هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تطوي حكومة محمد اشتية نصف عامها الأول، وسط تحديات
عصفت بالاقتصاد الفلسطيني؛ نتيجة احتجاز إسرائيل لعائدات الضرائب الفلسطينية المعروفة
بـ(المقاصة)، وهو ما دفع بالسلطة الفلسطينية للاعتماد على القروض الداخلية من البنوك
لتمويل نفقاتها التشغيلية.
طرح اشتية منذ تسلم مهامه خطة للنهوض بالاقتصاد المحلي
تقوم على مبدأ إحلال الواردات القادمة من إسرائيل وتعويضها من خلال المنتجات المحلية، أو الاستيراد من الدول العربية، ضمن استراتيجية الانفكاك الاقتصادي عن إسرائيل.
العناقيد الاقتصادية
وفي إطار تحقيق هذا الهدف، أعلنت الحكومة عن إطلاق استراتيجية
العناقيد في القطاعات الاقتصادية، التي تقوم على مبدأ تحفيز الاستثمار في قطاع اقتصادي
محدد ضمن منطقة جغرافية محددة.
حددت الحكومة مدينتي الخليل ونابلس ضمن تصنيف العناقيد
الصناعية، في حين مثلت الأغوار ومدن شمال الضفة الغربية ضمن العناقيد الزراعية، وجاءت
بيت لحم كعنقود سياحي.
تضم الخليل ونابلس 35 بالمئة من إجمالي منشآت القطاع
الصناعي و50 بالمئة من إجمالي الصادرات في فلسطين، وتعد قطاعات صناعة الأحذية والملابس
والصابون والحجر العمود الفقري لاقتصاد المدينتين، في حين تعد الأغوار ومدن شمال الضفة
الغربية مركزا رئيسيا للنشاط الزراعي، ولكن تعاني هذه المناطق من مشكلة نقص المياه؛ بسبب التحكم الإسرائيلي في الكميات المستخرجة من الآبار الجوفية.
في المقابل، لم يلمس الفلسطينيون بعد أي أثر لوعود الحكومة،
في حين زادت الشكوك لدى خبراء الاقتصاد من نجاح هذه الاستراتيجية، في ظل افتقار السلطة
لموارد مالية تمكنها من ضخ استثمارات مالية كافية بغرض تطوير البنى التحتية بما يخدم إنجاح استراتيجيتها.
السيادة على الموارد
من جانبه، يشير أستاذ العلوم الاقتصادية والمالية في
جامعة النجاح، بكر اشتية، إلى أن إطلاق الحكومة مثل هذه الاستراتيجيات "يتطلب وجود
أرضية لتساهم في تحقيق الهدف المنشود، ولكن في الحالة الفلسطينية هنالك افتقار لسيادة
وسيطرة حقيقية على الأرض والمياه والمعابر والحواجز الجمركية".
كما نوه الخبير الاقتصادي في حديث لـ"عربي21" بأن السلطة "بحاجة إلى إعادة صياغة القوانين الناظمة للاستثمار، وأهمها قانون الشركات،
وقانون تشجيع الاستثمار، وقانون الضريبة، وقانون حماية المستهلك، حيث لا يمكن أن تنطلق
السلطة باستراتيجية من هذا النوع وهي ما زالت تستند إلى قوانين ورثتها من سبعينيات
القرن الماضي".
وتابع بأن الحكومة "بات لزاما عليها أن تعيد النظر
في الهيكل المالي (الموازنة العامة) لزيادة حصة النفقات تحت بند الموازنة التطويرية،
وتقليل نفقات الموازنة التشغيلية التي تستحوذ الرواتب والأجور على أكثر من 50 بالمئة
منها".
تعد العلاقة التجارية بين السلطة وإسرائيل إحدى العقبات
التي تواجه الاقتصاد الفلسطيني، حيث يعاني الميزان التجاري من عجز كبير لصالح دولة
الاحتلال، وتقدر قيمة الواردات من إسرائيل بـ4 مليارات دولار، مقابل صادرات فلسطينية
لا تتجاوز 700 مليون دولار.
ورغم حصول فلسطين على إعفاء جمركي للبضائع المصدرة
للدول العربية والأوروبية، إلا أن ذلك لم يساهم في زيادة التبادل التجاري، ويرجح بكر
اشتية أسباب ذلك إلى تراجع جودة المنتج الفلسطيني، وافتقاره لعامل المنافسة الذي يمكنه
من المنافسة في أسواق هذه الدول.
إجراءات التصويب
من جانبه، يشير مدير عام السياسات في وزارة الاقتصاد، عزمي عبد الرحمن، إلى أن وزارة الاقتصاد "بدأت بإجراءات تتعلق بإعادة هيكلة المدن
الصناعية في منطقة ترقوميا جنوب الخليل، كما نجحت الوزارة بالتعاون مع القطاع الخاص في تأسيس شركة قابضة برأسمال 100 مليون دولار، لتكون بمثابة رافعة اقتصادية للشركات الصغيرة
والمتوسطة التي تعاني من أزمات تؤثر على سير أعمالها".
وأضاف عبد الرحمن لـ"عربي21" أن وزارته "تسعى
للحصول على موافقة لإقامة معارض تجارية في دول عربية وأسيوية تسعى من خلالها لترويج
أوسع للمنتج الفلسطيني، كما أطلقت الوزارة شعارا خاصا لتمييز الصادرات الفلسطينية".
وعن الخطوات المنوي اتخاذها في المرحلة القادمة، أكد
عبد الرحمن أن العمل "يجري الآن لتوسيع التعاون بين الوزارة والقطاع الخاص، بما
يخدم النهوض بالقطاع الصناعي، والوقوف على المشاكل والتحديات التي يعانون منها؛ لحلها
بما يخدم المصلحة الاقتصادية".
وفي سياق آخر، حدد عضو الاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين، ثابت أبو الروس، ثلاثة شروط لإنجاح استراتيجية العناقيد الاقتصادية، التي تتمثل
"بتوفر الأيدي العاملة الماهرة التي تتمتع بالخبرات اللازمة للعمل في القطاع المنوي
تطويره، والعامل الثاني يتمثل في توفر الإمكانيات اللازمة لتطوير القطاع الاقتصادي،
والعامل الثالث -وهو الأهم- أن يتوافر الدعم الحكومي السياسي والمالي والقانوني للنهوض
بالقطاعات الاقتصادية".
وأضاف أبو الروس لـ"عربي21" أن على الحكومة
أن "تركز على تشجيع حملات مقاطعة البضائع الإسرائيلية، وأن تعمم هذه السياسة لتكون
بمثابة ثقافة عامة لدى المجتمع؛ لأن من شأن ذلك تحفيز دور المستثمرين في افتتاح مشاريع جديدة تساهم في النهوض بالاقتصاد
الوطني".