قضايا وآراء

إعلاميون ومحللون وخبراء في الإرهاب أم ناطقون باسمه؟

نور الدين العويديدي
1300x600
1300x600

ضربة إرهابية جديدة غادرة توجه لتونس.. داهمت بلدا لا يزال ينسج قميص فرحه، بعد نجاحه الكبير في إجراء انتخابات حكمه المحلي.. ستة من عناصر الحرس الوطني (حرس الحدود) يتعرضون لهجوم إرهابي غادر؛ يسقطون على إثره شهداء في منطقة عين سلطانة، قرب الحدود مع الجارة الجزائر..

سقط الشهداء من هنا، وانطلقت جوقة "المحللين" و"خبراء" الإرهاب من هناك؛ تجرّم هذا الطرف وتدين ذاك، وتوسع شقة الخلاف بين التونسيين، وكأن أولئك "المحللين" و"الخبراء" حلفاء للإرهاب، هو يقتل بالرصاص الغادر جنودا في شرخ الشباب، وهم يُتمّون ما يعجز عنه بتفريق المجتمع وإثارة النعرات السياسية بين التونسيين وضرب الوحدة الوطنية في الصميم.

إرهاب وسياسة

اعتاد التونسيون منذ قيام ثورتهم قبل سبعة أعوام ونصف العام أن يحضر الإرهاب ويطل بوجهه القبيح الكالح كلما حدث توتر في الحياة السياسية.. بعد سنة ونيف من انتخاب المجلس الوطني التأسيسي وتشكيل حكومة منتخبة توترت الأوضاع السياسية بين الحكم والمعارضة، وأطل الإرهاب بوجهه البغيض.. اغتيالات وتحركات إرهابية تنتهي بإسقاط أول حكومة منتخبة بعد الثورة التونسية.. وسواء أراد الإرهابيون إسقاط حكومة الترويكا، أم وظفهم البعض للوصول إلى ذلك، أو استغل البعض جرائمهم لتحقيق أهدافه، فالنتيجة سيان: اغتيالات وعمليات إرهابية تسقط بعدها أول حكومة منتخبة.

اعتاد التونسيون منذ قيام ثورتهم قبل سبعة أعوام ونصف العام أن يحضر الإرهاب ويطل بوجهه القبيح الكالح كلما حدث توتر في الحياة السياسية..


بالأمس القريب كان اغتيال المعارض شكري بلعيد ثم النائب في المجلس التأسيسي محمد البراهمي وقودا غذى اعتصام الرحيل الذي نظمته المعارضة العلمانية، وأدى إلى إسقاط الحكومة.. واليوم يريد البعض توظيف الإرهاب أو الاستفادة من خدماته في تحقيق أهداف سياسية.

فلا يخفى على أحد أن البلاد تعيش منذ أشهر صراعا مفتوحا داخل الحزب الحاكم: حركة نداء تونس بين منسق الحزب وبين رئيس الحكومة، حول تغيير الحكومة ورئيسها أو بقائهما. وقد انقسمت الساحة السياسية التونسية بين من يقف مع تغيير الحكومة ورحيلها عاجلا غير آجل، بزعم فشلها، وبين من يقف مع بقاء الحكومة حتى الانتخابات القادمة التي لم يبق لها سوى عام وأشهر قليلة، بحجة الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار.. وتجمد الحوار بين الفرقاء السياسيين منذ أسابيع؛ بالنظر لعجزهم على اتفاق يبقي الحكومة أو يغيرها.

التزامن المريب بين ضربات الإرهاب وتأزم مسرح السياسة جعل الكثير من التونسيين يشكّون في أن الإرهاب يُستخدم أداة لتحريك جمود السياسة، وهم يظنون أن هذا الإرهاب في جزء كبير منه صناعة جهات سياسية، مثلما هو صناعة جماعات إرهابية.. جهات تخطط وأخرى تنفذ.. حتى علق الكاتب الصحفي الشهير صافي سعيد على الضربة الإرهابية الأخيرة بالقول: "الإرهاب صناعة داخلية وخارجية.. العملية الجبانة الأخيرة كانت متوقعة، وهي بمثابة إحداث ثغرة للخروج من الزقاق المسدود أمام أهل الحكم".

التزامن المريب بين ضربات الإرهاب وتأزم مسرح السياسة جعل الكثير من التونسيين يشكّون في أن الإرهاب يُستخدم أداة لتحريك جمود السياسة، وهم يظنون أن هذا الإرهاب في جزء كبير منه صناعة جهات سياسية،


وتساءل صافي سعيد: "من الذي خطط؟ من الذي نفذ؟ لماذا المستهدف في الغالب من جنود الحرس الوطني؟ من يريد خلط الأوراق؟ من المستفيد من العودة إلى استخدام الإرهاب كأداة للتغيير؟". وأضاف معلقا: "هذه الأسئلة بسيطة ولا تحتاج إلى ذكاء كبير لكي نعرف من هم أولئك الإرهابيين الحقيقيين".

