ملفات وتقارير

ماذا بعد فشل الحكومة بتهدئة احتجاجات تطاوين التونسية؟‎

واجه الشباب الشاهد بمظاهرات وهتافات صاخبة - أ ف ب
واجه الشباب الشاهد بمظاهرات وهتافات صاخبة - أ ف ب
يُواصل الشباب المعتصمون بمُحافظة تطاوين، بالجنوب التونسي تحرّكهم الاحتجاجي المستمر منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، مُطالبين بالتنمية والحق في التّشغيل رغم مُحاولات الحكومة لتهدئة الأوضاع بالمدينة الواقعة في أقصى الجنوب التونسي، والتي تحتوي أراضيها على ثروات طبيعية هامّة، من أبرزها النفط والجبس والغاز.

فبعد زيارة سابقة لوزير التّشغيل والتكوين المهني، عماد الحمامي، اجتمع فيها بممثّلي الاعتصام الذين لم يقتنعوا بعرض الأخير، لم يكن رئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي زار للمدينة برفقة عدد من الوزراء ليعلن عددا من الإجراءات؛ أوفر حظا من وزيره، حيث أعلن المُعتصمون، الأربعاء، عن فشل الجلسة التفاوضية مع الحكومة، وأنهم سيواصلون الاحتجاجات والتوجّه نحو التّصعيد في إطار السلمية.

إجراءات دون المأمول

واعتبر طارق الحداد، الناطق الرسمي باسم تنسيقية الشباب المُحتج في ولاية تطاوين (أقصى الجنوب)، أن الإجراءات التي أعلن عنها رئيس الحكومة التونسية، خلال زيارته للمدينة، "لا ترتقي للحد الأدنى المطلوب"، وأن الجلسة التفاوضية التي جمعتهم بالوفد الحكومي قد انتهت بالفشل.

وأضاف في تصريح لموقع إخباري محلي أن "رئيس الحكومة ضحك اليوم على ذقون أهالي تطاوين واستهبلهم، وما أعلن عنه أقلّ من الحدّ الأدنى وسنواصل في حراكنا السلمي إلى آخر رمق"، معتبرا أن "تطاوين ولاية منسية ومقهورة وحان الوقت لإنصافها"، وفق تعبيره.

وعن القرارات التي أعلن عنها رئيس الحكومة لصالح شباب تطاوين، أفاد طارق الحداد بأنها دون المأمول، ويتمثل بعضها في "60 موطن شغل في الشركات البترولية و500 موطن شغل في شركات البستنة وبعض عقود الكرامة التي لم يـطالب بها الشباب المعتصم"، كما قال.

مطالب المُحتجّين

وتشهد المدينة، منذ أسبوع، إغلاقا للمنافذ المُؤدّية لشركات وآبار البترول (الطريق المُؤدّية لمنطقة الكامور) وتعطيلا لحركة سير الشاحنات، احتجاجا على ما يعتبره المحتجون؛ صمتا من الحكومة وعدم تفاعلها مع مطالب الشباب المُطالب بالحق في التشغيل والتنمية منذ ثلاثة أسابيع.

ويُطالب المُحتجّون برصد 20 في المئة من العائدات النفطية التي تنتجها المنطقة لصالح التنمية فيها، بالإضافة لتشغيل فرد على الأقل عن كل عائلة في إحدى شركات النفط في المنطقة.

ومن بين المطالب المرفوعة أيضا تحويل مقرات فروع الشركات الأجنبية المُشرفة على استخراج النّفط لمدينة تطاوين، حتّى تستفيد الأخيرة من العائدات الضريبية لأنشطتها.

فشل الجلسة التفاوضية

ورغم إعلانه عن 64 إجراء حكوميا في مجالات التشغيل والصحة والنقل والفلاحة، لم يفلح الشاهد في إقناع المُعتصمين الذين أعلنوا عن فشل الجلسة التفاوضية.

وحول هذا الموضوع؛ يقول الباحث الاجتماعي الصغير الشامخ، إن المسألة لا تتعلّق بالكثرة بل بطبيعة الإجراءات التي أعلن عنها يوسف الشاهد مقارنة بالعناوين الرئيسيّة الثلاث للتحرّك الاحتجاجي في تطاوين، وهي التشغيل والتنمية والشركات البتروليّة.

