونا لأن نطرح عدة تساؤلات تكشف حقيقة ما يجري على أرض مصر في عهد السيسي المنقلب الذي سرق حلم الأجيال في الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية؛ ما هي مبررات الأولوية التي أعطيت لهذا الترف والإسراف الواضح في ظل موازنة عاجزة عن تلبية احتياجات المواطن من الحاجات الضرورية، فضلاً عن أولوياته في الصحة والتعليم؟ وكيف لسلطة تضاعف الدين الخارجي في عهدها ضعفين وأثقلت كاهل الأجيال القادمة بالديون وتكاليفها؛ أن تنفق بهذا البذخ وتتظاهر بهذا بالثراء؟ من أين لك تلك الأموال؟ وهل خرجت من موازنة الدولة وتحت رقابة أجهزتها أم من صناديق خاصة لا يعرفها إلا أنت وعصابتك؟

ما هو العائد من ذلك الحفل المهيب في هذا التوقيت، في ظل انشغال العالم بأزمة كورونا وتوقف حركة السياحة في كل دول العالم؟

ثم ما موقع السيسي من الإعراب في هذه الاحتفالية؟ وما سر تركيز الكاميرات عليه وهو يمشي وحده في ممرات طويلة صممت وزينت خصيصاً ليمر من خلالها مرور الفاتحين؟ ما علاقتك أنت بالتاريخ الفرعوني؟ وما الإنجاز الذي يحسب لك في تاريخ مصر الحديث سوى تكميم الأفواه وإفساد الحياة السياسية، والتفريط في أراضي الوطن وثرواته ومياهه، فضلاً عن سرقتك لثورة أبنائه بعد أن سجنت أحراره وعلماءه؟

ما هذه "الفشخرة" المفضوحة التي سحرت عيون الناس بأضوائها الزرقاء، والتي لا هدف منها سوى توظيف حالة الاعجاب والإبهار الفني بالاحتفالية في تلميع صورتك القبيحة، والمحاولة الحثيثة والخبيثة للبس ثوب أوسع من حجمك، وإيهام الشعب بحال هو أشبه بالخيال، وأبعد ما يكون عن الواقع الحقيقي الذي يعيشه المواطن العادي صباح مساء؟

إنها حقاً "زفة كدابة" سرعان ما يفيق من أثر ضجيجها المواطن، فيستيقظ على واقعه البئيس في شتى نواحي الحياة.
التعليقات (1)
مدحت رضوان
الأربعاء، 07-04-2021 03:46 ص
هكذا هم الطغاة والمتكبرين عبر التاريخ وما فعل فرعون بقومه عنا ببعيد (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ? إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) القول في تأويل قوله تعالى : فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) يقول تعالى ذكره: فاستخفّ فرعون خلقا من قومه من القبط, بقوله الذي أخبر الله تبارك وتعالى عنه أنه قال لهم, فقبلوا ذلك منه فأطاعوه, وكذّبوا موسى, قال الله: وإنما أطاعوا فاستجابوا لما دعاهم إليه عدوّ الله من تصديقه, وتكذيب موسى, لأنهم كانوا قوما عن طاعة الله خارجين بخذلانه إياهم, وطبعه على قلوبهم