مثلت صفقة بيع أرض "رأس الحكمة" في الساحل الشمالي الغربي
المصري، لدولة الإمارات في آذار/ مارس 2024، طوق نجاة للحكومة المصرية من أزمة
مستحقات الدين الخارجي العام الماضي، ما يدفع للتساؤل عن حلول القاهرة لمواجهة
أزمة العام الجديد مع ديون وفوائد ومتأخرات مستحقة بأكثر من 43 مليار دولار، وفق
آخر بيانات البنك الدولي.
والأحد الماضي، قال وزير المالية المصري أحمد كوجك، إن حكومة بلاده استخدمت
حصيلة صفقة "
رأس الحكمة" -35 مليار دولار- بكفاءة، وأنها أسهمت بتراجع
قيمته 3 مليارات دولار بحجم الدين الخارجي الذي سجل 155.3 مليار دولار بنهاية
أيلول/ سبتمبر الماضي.
لكن ما أعلنه البنك الدولي عن ديون 2025، خاصة مع احتياطي نقدي لا يتعدى
47.109 مليار دولار، دفع البعض لوصف الرقم بالمرعب، وبالتكهن بأنها مقدمات
للإفلاس، والقول إن مصر تحتاج معجزة للسداد، أو أنها ستفرط فيما هو أكبر من
"رأس الحكمة"، لإنقاذ اقتصاد يعاني أزمات هيكلية مزمنة، وشعب يصل 107
ملايين نسمة، ويعاني أغلبه الفقر وضعف القدرة على توفير المستلزمات الأساسية.
اظهار أخبار متعلقة
وكشف البنك الدولي في أحدث تقاريره أنه يتعين على حكومة مصر سداد 43.2
مليار دولار التزامات ديون خارجية بأول 9 أشهر من 2025، تشمل سداد قروض، وودائع،
واتفاقيات مبادلة عملة للبنك المركزي، والبنوك التجارية، وجميعها عبارة عن 5.9
مليار دولار فوائد، و37.3 مليار دولار أصل قروض.
وبحسب ما نقلته "
العربية بيزنس"، يتوزع سداد تلك الالتزامات على
الحكومة المصرية بنحو 10.4 مليار دولار، والبنك المركزي المصري نحو 21.2 مليار
دولار، والبنوك التجارية نحو 8.1 مليار دولار، والقطاعات الأخرى نحو 3.5 مليار
دولار.
وتتوزع الالتزامات بين قروض بقيمة 17.1 مليار دولار، و20.5 مليار دولار
ودائع واتفاقيات مبادلة عملة يتعين على البنك المركزي سدادها، بخلاف 272 مليون
دولار ودائع وعملات مُستحقة على البنوك، ونحو 3.1 مليار دولار أوراق دين، ونحو 2.1
مليار دولار تسهيلات تجارة.
وفي 25 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أن مصر
سددت 38.7 مليار دولار من الديون المستحقة عليها في 2024.
"قروض ودعم
غربي"
وإزاء الوضع الصعب الذي تواجهه القاهرة، أقر لها الاتحاد الأوروبي في آذار/
مارس الماضي، حزمة تمويلية بإجمالي 7.4 مليار يورو على شكل منح وقروض حتى نهاية
عام 2027، حصلت منها الحكومة المصرية على مليار يورو نهاية كانون الأول/ ديسمبر
الماضي.
وأعلنت وزيرة التخطيط رانيا المشاط، الثلاثاء، عن بدء مصر مفاوضات مع
الاتحاد الأوروبي، للحصول على تمويل بـ4 مليارات يورو (208 مليارات جنيه)، في
حزيران/ يونيو المقبل، لدعم الموازنة المحلية.
والثلاثاء، وفي مقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، التقى وزير الخارجية
المصري بدر عبدالعاطي، برئيس لجنة الشئون الخارجية بالبرلمان الأوروبي ديفيد ماك
أليستر، ومقررة الشريحة الثانية من حزمة الدعم الكلي لمصر بلجنة التجارة الدولية
سيسلين إيمارت، مطالبا بدعم حكومة القاهرة.
