أفكَار

معضلة الأمازيغية في الجزائر.. لغة أم شماعة؟ (2من2)

جدل في الجزائر بشأن دسترة اللغة الأمازيغية  (الأناضول)
جدل في الجزائر بشأن دسترة اللغة الأمازيغية (الأناضول)

عاد الجدل الفكري الاجتماعي الهوياتي المرتبط بالجدل الألسني واللغوي، ليفرض منطقه مجددا في مجمل دول المغرب العربي عموما، وفي الجزائر تحديدا، مع إقرار مسودة الدستور المقترحة للنقاش في الجزائر، دسترة ما يسمى باللغة "الأمازيغية" كلغة وطنية ورسمية إلى جانب اللغة العربية، وهو ما أثار ضجة كبرى ورفضا واسعين، على اعتبار أن هذه "الأمازيغية" علاوة على أن منظومة الحكم البوتفليقي غير الشرعية هي التي بادرت بدسترتها في دستور 2002 ضمن صفقات سياسية للمحافظة على كرسي الحكم، واعتبارها لغة وطنية، ثم دسترتها في دستور 2016 واعتبارها لغة رسمية، ما زالت لم ترق إلى مصاف اللغة، والبحث بين اللهجات البربرية المتداولة محليا، لم يحقق لحد الآن هدفه في إيجاد لغة معيارية، يمكن الاتفاق عليها بين المكونات البربرية نفسها، علاوة على الجدل المركب حول الأحرف التي يجب أن تكتب بها هذه "اللغة المفترضة".

أصل الأمازيغية 

ويذكر الوزير السابق محي الدين عميمور شهادته للتاريخ، أن كلمة الأمازيغية لم تكن مألوفة لدى الكافة قبل أبريل 1980 عندما رأى الرئيس الشاذلي ضرورة التخلص من كلمة "البربرية"، "فجمعت عددا من المثقفين منهم عبد المجيد مزيان وعثمان سعدي وموسى لقبال وتهرب مولود ولم أستطع الاتصال بأحمد نعمان ولا بمثقف آخر هو العربي دحو، لأن عنصر الوقت وضغط الأحداث فرضت التسرع، وطُرحت عدة تسميات منها النوميدية واللوبية واستقر الرأي على المازيغية (ولم تكن آنذاك الأمازيغية).

ويشرح الدكتور محي الدين عميمور لـ "عربي21" قصة التسمية، بالقول "إن المنطلق كان هو استعمال ابن خلدون لاسم مازيغ بن كنعان، وهو ما كرره الشيخ عبد الحميد ابن باديس في حديثه المشهور عن أبناء مازيغ وأبناء كنعان، وهناك أعطاني الرئيس الأمر بترويج كلمة المازيغية، والتي أصبحت الأمازيغية باقتراح من عثمان سعدي الذي قال إن كلمة الأمازيغ ذات أصل عربي، وكان بالراء (أمازر) وتعني الرجال الأحرار، ومن هنا تكتشف غباء من يتهمون هؤلاء الذين كانوا وراء هذه التسمية بأنهم ضد الأمازيغية".

 



ويؤكد الدكتور عميمور على رأيه بأنه لا يمكن خلق لغة من شظايا لغوية، يمكن إثراء لغة لها أصولها النحوية وبناؤها اللغوي وتاريخها الأدبي والعلمي مثل استعمال كلمة "تلفزة" و "متلفز" و "تلفاز" وهي من أصول أجنبية، لكن عملية "تطهير" القبائلية (لهجة من اللهجات البربرية) من الكلمات العربية تعطي الخلفية الحقيقية، وقد سألت أحد أصهاري عن معنى كلمة "طائرة" بالقبائلية (وكان القدامى منهم يستعمل كلمة "طيارة" ) فقال لي بأن معناها بالقبائلية الآن هو (ايروبلان).


ومن أهم الكتابات التي وضحت الصورة في هذا المجال، هي كتابات الدكتور عثمان سعدي الشاوي الأمازيغي، والذي أشار فيها أن "الدولة النوميدية دولة ماسينيسا لم تكن امازيغية أمازيغية. فلغة هذه الدولة والدول البربرية كانت الكنعانية الفينيقية البونيقية التي كانت اللغة المكتوبة الرسمية في سائر أنحاء المغرب العربي، قبل الإسلام ولمدة سبعة عشر قرنا، محاطة بلهجات شفوية بربرية أمازيغية. كما تختلف الدوناتية عن الكاثوليكية لغويا وثقافيا، فلغة المذهب الدوناتي الأمازيغي هي الفينيقية أي ألكنعانية، فالدوناتيون يصلّون في كنائسهم بالفينيقية. توجد بالمغرب الكبير منذ القدم وقبل الإسلام لغة فصحى هي الفينيقية التي تعتبر لغة الحضر والدواوين والعبادات، محاطة بلهجات أمازيغية شفوية، وكلاهما ينتميان إلى أرومة واحدة هي العروبية، وخير من يوضح هذه المسألة هو  المستشرق الفرنسي هنري باسيه H.Basset عندما قال: "إن اللغة البونيقية لم تختف من المغرب إلا بعد دخول العرب. ومعنى هذا أن هذه اللغة بقيت قائمة، هذه المدة بالمغرب، سبعة عشر قرنا ، وهو أمر عظيم". 

