كتب

الصراع على سوريا بين أمريكا وروسيا (4-4)

قال إن روسيا نجحت في بناء التوازن الاستراتيجي مع الغرب انطلاقا من الحرب في سورية
قال إن روسيا نجحت في بناء التوازن الاستراتيجي مع الغرب انطلاقا من الحرب في سورية

الكتاب: التنافس الأمريكي-الروسي في الشرق الأوسط: الأزمة السورية أنموذجًا
 الكاتب : سلمان الجبوري
الناشر: دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، بيروت-لبنان 2018

لا يوجد أدنى شك في عقل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده تعتبر المستهدفة الأولى من قبل الإرهاب الدولي المرتكز على الجماعات الإسلامية المتشددة، و بسبب المخاوف من دور آت للحركات الإسلامية المتشددة، وعلى خلفية الحساسية الخاصة من التيارات الإسلامية التي ارتبطت في شكل مباشر أو غير مباشر بالوضع الداخلي في روسيا، إبان حربها على التطرف والنزعات الانفصالية في شمال القوقاز. وواضح أن التيارات التي بدأت معتدلة في هذه المنطقة أخذت تنحو نحو التطرف التكفيري لاحقاً، بسبب ارتباطها بتنظيمات "القاعدة" و"داعش" و"جبهة النصرة". 

صراع دولي

 
وفي ظل إخفاق الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود التحالف الدولي من أجل محاربة "داعش"، وقرب  روسيا الجغرافي من المشرق العربي، والانخراط المعلن لفصائل جهادية متحدرة من الشيشان وجمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية سابقاً في التنظيمات الإرهابية المقاتلة على الأرض السورية، أصبح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرى في تداعيات الحرب المدعومة إقليميا ودوليا، والتي تشن ضد الدولة الوطنية السورية، أنها تشكل تهديداً مباشراً لروسيا عند ارتدادها إلى الأراضي الروسية. هنا تختلف الحسابات الروسية عن مثيلاتها الأمريكية في تقييمها لخطر "داعش" وأخواتها، على الأقل لاعتبارات القرب الجغرافي، حيث تستدعي مباشرة البعد الدولي للصراع في سورية.

وبما أن الصراع في سورية هو صراع دولي، ما بين الدول المستقلة والإمبريالية، وصراع إقليمي، مع منظومة البترودولار الرجعية العربية، وصراع عربي مع العدو الصهيوني في مواجهة مشروع التفكيك، أي أنه صراع في سورية على سورية ومن أجل تفكيكها، وليس صراعاً سورياً-سورياً بالأساس، فإنّ من حق سورية أن تطلب إن أرادت، ومن واجب من يسعون للتخلص من الأحادية القطبية في العالم، أو يناهضون هيمنة البترودولار على الإقليم، أو يعادون العدو الصهيوني، أن يستجيبوا لمطلب سورية بتقديم الدعم والمساندة إن طلبتهما، فسورية هي التي طلبت المساعدة من الروس، والروس أتوا بالتنسيق مع الدولة السورية، أي بقرار سيادي سوري، على قاعدة تقاطع المصالح بين الطرفين، ولم يأتوا رغماً عن الدولة السورية أو من دون موافقتها، فهم لم يأتوا محتلين للأراضي السورية، أو منتهكين للسيادة السورية كما تفعل دول التحالف التي تزعم مقاتلة "داعش" منذ عام دون أن تؤثر فيه كثيراً، مع سبق الإصرار على عدم التنسيق مع الدولة السورية. 

 

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرى في تداعيات الحرب المدعومة إقليميا ودوليا، والتي تشن ضد الدولة الوطنية السورية، بأنها تشكل تهديداً مباشراً لروسيا


والحال هذه، روسيا دخلت كحليف بطلب من الدولة السورية الشرعية، التي لم يضعها الغرب في الحكم، بل التي تدافع عن استقلال سورية، وروسيا دولة ليس لها تاريخ استعماري في بلادنا، ولا أطماع استعمارية، ولا تستطيع الاستمرار في سورية من دون موافقة الدولة السورية، وعليه، فإن دخولها لسورية ليس معادياً بل هي صديق، ودخولها ذو أمد محدود الأجل.

في ظل التهديدات التي باتت تشكلها الحركات الإرهابية والتكفيرية المدعومة من قبل قوى إقليمية ودولية معروفة، على وحدة الدولة والمجتمع في سورية، اعتبر الرئيس فلاديمير بوتين أن بقاء الدولة السورية وعدم انهيارها، مسألة حياة أو موت لروسيا، إنّها قضية وجود لروسيا التي تعتقد أنّ خروجها من سورية خروج من كلّ المنطقة العربية. وفضلاُ عن ذلك، فإنّ الاستقرار في سورية يعزز الاستقرار في المناطق الجنوبية من روسيا ذات الأغلبية السكانية المسلمة.

 

موسكو ترى أن بوابة العبور إلى المياه الدافئة وعالم البحار المفتوحة وصولا إلى أوروبا وآسيا واحتلال موقع مهم في خريطة الشرق الأوسط، تمر عبر سورية


وانطلاقا من الأخطار المحدقة بسورية، بسبب الحرب الطاحنة التي تدور رحاها منذ سبع سنوات على الأراضي السورية، ترفض روسيا فرض أي تغييرات في بنية الدولة السورية، أو دستورها، أو التركيبة الديموغرافية لها بل حرصت موسكو على أن يمر دعمها الأخير عبر تدعيم مؤسسات الدولة السورية، وعلى رأسها الجيش العربي السوري، إيماناً منها أن الهدف الرئيس من الحرب الدائرة هي تفكيك الدولة السورية، وتقسيمها على أسس طائفية ومذهبية وعرقية. والحال تدعم روسيا بقاء الدولة السورية وليس دفعها للتشظي. 