الوزير المصري، لفت إلى دور مصر في ملف الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب
وأزمة حرب غزة، والسودان، مؤكدا أن التحديات الخطيرة التي تمر بها المنطقة تتطلب
تعزيز دعم الجانب الأوروبي؛ لتمكين مصر من مواجهة هذه التحديات.
ومنذ آذار/ مارس 2024، تواصل حكومة القاهرة الحصول على دفعات قرض صندوق
النقد الدولي بقيمة 8 مليارات بعد رفع قيمته من 3 مليارات لدعم برنامج الإصلاح
الاقتصادي، والذي يتبقى له 4 شرائح في ربيع وخريف 2025 و2026، كل منها تبلغ نحو
1.2 مليار دولار.
اظهار أخبار متعلقة
وبلغ إجمالي
التزامات مصر تجاه صندوق النقد الدولي 13.2 مليار دولار، ما
يتجاوز مجموع ديون 8 دول عربية للصندوق، وهي: الأردن والسودان وتونس والمغرب
وموريتانيا والصومال وجيبوتي وجزر القمر، بمقدار 7.2 مليار دولار حتى 5 تشرين
الثاني/ نوفمبر الماضي، وفقا لبيانات الصندوق.
وعلى غرار تحويل الإمارات نحو 11 مليار قيمة ودائعها بالبنك المركزي المصري
إلى صفقة "رأس الحكمة"، تتجه دول عربية كالسعودية إلى حذو حذوها وتحويل
ودائعها إلى استثمارات، فيما تبلغ قيمة الودائع العربية قصيرة الأجل 11.7 مليار
دولار، وتصل متوسطة الأجل لـ9.3 مليار دولار.
"ضغوط يقابلها
قروض"
وتواجه الحكومة المصرية شحا من العملة الصعبة لتوفير السلع الأساسية وخاصة
الوقود والغاز والقمح والزيوت والأعلاف والذرة وقطع الغيار والآلات وغيرها،
وتستورد بما يعادل متوسط
7 مليارات دولار شهريا، بإجمالي سنوي أكثر من 70 مليار
دولار.
وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء سجلت فاتورة الواردات 41.8
مليار دولار بالنصف الأول من 2024، فيما استوردت الحكومة شحنات وقود بقيمة 15.5
مليار دولار خلال العام.
وفي المقابل، تواصل حكومة رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، والبرلمان المصري
بشقيه "النواب"، و"الشيوخ"، إقرار اتفاقيات قروض جهات التمويل
العربية والإفريقية والأوروبية والدولية، رغم رفض المعارضة لاستمرار سياسات
الاقتراض الخارجي.
ومن تلك الاتفاقيات إقرار لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، 15 كانون
الأول/ ديسمبر الماضي قرار رئيس الجمهورية (رقم 574 لسنة 2024) بشأن قرض بقيمة
ملياري دولار من مجموعة بنوك إماراتية.
وهو ما وصفه النائب ضياء الدين داود بـ"الكارثة"، مؤكدا أن
"الحكومة تغامر وتقامر بمستقبل الشعب"، وأن "الاقتراض الخارجي
يرتهن القرار السياسي والاقتصادي"، و"يهدد سلامة الدولة".
وفي 30 كانون الأول/ ديسمبر الماضي وافق مجلس النواب، على قرار رئيس
الجمهورية (رقم 383 لسنة 2024) بشأن قرض من بنك التنمية الإفريقي بمبلغ 131 مليون
دولار لدعم الموازنة المصرية.
اظهار أخبار متعلقة
وفي 14 كانون الثاني/ يناير الجاري، أقر مجلس النواب، قرار رئيس الجمهورية
(رقم 164 لسنة 2024) بشأن قرض بنك الاستثمار الأوروبي بقيمة 135 مليون يورو.