وجاء الإسلام بالعدنانية لغة القرآن الكريم فحلت محل الكنعانية في القرن السابع الميلادي، واستمرت البربرية الأمازيغية لهجات شفوية حولها، وهذا هو الذي يفسر انتشار العربية بسرعة بالمغرب الكبير". وأضاف: "إن البربر عرب واللغة البربرية الأمازيغية عربية حميرية أثبتُّ في كتابي (معحم الجذور العربية للكلمات الأمازيغية) بأن تسعين في المائة من كلماتها عربية عاربة أو مستعربة. وأن أبأ النهضة الجزائرية عبد الحميد بن باديس امازيغي صنهاجي".

ويقول الدكتور عثمان سعدي في أهم كتاباته المتعلقة بالأمازيغية: "منذ القرن الثاني الهجري شعر الأمازيغ بأن الخلفاء الأمويين والعباسيين قد انحرفوا عن الإسلام الراشدي، فثاروا عليهم وكونوا دولا، وحُكم المغرب العربي من تسع قبائل أمازيغية لم يحدث أن قال أمير منهم أنني غير عربي وأن لغتي العربية غير لغتي، بل خدموا اللغة العرببية، فأول من نظم النحو العربي في ألف بين هو ابن معطي الزواوي القبائلي من الجزائر سابقا ابن مالك في ألفيته بقرن من الزمن، وأول من ألف كتابا في النحو اسمه (الأجرومية) هو ابن أجروم من بربر المغرب. وأن البصيري صاحب قصيدة البردة الشهيرة أمازيغي من قبائل الجزائر. واستمر الوضع هكذا إلى أن جاء الاستعمار الفرنسي للمغرب العربي سنة 1830 فرفع شعار النزعة البربرية Berberisme من باب فرق تسد ، وتكون بذلك البربريون المعادون لانتماء المغرب العربي للعروبة".

بالحروف العربية

من جهته يدافع الباحث والأكاديمي الأمازيغي الدكتور محمد أرزقي فراد عن الأمازيغية، مؤكدا أن الكتابة بالأمازيغية كان منذ الزمن القديم (اللغة الليبية)، لكنها ظلت على العموم لغة شفوية، لأن ساكنة شمال أفريقيا كانوا يفضلون ـ برأيه ـ اللغة الجاهزة التي تفد باستمرار من الخارج (البونيقية/ اللاتينية/ ثم العربية).

ويعترف الدكتور محمد أرزقي فراد في حديثه لـ "عربي21"، أن الكتابة الأمازيغية بالنسبة للعهد الإسلامي كانت بالحروف العربية مع قيام دولة الموحدين في القرن 12 م. وللعلم فقد الف مؤسسها محمد بن تومرت كتابه الشهير "العقيدة" بالأمازيغية. وتذكر بعض المصادر العربية أنه ترجم معاني القرآن إلى الأمازيغية. وعلى العموم كانت الممالك البربرية (الزيانيون / الرستميون / الحماديون / المرابطون / الموحدون...الخ) يستعملون اللغة العربية في الإدارة وفي المؤسسات التعليمية، وظل التأليف بالأمازيغية محتشما يتمثل في مجال الفقه المالكي والفقه الإباضي.

 


 
يقول الدكتور فراد: حدثني الدكتور عمار طالبي أنه اطلع في مدينة فاس على بعض الكتب المؤلفة بالأمازيغية بالحروف العربية. والجدير بالذكر أن الدكتور أبو القاسم سعد الله قد تحدث عن المؤلفات الامازيغية المكتوبة بالحروف العربية، ذاكرا كمثال كتاب "الحوض" لمحمد السنوسي المغربي.

والجدير بالذكر أيضا أن المؤلفات الأمازيغية القليلة التي ألفها أهل الزواوة، مازالت بعض النسخ منها في المكتبات الخاصة. وعندما قام الفرنسي أدولف هانوتو في القرن 19 بجمع الشعر القبائلي الأمازيغي لحاجة في نفس الاستعمار، سلم أهل المنطقة الأشعار مكتوبة بالحروف العربية (الشعر الشعبي في قبائل جرجرة 1868 لهانوتو) نموذجا.

