ملفات وتقارير

هذه المعادن تطيح بالنفط كمحور للصراعات.. من يسيطر عليها؟

تدخل في صناعة مقاتلات وغواصات الجيل القادم، والصواريخ الموجهة، والطاقة المتجددة ومحركات السيارات الكهربائية والهجينة- جيتي
تدخل في صناعة مقاتلات وغواصات الجيل القادم، والصواريخ الموجهة، والطاقة المتجددة ومحركات السيارات الكهربائية والهجينة- جيتي

مع تزايد الحديث عن قرب أفول حقبة النفط كمحور للصراعات على الساحة الدولية، لا سيما بعد التدهور غير المسبوق الذي ضرب أسواق الخام مؤخرا، تبرز ثروات أخرى على الساحة، يتوقع مراقبون أن تنتزع بريق "الذهب الأسود"، ولا سيما ما تعرف بـ"المعادن الحرجة".


والاثنين، نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا حول احتدام المنافسة بين الولايات المتحدة والصين بشكل خاص على "المعادن الحرجة"، التي تدخل في الصناعات التقنية والعسكرية المتطورة، بما في ذلك مقاتلات وغواصات الجيل القادم، والصواريخ الموجهة، فضلا عن صناعات الطاقة المتجددة ومحركات السيارات الكهربائية والهجينة، التي تزداد مزاحمتها لنظيراتها المعتمدة على المشتقات النفطية يوما بعد آخر.


ونهاية العام الماضي، اتهم رئيس بوليفيا السابق، إيفو موراليس، واشنطن بالوقوف وراء انقلاب أطاح به للسيطرة على موارد "الليثيوم" الكبيرة في بلاده، وهو أحد تلك المعادن الحرجة، ويدخل في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية والهجينة. وأكد موراليس آنذاك أن الولايات المتحدة لم تغفر لبلاده تفضيلها السعي لإبرام شراكات مع روسيا والصين في هذا المجال، واصفا ما جرى بـ"انقلاب الليثيوم".

 

اقرأ أيضا: "إنسايد أوفر": هل ما يزال النفط سلاحا؟

 

سيطرة صينية


وفي تقريرها، الذي ترجمته "عربي21"، اعتبرت "فورين بوليسي" الأمريكية أن التوترات المتزايدة مع بكين والسباق على سلاسل التوريد في أعقاب جائحة فيروس كورونا المستجد، عوامل منحت دفعة جديدة للصراع على تلك الثروات.


فقد صدرت في الولايات المتحدة العديد من مشاريع القوانين والمبادرات الحكومية التي تهدف إلى إنهاء "عقود من الاعتماد المتزايد على الصين" وموردين آخرين، بحسب التقرير.


ويقترح أحدث مشاريع القوانين المشار إليها، وقدم منتصف أيار/ مايو الجاري، إعفاء منتجي المعادن الحرجة المحليين من الضرائب، وتقديم حوافز ضريبية للشركات التي تلجأ إلى السوق المحلية عوضا عن الاستيراد، فيما وضعت وزارة الدفاع "البنتاغون"، وللعام الثالث على التوالي، تعزيز الوصول إلى تلك الثروات في قلب خطتها السنوية.


وازدادت وتيرة تلك الخطوات منذ توقيع الرئيس دونالد ترامب أمرا تنفيذيا، نهاية عام 2017، بوضع استراتيجية فيدرالية لضمان تأمين إمدادات ثابتة من المعادن الحرجة، مرورا بتحديد إدارته 35 معدنا معنيا بالقرار (أحدها يعرف بالعناصر الأرضية النادرة وهي 17 عنصرا)، وصولا إلى إصدار وزارة التجارة تقريرا عام 2019 حول سبل تحقيق ذلك الهدف.

 

اقرأ أيضا: هذه المشكلة تعرقل سعي الصين للتفوق في ظل أزمات أمريكا

 

ويظهر الجدول التالي المعادن الحرجة الـ35، والدول المنتجة لها حول العالم، وفق بيانات وكالة المسح الجيولوجي الأمريكية (الألوان بحسب القارات، الأخضر يشير إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا):

 

 

وتظهر الخريطة التالية الدول التي تعتمد عليها الولايات المتحدة، بالدرجة الأولى، للحصول على كل معدن من المعادن الحرجة، ونسبة اعتماديتها على الاستيراد (في القائمة على يسار الخريطة).

 


وبحسب تقرير نشره موقع "فيجيوال كابيتاليست"، نهاية نيسان/ أبريل الماضي، فإن الولايات المتحدة، عام 1954، كانت تعتمد على الخارج لسد احتياجاتها من ثمانية من تلك المعادن، لكن عدد المفقود منها محليا بشكل شبه كامل ارتفع إلى 20 بعد ستة عقود، وهو ما يضع البلاد "في وضع غير مستقر"، ويهدد "بناء وتأمين مستقبل أكثر استدامة"، بحسب التقرير.