ترى موسكو في الأزمة في سورية باباً لاجتراح المبادرات وهي تتقاسم الرؤى عينها مع الدولة السورية: محاربة الإرهاب وهزيمته هما المدخلان الحقيقيان لإيجاد تسوية سياسية للأزمة، مع التأكيد على أن دور الجيش السوري والرئيس الأسد يعتبر جوهريًا في هذه العملية. وهذا يعني أيضا ترك مصير الرئيس السوري لفترة تالية بعد القضاء على تنظيم "داعش". 

وهكذا، باتت موسكو ترى أن بوابة العبور إلى المياه الدافئة وعالم البحار المفتوحة وصولا إلى أوروبا وآسيا واحتلال موقع مهم في خريطة الشرق الأوسط، تمر عبر سورية وصولا إلى المنطقة العربية والخليج العربي وتركيا وإيران. ويعني ذلك أن تتحدى روسيا النظام الدولي أحادي القطبية، عبر خلق موانع جيو ـ سياسية في مناطق جغرافية مختلفة لموازنة الضغوط الأمريكية عليها في جوارها الجغرافي المباشر. ومن شأن التحصن والتمكن من اللاذقية وطرطوس على الساحل السوري أن يؤمن لروسيا إطلالة ممتازة على شرق البحر الأبيض المتوسط، وموقعاً لا يبارى في التأثير على موازين القوى بالمشرق العربي والمنطقة.

روسيا وتحقيق التوازن الاستراتيجي مع الولايات المتحدة

لا بد من التأكيد أن سورية أصبحت متموضعة على خريطة اقتسام الأدوار بين القوى الإقليمية والدولية الكبرى، وتقع في بؤرة الصراع بين القوى الإقليمية والدولية، لا سيما بعد الإنخراط الروسي العسكري في سورية، والذي ينطلق من حسابات الأمن القومي الروسي في ظل تنامي الحركات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط، ومن مقتضيات المواجهة بين روسيا وحلف الناتو على خلفية الأزمة الأوكرانية، وما تتطلع إليه موسكو من استعادة روسيا مكانتها كقوة كبرى فاعلة ومؤثرة في الأزمة السورية، في سبيل تحويل النظام الدولي من الأحادية القطبية، التي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية، إلى نظام دولي تعددي تلعب فيه روسيا وعدد من القوى الإقليمية الصاعدة دورًا محوريًا وموازيًا للدورالأمريكي.

كما انتقلت الإستراتيجية الأمريكية في إدارة الصراعات الإقليمية في كل من العراق وسورية إلى تأسيس نمط من تقسيم المنطقة على أسس طائفية ومذهبية وعرقية بين كيانات متناحرة، يستنزف بعضها بعضا، ولا يمكن لأي منها  الانتصار أو الهيمنة، بما يخفض أي تهديد بالنسبة للكيان الصهيوني. غير أنّه في  ظل هزيمة هذا المخطط الأمريكي ـ الصهيوني لإسقاط الدولة الوطنية السورية، وتحقيق مشهد التقسيم لسورية، بالاعتماد على القوى الطائفية والمذهبية الذي ثبت أن خطر التطرف الذي تفرزه بات يُصِيبُ بنيران الإرهاب مختلف بقاع الأرض بلا استثناء، ويُهَدِدُّ بصعود تيارات يمينية فاشية، في الدول الغربية الأوروبية والأمريكية، أصبحت المعضلة الرئيسية التي تتجلى أمام الولايات المتحدة الأمريكية تتمثل في بناء نظام أمني تعددي، يخضع في الوقت عينه لإدارة أمريكية معقدة ومتوازنة، ولكن الخلافات المتكررة بين الموقف الروسي من الأزمةالسورية والمخططات الأمريكي في سورية، يطرح إشكالية حقيقية حول إمكانية نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في مثل هذا النظام الأمني، خاصة في ظل طموحات روسيا لبناء نظام دولي تعددي.

لقد نجحت روسيا في السنوات القليلة المنصرمة من الأزمة والحرب في سورية، في بناء التوازن الاستراتيجي مع الغرب أو الدول الغربية وحلف شمال الأطلسي في سورية، وبالتالي إعادة بناء التوازن الدولي بكامله، أو لنقل توازن القوى في النظام الدولي،بعدما اختل ميزان القوى الدولية لمصلحة واشنطن وحلفائها في الغرب، في أميركا وأوروبا، وفي العالم بأسره، كما تمكنت من منع أو ربما لجم التدخل العسكري الغربي، المباشر والكبير، في الأحداث أو المعارك السورية. كما تمكنت الدولة الروسية من ضرب الإرهاب الدولي، لا سيما  الإرهاب التكفيري، في إطار الاستراتيجية التي أطلقتها لمحاربته بقصد مكافحته، ليس من داخل الدولة السورية وعلى امتداد مساحة إقليمها ومجالها الجغرافي فحسب، وإنما في أنحاء عدة وفي أماكن مختلفة من خارطة المنطقة والجغرافيا السياسية العالمية.

 

إقرأ أيضا: الصراع على سورية بين أمريكا وروسيا (1 من 4)

 

إقرأ أيضا: الصراع على سوريا بين أمريكا وروسيا (2 من 4)

 

إقرأ أيضا: الصراع على سوريا بين أمريكا وروسيا (4-3)

التعليقات (0)