فرنسة "الأمازيغية"

ثم لم يلبث الفرنسيون، يضيف الدكتور أرزقي فراد، أن تخلوا عن تدوين الأشعار والحكايات القبائلية بالحروف العربية، واستبدلوها بالكتابة اللاتينية بنية "فرنسة" الأمازيغية عن طريق ربطها بالحرف اللاتيني. ومهما يكن من أمر فقد ظل عمالقة الأغنية القبائلية يكتبون أغانيهم الأمازيغية بالحروف العربية إلى عهد قريب، وفي مقدمتهم الفنان الشريف خدام، وزروقي علاوة.

والجدير بالذكر يقول أرزقي فراد أن لسان الزواوة متقدم من حيث الإنتاج الفكري الذي بدأ كما سبقت الإشارة منذ قرون، ثم زاد رصيده رقيا بفعل الدراسات الفرنسية التي لم تكن لغاية علمية بقدر ما كانت لغاية سياسية استعمارية.

والحاصل أن اللهجة القبائلية لها رصيد معرفي متراكم عبر التاريخ قد يرشحها لتتبوأ مركزا مرموقا في اللغة الأمازيغية المعيارية. وعلى أي حال لا يمكن لأي طرف أن يتصرف في أمر بناء اللغة الأمازيغية المعيارية دون مراعاة اللهجات المتنوعة، واكيد ان بناء هذه اللغة يتم بالتوافق.

ويفرق الدكتور أرزقي فراد بين الوضع اللغوي في المغرب الكبير كما يسميه، وبين الحالة الكردية، لأن المسألة في شمال إفريقيا ـ في تصوره ـ هي محصورة عموما بين الأمازيغ الذين تعربوا عبر التاريخ  كما تذكر المصادر التاريخية، وبين بقية أمازيغية محتفظة بلغتها، لذلك ليس هناك صراع عرقي بين العرب والأمازيغ. ولقد تعايشت اللغتان في وئام بفضل الإسلام الذي يحترم التعددية، وعليه فهو يرى: أن الإسلام هو صمام الأمان للمسألة اللغوية في شمال إفريقيا. ثم إن الكثير من الكتاب العرب لم يجدوا غضاضة في ذكر بعض الكلمات الأمازيغية في سياق الحديث عن العمران أو الفلاحة أو الأعشاب الطبية كما فعل عبد الرزاق بن حمادوش العاصمي في كتابه حول الأعشاب الطبية (كشف الرموز) في القرن 18م، وكما فعل العشاب ابن البيطار الأندلسي الذي ذكر كثيرا من الأعشاب الطبية بأسمائها البربرية، وكذلك فعل الرحالة البكري.

 

"الأمازيغية" ليست لغة


ويؤكد الدكتور مصطفى أنه لا يمكن اعتبار "الأمازيغية" لغة بالفعل، لسببين اثنين: الأول تاريخي والثاني علمي. بالنسية للسبب التاريخي فإن هناك إجماعا بين المؤرخين عربا وأجانب أن سكان شمال إفريقيا القدامى لم يكونوا يتكلمون لغة بهذا الإسم إطلاقا، أي أن التاريخ لم يحدثنا عن لغة أمازيغية في تاريخ شمال إفريقيا. لكنه حدثنا وأخبرنا أن سكان شمال إفريقيا القدامى كانوا يتكلمون اللغة البونيقية المنحدرة من اللغة الفينيقية ـ الكنعانية وذلك لمدة 16 قرنا. ثم رحلوا جزئيا إلى اللغة اللاتينية إبان الاحتلال الروماني لكنهم لم يفرطوا في لغتهم البونيقية أو البونية. ثم اعتنقوا بعد ذلك الإسلام ومع الإسلام اللغة العربية العدنانية، التي اصبحت لغة السكان والادارة والمعاملات إلى غاية الغزو الفرنسي للجزائر  في القرن التاسع عشر. إذن إن التاريخ لم يخبرنا عن وجود لغة أمازيغية تكلم بها السكان في هذه الرقعة الجغرافية المسماة بلاد المغرب.

 



أما السبب العلمي فيلخصه الدكتور مصطفى نويصر لـ "عربي21" في أن المحاولات القائمة اليوم  لتأسيس وصناعة لغة أمازيغية موحدة من شتات اللهجات المحلية المنتشرة في مختلف مناطق البلاد  المغربية من واحة سيوه جنوب مصر إلى جزر الكناري هي محاولات لن تصل إلى نتيجة لأن عدد هذه اللهجات كثيرة ويصعب توحيدها في لغة واحدة. في الجزائر فقط يقول الخبراء إن عددها حوالي 17 لهجة زائد لهجات المغرب ولهجات ليبيا الخ.