"تحذيرات من
وضع خطر"
وفي حديثه الثلاثاء، لموقع "
المصري اليوم" المحلي، أكد مدير
التصنيف السيادي في "ستاندرد آند بورز جلوبال" رافى بهاتيا، أن
"الدين العام في مصر يبلغ 89 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024،
متوقعا انخفاضه إلى 80 بالمئة في 2027.
وتتوالى عمليات هروب رجال الأعمال المصريين من السوق المحلية والتسجيل في
بورصات دبي وأبو ظبي ولندن وغيرها، والانتقال للعمل بالسوق الأوروبي والسعودي
والإماراتي والمغربي، بفعل أزمة الدولار، وأمور أخرى.
وأكد الرئيس التنفيذي للبنك الأهلي محمد الإتربي أن 2360 شركة خرجت من مصر
للإمارات بالنصف الأول من 2024 بسبب تسهيلات بيئة الأعمال هناك.
وتصدرت مصر دول العالم من حيث عدد التراخيص الاستثمارية في السعودية بالربع
الثالث من العام الماضي، بـ 1029 ترخيصا، تمثل 27 بالمئة من الإجمالي.
بل إن رجل الأعمال المصري حسن هيكل، حذر من خطورة الدين العام المحلي لمصر
على الموازنة، مؤكدا بلقاء الاقتصاديين ورؤساء شركات القطاع الخاص، برئيس الوزراء
المصري مصطفى مدبولي، 25 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أن أزمات القطاعات
الاقتصادية يتم حلها بحل مشاكل الديون والحوكمة والموازنة.
وبحسب ما نقلته "فوربس الشرق الأوسط"، قال هيكل، إن أكبر مشكلات
اقتصاد مصر، هي ارتفاع معدلات الدين المحلي والخارجي، وتحمل الموازنة العامة فوائد
أكبر، مشيرا إلى ديون بقيمة 140 مليار دولار بفائدة 6 بالمئة، يصل إجمالي الدين
بالفائدة الدولارية إلى نحو 15 مليار دولار سنويا.
اظهار أخبار متعلقة
ولفت إلى أن الديون الدولارية أكبر من الإيرادات الدولارية، الأمر الذي
يؤثر على القدرة الشرائية للمواطن، وانخفاض ميزانية قطاعي الصحة والتعليم، ملمحا
إلى غرق الدولة المصرية بالفوائد نتيجة ضخ أموال كثيرة بمشاريع ضخمة مثل لم تحقق
عائدا.
"الحل في
الاستثمار"
"عربي21"،
تحدثت إلى الخبيرة والأكاديمية المصرية الدكتورة علياء المهدي، حول قراءتها للموقف
المصري في ملف الديون، وكيفية تدبير مستحقات 2025، والدخول المنتظرة، وحجم مساهمة
قناة السويس بعد هدنة حرب غزة، ودور الدعم الأوروبي وقرض صندوق النقد، وكذلك خطط
الحكومة لحل الأزمة، وما إذا كان بينها بيع الأصول العامة والاقتراض مجددا.
وقالت: "كما ساهمت صفقة رأس الحكمة مع تمويل أوروبي ومن صندوق النقد
في حل أزمة مستحقات دين 2024، فإن الحكومة المصرية كي تحل أزمة أقساط وخدمة ديون
العام الجديد، ستواصل ذات التوجه".
وأضافت: "أعتقد أن مواصلة بيع الأصول العامة والحكومية سيبقى كحل
مستمر للأزمة المالية الحالية وتبعات الدين الخارجي، من وجهة نظر حكومية".
وتعتقد أن "أفضل طريقة لحل الأزمة الاقتصادية بشكل عام ومن بينها أزمة
الدين الخارجي وتسلطها على الموازنة العامة المصرية وما ينتج عنها من آثار
اقتصادية هو جذب الاستثمارات المحلية والاستثمارات الخارجية والتوسع في هذا
الاتجاه، كأفضل حل".
