هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أكد الخبير الأمني ورجل المخابرات الجزائرية السابق كريم مولاي، أن أعين
الأمن المحلي والإقليمي والدولي كانت جزءا من أحداث الخامس من تشرين الأول (أكتوبر)
1988 في الجزائر وما تلاها من انتخابات محلية ثم تشريعية والانقلاب عليها مطلع
العام 1992.
وأوضح مولاي، الذي انضم لجهاز المخابرات منذ 1987، في حديث مع
"عربي21"، أن "الأجهزة الأمنية والعسكرية كانت تراقب بدقة تطورات
الوضع السياسي في البلاد وتوجهات الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، الذي ضاق ذرعا
بهيمنة المؤسسة العسكرية على القرار السياسي، وحاول جاهدا الانتقال بالسلطة إلى
المدنيين".
إقرأ أيضا: وقف المسار الانتخابي الجزائر 92.. أول الثورات المضادة عربيا
وقال: "كنت يومها طالبا بجامعة باب الزوار تخصص تكنولوجيا، وكنت في
ذات الوقت نائبا لعميد الجامعة التي كانت تضم حوالي 15 كلية، وكنت مديرا للدراسات
البيداغوجية في الجامعة، فأنا ابن ضابط في المخابرات ومجاهد ضمن جبهة التحرير
الوطني، وانخرطت مبكرا في جهاز المخابرات".
وأضاف: "لقد دخلت الجامعة وأنا ضابط في جهاز المخابرات، وهو ما مكنني
من متابعة أدق التفاصيل المتصلة بالعملية السياسية، بالنظر إلى مسؤوليتي على
القطاع الطلابي في جهاز الأمن، وهو وضع مكنني أيضا من الاقتراب من أهم الفاعلين
السياسيين في تلك المرحلة".
وروى مولاي لـ "عربي21" ذكرياته مع العمل الاستخباراتي أيام التعددية
وكيف كانت مهمته متابعة أدق التفاصيل للتيارات الإسلامية وتحقيق اختراقات أمنية
للقطاع الطلابي بمختلف تشكيلاته السياسية والفكرية، وتحديدا الإسلامية منها.
وقال: "كنت أرتاد المساجد الطلابية الكبرى، على الرغم من أنني لا أؤدي
فريضة الصلاة بهدف نقل تقارير عما يدور فيها، ومعرفة الفاعلين الرئيسيين في
الجامعة وأيضا خارجها".
وأضاف: "أنا مسؤول أمام الله أولا ثم أمام تاريخ الجزائر ثانيا أنني
كتبت تقارير عن قيادات سياسية جزائرية في الجامعة وخارجها ضمن مهمتي المخابراتية،
التي كانت تقوم أساسا على الترصد عن بعد، وكنت على اقتناع يومها بأن ما أقوم به،
هو خدمة وطنية".
ووفق مولاي، فان كل ما جرى من خطوات انفتاح سياسي في عهد الشاذلي بن جديد،
كان متحكما فيه وتحت السيطرة الأمنية بالكامل، وأنه حين خشيت الجهات الأمنية من أن
الأمور في البلاد في اتجاه الانفلات أخذت زمام المبادرة، وأعادت الأمور إلى نصابها
في خطوة تاريخية يوم 11 من كانون ثاني (يناي) عام 1992، بوقف المسار بالكامل
وإزاحة كل الطبقة السياسية المسؤولة عن تلك الفترة من الرئيس إلى العامل".
إقرأ أيضا: الكتاب الذي كان يجب أن يهز الجزائر!
وذكر مولاي، أن "مرحلة ما بعد وقف المسار الانتخابي، كانت حافلة
بالعمل الاستخباراتي، الذي توزع بين الداخل والخارج، الداخل لجهة جمع كل المعلومات
عن قيادات الجبهة وتوظيف شق من الإسلاميين لصالح ضرب الجبهة، أو الخارج لجهة إقناع
الحلفاء بخطورة الإسلاميين على مصالحهم في الجزائر وأمن المنطقة".
وأضاف: "وقف المسار الانتخابي كان هو الشق السياسي، كان هناك مسار آخر
على المستوى الأمني مليء بالدماء، فقد تم إنشاء خلايا أمنية لتنفيذ عمليات قتل واختراقات
لعناصر الجبهة الإسلامية وعمليات عسكرية راح ضحيتها أبرياء كثر، وتم إلصاقها
بالجماعة الإسلامية المسلحة الجناح المسلح للجبهة".
وأضاف: "يذكر الجميع قصة الرهبان الفرنسيين السبعة الذين كانوا في دير
تبحيرين في أعالي المدية عام 1996، والذين تم استهدافهم بطريقة بشعة من طرف جماعات
تابعة للأمن العسكري بالتنسيق مع تيار داخل الجماعة الاسلامية المسلح بقيادة حسن
حطاب الذي تم اغتياله فيما بعد لردم الحقيقة، لإقناع الغرب عامة وفرنسا تحديدا بأن
الإرهاب خطر حقيقي في الجزائر".
