ليست مقولة حقوق الإنسان في الحقيقة إلا حقا أريد به باطل وهو الأمر الذي كشفته المجازر التي رافقت ثورات الشعوب أو الانتهاكات اليومية في حق الأطفال والنساء والمدنيين في سوريا واليمن وليبيا والعراق أو في سجون الأنظمة العربية على امتداد الوطن الكبير..
كان التونسيون ينتظرون من الرئيس التحرك على الجبهات الخارجية لجلب الاستثمارات والمساعدات والأموال المنهوبة في سبيل إنعاش اقتصاد يختنق لكنه آثر دفء القصر والعنتريات الفارغة والثرثرة الجوفاء ومحاربة طواحين الهواء..
صناعة العبيد هي أخطر الصناعات الرائجة في المنطقة العربية وهي قائمة على إلغاء ملكة النقد وتكفير المعارضين وتخوينهم وشيطنة كل دعوات تمس من مبدأ الطاعة والخضوع والقبول بالأمر الواقع..
مثلت سياسة ترامب تجاه المنطقة طورا أكثر عدوانية وأشد جشعا خاصة مع تراجع الاقتصاد الأمريكي بسبب المنافسة الصينية أو بسبب الأزمات الطارئة مثل جائحة كورونا التي ستكون حافزا على حضورٍ أكثر ابتزازا ونهبا لخزائن دول الخليج من كل الأطوار السابقة..
أزمة الخليج ككل الأزمات الإقليمية هي أزمة خلل في البناء السياسي العربي. هي كذلك مؤشر على أنّ النظام الرسمي قد بلغ مرحلة الانقطاع وهو بذلك آخذ في التآكل من الداخل ما لم يتمّ انقاذه بشكل فوري وجذري عميق.
الحصار ليس مناسبة زمنية وليس مباراة في كرة القدم تُعلن صفارة الحكم عن بدايتها ونهايتها بل هي معطى معقد يتداخل فيه السياسي بالاقتصادي بالاجتماعي بالنفسي بالتاريخي وبغيرها من العوامل والمعطيات..
إنّ ما آلت إليه البلاد العربية من خراب لا يوصف وعلى كل الأصعدة إنما سببه الاستبداد بالسلطة في كل مستويات الدولة والمجتمع. لا يقتصر أمر فساد الممارسة السلطوية على الدولة والنظام الحاكم وإنما يتعداه إلى أغلب الفواعل المقابلة..
الأمة في حاجة اليوم إلى نخب تطبيقية لا إلى نخب خطابية أو تنظيرية. نحتاج اليوم القدرةَ على بناء المسارات وهندسة طرق الخروج من الأزمات أكثر من حاجتنا إلى النظريات والعنتريات والخطابات الأيديولوجية التي انتهي أجلها..
إن انخراط الصحافة التونسية في شحن مكونات المجتمع ضد بعضها البعض خلال الأزمات يرتقي إلى مطاف الجريمة الإعلامية التي تمهّد إلى الاقتتال وإلى الحرب الأهلية، حيث صارت تهمة الإرهاب تُلقى جزافا رغم خطورتها ضد هذا المكوّن السياسي أو ذاك..
لم تكن الثورات العربية نتيجة فعل المعارضة ولم يكن إسقاط النظام إنجازا من إنجازاتها بعد أن فشلت في مشروع المعارضة وفي تقديم نفسها بديلا عن السلطة. صحيح أن بعض هذه المعارضة قد دفع ثمنا باهظا في عدد المعتقلين في المنافي والسجون لكنها خسرت معركة الحسم مع السلطة القائمة حتى جاءت الثورات..
يمكن القول إن حالة الفوضى التي تعمّ المنطقة والعمليات الإرهابية التي تركتبها هذه الأطراف أو تلك، كما يحدث في سوريا أو ليبيا أو العراق أو اليمن، إنما هدفها السعي إلى ترسيخ مقولة الهزيمة وعدم القدرة على التغيير وأنّ الفوضى هي البديل الوحيد للتغيير وإسقاط الأنظمة الفاسدة..
معركة الإعلام هي أمّ المعارك العربية لأنها معركة الوعي ومعركة إدراك العالم وتحدياته فمتى تحرّر العقل العربي من قيود إعلام النظام فإنه سيكون قادرا على إحداث النقلة الحضارية الكفيلة بتحويله من عقل مغيَّبٍ إلى عاقل قادر على إخراج الأمة تدريجيا من حالة التردي إلى حالة إمكان النهضة.
النظام السياسي المغاربي هو المسؤول الأساسي عن حالة النزيف المتواصلة التي تعرفها هذه الدول التي راكمت الديون فوق الديون رغم الثروات الهامة التي تملكها والتي تسيطر عليها شركات أجنبية وتُلقي بعض الفتات للطبقة التي تسهّل لها وضع اليد على هذه الثروات..
إنّ أهمّ دروس الثورات العربية التي لا تزال مساراتها تتفاعل هو قدرة هذه الثورات والوعي الناتج عنها على كشف الاتجاه الحقيقي وتحديد المكامن الفعلية لسبب انهيار الأمة وتفكك بنيانها ورضوخها لمنظومات الاستبداد المختلفة..
صحيح أن الفاعل النفسي يعمل في اتجاهين سلبا وإيجابا ولكنه يمثل في نظرنا مرحلة أساسية من مراحل تطوّر وعي الشعوب وهي المرحلة التي تسبق تأسيس وعي أكثر عقلانية وإن كان لا ينفصل عن المكوّن العاطفي..