ويضيف: "من الواضح أنّ الحكومة عاجزة فعليّا عن إيجاد حلول للأزمة الاقتصاديّة ولحالة التوتّر الاجتماعي، وعاجزة سياسيّا التحرّك خارج قواعد وأطر مناويل التنمية القديمة المكرّسة للاقصاء الاجتماعي".

وأوضح أنه "من هذه المنطلقات، يمكن فهم فشل الشاهد في التحاور مع المحتجّين وليس في إقناعهم، أضف إلى هذا كلّه وجود هوّة تتّسع شيئا فشيئا بين المجال السياسي الرسمي وهواجسه المرتبطة بالسلطة، وبشروط تحسين التواجد السياسي وبين مجالات اجتماعيّة واسعة هواجسها تنمويّة واجتماعيّة؛ بعد تحصيل شروط الحريّة السياسيّة وخاصّة حريّة الاحتجاج"، كما قال.

ورأ الشامخ، في حديث لـ"عربي21"، أنه يُمكن تلخيص ما حدث في تطاوين بالتباين في الرؤى بين ما أسماه "المسرح السياسي الرسمي" و"المجالات الاجتماعيّة المحتجّة"، وهو ما جعل الفئة الأخيرة تكتسب قدرة بعد تجربة تجاوزت الست سنوات من "الاشتباك الأفقي"؛ على استجماع مقوّمات تكسير بيروقراطيّة المركز، ثم إجباره على مراجعة سياساته تجاه الهامش، وفق تعبيره.

استيفاء السلطة لمحاولاتها

ويرى مُراقبون أن الحكومة التونسية بزيارة رئيسها، والتي جاءت بعد فشل وفد وزاري كان قد سبق له وأن تحاور مع المعتصمين منذ أسبوع، قد تكون استنفدت فرصها لنزع فتيل الأزمة التي تقترب من إتمام شهرها الأول بتطاوين.

وفيما يتعلّق بمآلات هذا التحرك الاحتجاجي، يقول الشامخ إن تمسّك شباب تطاوين المحتجّين بالوسائل السلميّة، وتدرّبهم على الاحتجاج ضدّ الإقصاء بشعارات جوهرها تثوير السياسات التنموية والاقتصاديّة، يعطي للمحتجّين أسبقيّة وقدرة على دفع السلطة نحو مراجعة سياساتها وخياراتها التنمويّة.

وتابع: "هذا ما سيحدث. حتّى وإن إستوفت السلطة فرصها النظريّة، فجوهر المطالب سيكون مقدّمات ومؤشّرات تدقّ ناقوس الخطر في أكثر من مكان وفي رئاسة الحكومة نفسها؛ للتحرّك نحو العودة إلى تفاوض أكثر مرونة مع المحتجّين".

بين المطرقة والسندان

من جهته، قال محمد الهمامي، أستاذ علم الاجتماع السياسي، إن الحكومة التونسية "تُواصل جني ثمار انعدام الثقة بينها، كممثلة للسلطة، وبين الشعب عموما وأهالي تطاوين خصوصا، وهو ما يُفقد كل الإجراءات المُعلنة قيمتها وقدرتها على التّخفيف من حالة الغضب"، وفق تعبيره.

واعتبر الهمامي أن الشباب المُحتجّ رفع من سقف مطالبه لدرجة يستحيل على الحكومة الاستجابة إليها، باعتبار أن مطلب تخصيص 20 في المئة من المداخيل النّفطية أو انتداب فرد من كل عائلة للاشتغال في شركات البترول، وهي شركات خاصّة، ليس مُتاحا للحكومة، وهو ما يجعلها بين المطرقة والسندان، على حد وصفه.

وتابع: "خلف شعارات المُطالبة والشغل التي يرفعها المُعتصمون؛ يختفي عنوان أبرز، وهو ملف الثروات الطبيعية التي لم تقدر مُختلف الحكومات المُتعاقبة على توفير أجوبة لكل التونسيين الذين يطرحون حوله أسئلة عديدة"، مشيرا إلى أن"المُعتصمين يطرحون مسائل كلّية وليست تفصيلية، وعلى الحكومة أن تتعاطى معهم ضمن نفس المُستوى".
التعليقات (0)

خبر عاجل