"القادم أصعب"
وهنا يقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى شاهين،
لـ"عربي21"، إن "هذا الرقم من خدمة الدين المطلوب في العام الجديد
طبيعي جدا، لأن حجم الديون تراكم على مصر بشكل كبير جدا".
أستاذ الاقتصاد بكلية "أوكلاند" الأمريكية، أضاف: "تابعت
وزير المالية المصري قبل أيام يقول إن الدين الخارجي انخفض بقيمة 3 مليارات دولار،
وأن الاحتياطي من النقد الأجنبي زاد إلى 47 مليار دولار".
اظهار أخبار متعلقة
وأعرب عن أسفه من أن "إجمالي هذا
الاحتياطي النقدي لا يكفي لسداد كامل
الديون؛ فلهذا فإن الحكومة المصرية ستكون مضطرة في إحدى الحلول المتاحة أمامها
للاقتراض الخارجي مرة أخرى"، ملمحا إلى تبعات هذا التوجه والاستمرار فيه.
وعن الدخول المنتظرة لمصر، يرى شاهين، أن "تحويلات المصريين بالخارج
تستطيع أن تزيد بشكل كبير جدا من عوائد الدولار داخل السوق المصري".
لكن استعادة دخل قناة السويس وفق تقديره "سيأخذ بعض الوقت حتى تطمئن
الدول وشركات الشحن العالمية لاستقرار الأوضاع السياسية والعسكرية والأمنية
بالمنطقة"، مشيرا لخسارة مصر قرابة الـ6 مليارات دولار من عوائد مرور التجارة
الدولية بالقناة.
ويرى أن "قروض صندوق النقد الدولي والدعم الأوروبي في الحقيقة ساهمت
العام الماضي بشكل ما"، موضحا أن "جزءا من إنقاذ مصر العام الماضي يعود
لحرب غزة وأن أوروبا وأمريكا والصندوق وقفت جميعها مع حكومة القاهرة لدورها في ملف
قطاع غزة".
وتابع: "بجانب تخوف تلك الجهات من أن يتحرك الشعب المصري بثورة غضب في
هذا التوقيت ضد حكومة السيسي، ولهذا أقول أن الأمر في مصر بعد ذلك سيكون أصعب في
ملف الاقتصاد والديون".
اظهار أخبار متعلقة
وحول مدى ارتباط ملف الديون المتراكمة في 2015، بما يجري من حديث حكومي هذه
الأيام مع جهات إماراتية عن ملف المطارات المصرية والتي أعلنت الحكومة المصرية
مسبقا عن طرح عدد منها أمام القطاع الخاص، قال شاهين: "هناك حل آخر غير البيع".
ولفت إلى "العودة للاقتراض مجددا"، معتقدا أن "هذا هو المهم
لدى بعض الجهات بأن تكون مصر مكبلة ومقيدة في قراراتها"، و"سترى
ذلك بموضوع بيع المطارات المصرية أو عرضها للقطاع الخاص والحضور الإماراتي قبل
أيام وقبله مفاجأة إعلان رئيس الوزراء عنها".
وختم بالقول: "في الحقيقة أصبحنا مكبلين بحيث أن من يأتي للحكم عقب
السيسي، سيجد رأسه إلى الحائط، ولا يوجد لديه أوراق ضغط أو قوة يؤثر بها".
والاثنين الماضي التقى وزير الطيران المدني سامح الحفني، وفدا إماراتيا،
لدراسة ملف تطوير المطارات المصرية، فيما ناقش مجلس الشيوخ المصري الثلاثاء، خطط
طرح إدارة وتشغيل المطارات أمام القطاع الخاص ومنه الأجنبي، والتي أعلنتها الحكومة
في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وتضم مرحلتها الأولى مطارات (القاهرة، وسفنكس،
والعلمين، وشرم الشيخ، والغردقة".