هناك إذن إرهابيون حقيقون وآخرون "زائفون"، أو مجرد أدوات متحكم بهم.. هناك مخططون وهناك منفذون.. وهو أمر من شأنه أن يعقد الحرب على الإرهاب، فلا يمكن القضاء على عدو قبل التمكن من معرفته.. ولا ينفع القضاء على المنفذين؛ لأن بوسع المخططين أن يجدوا أدوات تنفيذ جديدة بعد القضاء على أدواتهم القديمة..

محللون وخبراء يخدمون الإرهاب

إلى جوار الإرهابيين الحقيقيين والإرهابيين "الزائفين" أو الأدوات، هناك محللون وخبراء إرهاب وإعلاميون مشبوهون.. قد يكونون طرفا في خدمة أجندة الإرهاب. فعلى الدوام، ومنذ سنوات، كلما وقع حادث إرهابي تداعى خبراء ومحللون وإعلاميون مدفوعو الأجر مسبقا لافتعال المشاحنات بين التيارات السياسية وتأليب قوات الأمن على جانب كبير من التونسيين.. وتراهم ينشرون معلومات زائفة، ويقدمون مزاعم مبنية على جرف هار.

رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب العميد مختار بن نصر، الذي عينه رئيس الحكومة مؤخرا في منصبه الجديد، حذر من أن مؤسسات إعلامية ومحللين وأمنيين سابقين سقطوا في تحقيق استراتيجية الإرهاب. وقال لوكالة تونس أفريقيا للأنباء (الحكومية) إن بعض المؤسسات الإعلامية باتت تسوق للإرهاب وتحقق استراتيجياته. ودعا إلى امتصاص الضربة الإرهابية الأخيرة عبر المحافظة على الوحدة الوطنية وتقوية الصف الوطني، والابتعاد عن التجاذبات السياسية والعبث بالأمن القومي للبلاد.

إلى جوار الإرهابيين الحقيقيين والإرهابيين "الزائفين" أو الأدوات، هناك محللون وخبراء إرهاب وإعلاميون مشبوهون.. قد يكونون طرفا في خدمة أجندة الإرهاب

 

الناطق الرسمي باسم نقابة الحرس الوطني مهدي بوقرة خرج من تحفظه المعتاد، متهما قناة "نسمة"، التي أشار إليها العميد بن نصر دون أن يسميها، بالتورط في مغالطات بهدف تصفية حسابات سياسية، عبر استخدام المؤسسة الأمنية بشكل مكشوف. وقال إن القناة تحاول إرباك المؤسسة الأمنية لغايات سياسية. واعتبر بوقرة أن قناة "نسمة" حاولت توجيه الرأي العام وإيهامه بوجود فراغ أمني في البلاد، مشيرا في هذا السياق إلى أن القناة المذكورة حاولت إيهام الرأي العام بأنه بخروج (وزير الداخلية السابق) لطفي براهم من المؤسسة الأمنية؛ حلّ الفراغ الأمني.

الكاتب والباحث في الشؤون السياسية والأمنية محمد الحاج سالم؛ وجه رسالة مفتوحة إلى رئيس الحكومة يوسف الشاهد قال له فيها: "إذا لم تأذن للنيابة العموميّة بإيقاف المسؤولين عن قناة نسمة وجوقتها الإعلاميّة ومن يقف وراءهم بالمال والدعم السياسي، والتحقيق في ما يشيعونه من فوضى في البلاد، فعليك وعلى حكومتك وعلى البلد السلام".

وزير الفلاحة الأسبق محمد بن سالم، عضو البرلمان التونسي الحالي، استنكر محاولة "بعض السياسيين والإعلاميين التونسيين الاستفادة من العمليات الإرهابية". ووصف ذلك بأنه "حرام" وسلوك "نتن"، مضيفا أنه "في كل دول العالم عندما تكون هناك مصيبة يتوحد الفرقاء السياسيون، إلا في تونس يتسابقون لتوظيفها سياسيا"، مقرا بأن "جزءا من التونسيين لا تهمهم إلا المناصب وكيفية الاستثمار في الأزمات".