وقف المسار الانتخابي كان هو الشق السياسي، وكان هناك مسار آخر على المستوى الأمني مليء بالدماء،
إقرأ أيضا: زيتوت: أوضاع الجزائر بعد الانقلاب على انتخابات 91 أسوأ
وأكد جرافة "أن المسار ظل هو نفسه منذ زمن، كما ظلت الآليات والوسائل نفسها،
ومنها مراقبة كل التحركات، واستعمال مختلف وسائل الجمهورية وفي مقدمتها الإعلام،
واستعمال الإدارة التي كان يفترض فيها الحياد، واستعمال التزوير بكل أنواعه
واشكاله، واستعمال الأجهزة الأمنية لاختراق المعارضة وتشتيت صفوفها، وإثارة
النعرات الطائفية والحزبية الضيقة، وغيرها".
عنف مُدبر
وجوابا على سؤال وجهته له "عربي21"، عما إذا كانت الديمقراطيّة هي
التي سببت العنف المسلّح، قال عرافة: "ليست الديمقراطية هي من أنتجت العنف
بأنواعه، وبعده الارهاب، بل لقد تم التخطيط له من قبل بعض الدوائر ومنها الأجهزة
الأمنية أو بعضها، العنف والإرهاب جاءا نتيجة ولم يكونا هما الاصل، ولم تكن
الديمقراطية ولا الممارسة الديمقراطية سببا له ولا منطلقا له".
وأضاف: "لقد كانت هناك ثلاثة سيناريوهات تديرها وتوابعها أجهزة خفية،
وكانت هناك متابعات يومية للمشهد السياسي الاجتماعي. كانت هناك قراءات يومية للنتائج
الميدانية. لكن الواقع فاجأ الجميع وتجاوز الجميع، وهو ما دفع بالمعسكر يومها الذي
كانت تسيطر عليه نخبة مستغربة تابعة في غالبيتها للنفوذ الفرنسي أن تلجأ إلى خيار
الانقلاب العسكري على الإرادة الشعبية وعلى الديمقراطية ذاتها... وذلك بعد أخذ
الموافقة من فرنسا في تلك الفترة".
أطراف خارجية
وعما إذا كان الحوار هو الطريق الأنسب لحل الأزمة في الجزائر، قال عرافة:
"العشرية السوداء هي مصطلح صنعته الأجهزة الأمنية في تلك المرحلة وردده وكرسه
الإعلام الوطني والإعلام الفرنسي تحديدا، لأنها كانت عشرية سوداء على أصحاب القرار
عموما وعلى جماعة فرنسا تحديدا. أما بالنسبة للشعب فقد كانت عشرية حمراء ملطخة
بدماء جزائريين أبرياء بصرف النظر عن الفاعل والمنفذ. وقد كان العنف والإرهاب
مخططا له ولو أنه خرج عن السيطرة كما تم فقدان السيطرة على الديمقراطية والحراك
السياسي من قبل".
وأضاف: "دخلت أطراف خارجية على الخط كل طرف بأجندته الخاصة. وكان
الطرف الوحيد الذي دفع الثمن الغالي الذي لا يقدر بثمن إنما هو الشعب الجزائري ومن
خلاله الدولة الجزائرية التي تراجع دورها الإقليمي إلى الوراء بسنوات... من هذا
المنطلق ومن خلال هذه المعطيات وغيرها يمكن أن نخلص إلى أن الظاهرة الإرهابية
عموما وما وقع في الجزائر خصوصا في تلك المرحلة، هي ظاهرة عبثية بالنسبة لمن
مارسها، ومن خطط لها على السواء، وكذا من حاول توظيفها... ومن حاول الاستفادة منها".
وأعرب عرافة عن أسفه لأنه لم تتم الاستفادة من تلك التجربة، وقال: "مع
الاسف على الرغم من ذلك فإنه لم يستفد من تلك الدروس لا النخبة الحاكمة ولا
المعارضة بشقيها... ولا يزال المسار هو نفسه. ولا يزال الحوار غائبا ومغيبا على الرغم
من تكشف الحقائق التي أشرت إلى بعضها وغيرها كثير... لا يزال الانتقال الديمقراطي
مجرد شعارات وصيحات... ولا تزال الديمقراطية غائبة ومغيبة ولا يزال الحكم فرديا أو
تديره عصابة لا علاقة لها بالشعب الجزائري"، على حد تعبيره.
إقرأ أيضا: الجزائر 1988.. دماء حارقة وديمقراطيّة مفترضة (1من2)