هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم يكن قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا مفاجئا من حيث المبدأ، فالرئيس ترامب أعلن في 29 آذار / مارس الماضي أنه سيسحب هذه القوات، لكن المداولات اللاحقة في مؤسسات صنع القرار بواشنطن من جهة، وضغوط بعض الدول من جهة ثانية أرجأ الموضوع ستة أشهر أخرى.
توقيت مفاجئ
المفاجأة تكمن أولا في توقيت القرار، فقد جاء بعد شهرين من تصريحات متعددة لأهم المسؤولين في الإدارة الأمريكية تؤكد أن واشنطن لن تنسحب من سوريا إلا بعد تحقيق ثلاثة أمور: القضاء على "داعش"، انسحاب القوات الإيرانية والدائرة في فلكها، حصول تسوية سياسية.
إقرأ أيضا: الولايات المتحددة تقرر سحب قواتها من سوريا وترامب يعلق
وتكمن المفاجأة ثانيا في طريقة إعلان القرار، فلم يتم بناء على مراجعة شاملة للاستراتيجية الأمريكية في سوريا مع كافة المؤسسات، بقدر ما كان قرارا فرديا من ترامب.
هل الأمر مرتبط فقط باعتبارات انتخابية داخلية؟ أم هي صفقة مضمرة جرت بين ترامب وبعض أعضاء إدارته مع أطراف دولية وإقليمية؟ وهل الانسحاب العسكري هذا مقدمة لانسحاب كامل من المشهد السوري؟ أم هي خطوة تندرج ضمن إعادة ترتيب مسارات السلوك الأمريكي؟
من الصعب تقديم إجابة وافية عن هذه الأسئلة، على الأقل في المدى المنظور، لكن يمكن القول إن إدارة ترامب تسعى إلى تقديم مقاربة جديدة للتعاطي مع الأزمة السورية وملفات المنطقة.
لفهم هذه المقاربة أكثر، لا يجب النظر إليها من الناحية العسكرية الصرفة، لأن الوجود الأمريكي في سوريا قليل جدا، لا يتعدى الـ 2500 عسكري، وإنما يجب النظر إليها من الزاوية الاستراتيجية.
إقرأ أيضا: ترامب يعلن رسميا سحب قواته من سوريا.. ماذا قال عن داعش؟
هدف ترامب هو الوصول إلى صيغة مثلى للسياسة الخارجية عبر تقليص الحضور الأمريكي في الشرق الأوسط تحديدا، وتقليص الانخراط الأمريكي المباشر في الصراعات الإقليمية عبر البحث عن شركاء محليين وإقليميين ودوليين، يخففون من الحضور الأمريكي مع الحفاظ على المصالح الأمريكية العليا.
قد تبدو هذه المقاربة معقدة، خصوصا في بيئة مثل سوريا حيث التداخل الإقليمي والدولي كبير جدا، ويصعب ردعه من دون حضور أمريكي وازن.
ويبدو أن ثمة محاولة لإجراء فصل بين الأهداف العامة لسياسة الولايات المتحدة عن أنشطتها العسكرية، بمعنى أن عملية محاربة "داعش" هي وحدها التي تجمع بين الأهداف السياسية والعسكرية للولايات المتحدة، أما فيما يتعلق بإيران ودعم الوحدات الكردية والتسوية السياسية في سوريا، فهي أهداف عامة لواشنطن غير مرتبطة بالأهداف العسكرية.
وهذا يعني أنه يمكن فصل المسارين عن بعضهما، مع ما يترتب عن ذلك من استمرار الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها السياسية العامة من دون الحاجة لأدوات عسكرية.
يبدو أن ثمة محاولة لإجراء فصل بين الأهداف العامة لسياسة الولايات المتحدة عن أنشطتها العسكرية،
يعتقد البعض في واشنطن، فضلا عن روسيا، أن الإنسحاب الأمريكي سيمهد لانسحاب القوات الإيرانية في قلب للمعادلة المعتمدة داخل الخطاب الأمريكي الرسمي.
إقرأ أيضا: هآرتس: سحب قوات أمريكا من سوريا سيرسم خارطة كتل جديدة