 

وبالعودة إلى "فورين بوليسي"، فقد ازدادت بشكل كبير الدعوات إلى "الانفصال عن الصين" مع اجتياح "كوفيد-19" الولايات المتحدة، وإلحاح "الصقور" في واشنطن على اتخاذ نهج أكثر صرامة ضد صعود بكين كمنافس عالمي، بل إن السناتور الجمهوري "جوش هاولي" طالب، تحت قبة مجلس الشيوخ قبل أيام، بالتصدي لـ"الإمبريالية الاقتصادية الصينية"، داعيا إلى مغادرة منظمة التجارة العالمية وإنشاء "نظام اقتصادي عالمي جديد تماما".


وفي الواقع، فقد ظهرت أولى المؤشرات على أزمة افتقار الولايات المتحدة لـ"معادن المستقبل"، واعتماديتها على الصين عام 2010، عندما أوقفت الأخيرة صادراتها منها على خلفية نزاع مع اليابان، ما أثار نقاشات في أروقة البنتاغون بهذا الخصوص، لكن البلاد لم تتخذ منذ ذلك الحين، موقفا يتناسب مع مستوى الأزمة، بما فيها الخطوات الأخيرة، بحسب تقرير "فورين بوليسي".


مقاتلات أف-35 وغواصات نووية

 

ولا تتوقف الحاجة إلى المعادن الحرجة والنادرة على إنتاج الأجيال القادمة من الهواتف الذكية وبطاريات السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح وحسب، وفق التقرير، إذ إن أهم الأسلحة الأمريكية تعتمد عليها بشكل كبير، ويقوم البنتاغون وشركات تصنيع الأسلحة باستيراد احتياجاتهم منها من الصين بالفعل، في مفارقة غريبة بزمن المنافسة الحادة بين البلدين.


وعلى سبيل المثال، يتطلب إنتاج كل مقاتلة من طراز "أف-35" (F-35) إلى 920 رطلا من المعادن الأرضية النادرة، وإنتاج كل غواصة نووية من طراز "فرجينيا" إلى تسعة آلاف و200 رطل، فيما يتطلب إنتاج صواريخ "توماهوك" وأنظمة التوجيه والمحركات النفاثة إلى مجموعات مختلفة من السبائك والمعادن، وقد تتطلب جميع العناصر الأرضية النادرة الـ17.

 

اقرأ أيضا: الصين تفوقت على أمريكا بالفعل بهذه المجالات.. تعرف إليها

 

ويشير الشكل التالي إلى أبزر استخدامات المعادن الحرجة، واعتمادية الولايات المتحدة على الاستيراد لتوفيرها (اضغط على الصورة لتراها بالحجم الكامل):

 

 

 

ويتساءل تقرير "فورين بوليسي": إذا كان المشرعون والبنتاغون والبيت الأبيض يأخذون التحدي على محمل الجد، فلماذا لا يحرزون تقدما كبيرا في مواجهته؟

 

ترجح المجلة أن جزءا من المشكلة يكمن في أن الكثير من الجهود المبذولة حتى الآن تركز على استخراج المزيد من الخامات النادرة داخل الولايات المتحدة، وهو تلميح إلى ضرورة الاستثمار في المناجم خارج البلاد، وقد تكون الدول المستهدفة هي تلك التي تقل فيها الرقابة الحكومية على عمل الشركات الأجنبية وحقوق العمال، وهو ما قد يقود أيضا إلى تحول في سياسات واشنطن وتبدل أولوياتها، على حساب المناطق الغنية بالنفط.

 

ولكن في المقابل فإن هنالك من يرى أن الصين باتت هي الأخرى تعتمد بشكل متزايد على الاستيراد جراء استنزافها مواردها خلال مساعيها إلى السيطرة على هذا السوق على مدار العقود الماضية.


وتوقعت دراسة أجريت عام 2019 أن ينخفض إنتاج الصين من المعادن الأرضية النادرة إلى 50 بالمئة منتصف العام الجاري، مقارنة بـ75 بالمئة آنذاك.

 

وسواء تمكنت الولايات المتحدة من منافسة الصين في استخراج المعادن الحرجة أم لا، فإنها ستواجه مشاكل أخرى في بقية حلقات سلاسل المعالجة، التي يسيطر عليها العملاق الآسيوي، وهو ما يسعى البنتاغون أيضا لمواجهته، ولكن ببطء شديد، حتى الآن على الأقل، رغم أن خبراء يشبهون أهمية ذلك للأمن القومي الأمريكي، في الوقت الراهن، بأهمية أحواض بناء السفن إبان الحرب العالمية الثانية.

التعليقات (0)

خبر عاجل