الأمر نفسه ذهب إليه المدون زهير غنيمي، متهما جهات سياسية بالوقوف خلف الإرهاب قائلا: "في كل أنحاء العالم عندما تقع جريمة كبيرة تتكاتف كل الجهود للتعرف على الجاني ونيل جزائه، إلا في تونس تقع المسارعة الى تحقيق مطلب سياسي". وأضاف متسائلا: "من طالب بإقالة (رئيس الحكومة يوسف) الشاهد قبل الجريمة؟ من توقع الجريمة قبل حدوثها؟ من توعّد التونسيين بالذخيرة الحية؟ من قال ستنطلق الاحتجاجات يوم 10 (تموز/ يوليو) جويلية؟ من قال سيكون الخريف ساخنا؟ من سارع إلى تأزيم الأوضاع بحرق المبيتات (الطلابية) والغابات والمحاصيل الزراعية وتعطيش الناس بتدمير أنابيب الماء؟؟؟ أهمّ سؤال: من المستفيد؟".

المدون أنور بلحاج عمر؛ اعتبر المحللين وخبراء الإرهاب وبعض الإعلاميين وبعض السياسيين ناطقين باسم الجماعات الإرهابية، إذ تساءل: "لماذا يصر البعض على التعبير بنفسه عن مطالب الإرهابيين؟". وأضاف: "رضا بلحاج (مسؤول حزب سياسي) يطالب بإعادة (الوزير المقال) لطفي براهم.. اتحاد الشغل يطالب بإقالة (رئيس الحكومة) يوسف الشاهد.. فهل أصبح الإرهابيون في غنى عن إصدار بيانهم"، والتعبير عن مطالبهم لأن هناك من يقوم بذلك نيابة عنهم؟".

الإرهاب والوزير المقال

ثارت قبل أسابيع ضجة كبيرة وسط أنصار وزير الداخلية السابق لطفي براهم بعدما أقاله رئيس الحكومة يوسف الشاهد. وراج ساعتها أن الوزير براهم كان ينوي الانقلاب على الدولة، وأن رئيس الحكومة يوسف الشاهد "تغدى" ببراهم قبل أن "يتعشى" هذا الأخير به.

أنصار الوزير المقال وجدوا في العملية الإرهابية الأخيرة فرصة للثأر من خصومهم. إذ زعموا أن الإرهاب ما عاد ليضرب من جديد إلا بسبب الفراغ الذي تركه عزل وزير الداخلية، الذي كانوا يلقبونه بالأسد، وكذلك بسبب التعيينات الأخيرة على رأس المؤسسات الأمنية المختلفة.. لكن وزراء وأمنيين ونوابا نفوا أن يكون ثمة علاقة بين إقالة لطفي براهم والتعيينات الأمنية؛ والضربة الإرهابية.

أنصار الوزير المقال وجدوا في العملية الإرهابية الأخيرة فرصة للثأر من خصومهم. إذ زعموا أن الإرهاب ما عاد ليضرب من جديد إلا بسبب الفراغ الذي تركه عزل وزير الداخلية

وزير العدل وزير الداخلية الحالي بالنيابة غازي الجريبي؛ نفى أن تكون للتعيينات على رأس المؤسسة الأمنية أي علاقة بالعملية الإرهابية، إذ قال إن 95 في المئة من التعيينات هي مجرد سد شغور في مختلف الأسلاك التابعة للمؤسسة الأمنية.

أما الناطق الرسمي السابق باسم وزارة الداخلية هشام المدب؛ فرأى في الربط بين إقالة وزير الداخلية السابق والعملية الإرهابية اتهاما غير مباشر للوزير السابق بأنه يقف خلف العملية الإرهابية، مبرئا الوزير من تلك التهمة، ومعتبرا أن الأسلاك الأمنية لا تتأثر كثيرا بوجود وزير أو إقالته.
كلما ضرب الإرهاب ضربته انقسمت الساحة السياسية التونسية، وسعى كثيرون للاستثمار في المصائب والمآسي، يرومون تحقيق مكاسب عجزوا عن تحقيقها في صندوق الانتخاب

من ناحيته، أوضح مهدي بوقرة، الناطق باسم نقابة الحرس الوطني، أن التحويرات الأخيرة التي شهدتها الإدارة العامة للحرس الوطني هي سدّ شغور وليس إقالات لبعض القيادات الأمنية، مؤكدا أن القيادات الأمنية الموجودة في إدارة الاستعلامات، وعلى رأس إدارة الإرهاب، ظلت على حالها، ولم تشملها أي إقالة، ما ينفي أي علاقة لما حصل في الوزارة من تغييرات مع العملية الإرهابية.

كلما ضرب الإرهاب ضربته انقسمت الساحة السياسية التونسية، وسعى كثيرون للاستثمار في المصائب والمآسي، يرومون تحقيق مكاسب عجزوا عن تحقيقها في صندوق الانتخاب.. لكن الثورة التونسية ماضية وتتقدم.. وقد تعودت خلال الأعوام السبعة الماضية على امتصاص الضربات.. ضربات لم تكسر ظهر الثورة بل قوته.

التعليقات (0)