ويشدد الدكتور نويصر على أنه لا وجود للغة الأمازيغية إلا في عقول وأذهان مؤسسي الأكاديمية البربرية في باريس في ستينات القرن الماضي.

إعادة هندسة المنطقة المغاربية

لكن ينبغي التنبيه حسب الدكتور مصطفى نويصر إلى أن هذه المحاولات هي في الحقيقة تخفي حقيقة ما يراد ويخطط لهذه المنطقة وهو إعادة هندسة المنطقة المغاربية من خلال السعي لتأسيس قومية بربرية تاريخية ذات خلفية لاتينية ورومانية تكون بديلة للقومية العربية وللهوية العربية الإسلامية والتخلص من ثنائية العروبة والإسلام.

ومن يراجع مخططات الحركات والتيارات البربرستية المنضوية تحت لواء الكنغرس الأمازيغي العالمي  وتفرعاته وواجهاته وأذرعه في الجزائر والمغرب العربي ككل يكتشف هذه الحقيقة الرامية لإلغاء الهوية العربية الإسلامية، وتعويضها كما ذكرنا بهوية جديدة لاعلاقة لها لا بالعروبة ولا بالإسلام ولا بالحركات الوطنية المنبثقة من صميم النضال الوطني إبان الاحتلال الأجنبي لهذه المنطقة.

يضيف الدكتور نويصر أنه إذا كان النظام الجديد يريد القطيعة مع ممارسات النظام السابق وخاصة في مرحلة ما أصبح يعرف بـ "حكم العصابة" أو القوى غير الدستورية فبامكانه أن يراجع كل ما تم في  عهدها بما في ذلك قضية دسترتها، وخاصة إذا علمنا أن المرحلة التي تحكمت فيها القوى غير الدستورية جرت مساع بوتيرة متسارعة وكأنها تسابق الزمن لتمرير أمور تتعلق بهوية البلد وتغير الهوية العربية الإسلامية المكتسبة منذ أربعة عشر قرنا تحت غطاء الأمازيغية، خاصة إذا علمنا أن ترسيم  الاأمازيغية قد تم بعد لقاء أحمد أويحي بنشطاء من الحركات البربرية في باريس يوم 8 كانون أول (ديسمبر) من سنة 2017. وهي معلومة كشف عنها الكاتب الصحفي نيكولا بو المحرر في جريدة "موند أفريك" مؤخرا. 

إذن فما قامت به القوى غير الدستورية التي اختطفت الرئاسة يعتبر غير شرعي وغير دستوري. والدولة إذا كانت جادة وحاسمة فما عليها إلا أن تتحلى بالشجاعة لاتخاذ الإجراء اللازم لإعادة الهيبة للدولة الجزائرية التي افتقدت لسنوات.

وهنا لا يرى الدكتور نويصر أي حل لهذه المعضلة لإنقاذ شمال إفريقيا من خطر "البلقنة"، إلا عبر إعادة الاعتبار لبرامج الحركة الوطنية المغاربية وفي مقدمتها برنامج حزب نجم شمال إفريقيا العظيم.

 

إقرأ أيضا: المسألة "الأمازيغية" في الجزائر.. لغة أم شماعة؟ (1من2)

التعليقات (2)
سليم
الثلاثاء، 12-01-2021 03:27 م
حسان زهار عرفته بعثي الفكر منغلق لا يؤمن بالتعدد الاثني اللغوي والثقافي للشعب الجزائري ....وهو أحد منظري الباديسية النوفمبرية ....!!
لماذا..؟
الإثنين، 15-06-2020 05:53 م
الكل ينهش من ناحية وغايتهم في الأول والأخير هو المساس بهذا الدين العظيم . دين الاسلام الذي جمع كل الأجناس والألوان في قيمة ووصف واحد هو مسلم ولم يضع في زاوية أو يضطهد هذا الدين قط من يتكلم لغة أو لهجة أخرى كيفما كانت في حين الآخرون يفعلون ذلك. والمسلمون مستهدفون اليوم يفرقون بينهم حسب اللهجة وغدا اللون وبعد غد الطول وبعده لون الأعين ..ألخ من يحتفظ بلهتجته له الحق في ذلك لكن حتى نبقى لحمة واحدة ونحقق كل غايات الاسلام فيجب علينا اتباع لغة القرآن الكريم واتقانها حتى يتسنى لنا فهم القرآن وتطبيق تعاليم ديننا الحنيف والتواصل فيما بيننا بشكل سليم . وما الذي يجعل كل منطقة تتكلم لهجة بها كوكتيل من كل لغات العالم بعد الاستعمار البغيض ولماذا لا نتكلم جميع اللغة العربية الفصحى ألسنا مؤهلين لذلك