نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للواء البحري الأمريكي المتقاعد والعميد الحالي لكلية فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تافتس، جيمس ستافريديس، حول العلاقة بين
مصر وأمريكا.
ويبدأ الكاتب مقاله بنصيحة للإدارة الأمريكية الجديدة إن هي أرادت أن ترسم علاقة ثنائية مع مصر، بأن تتذكر الأسطورة المصرية القديمة حول أبي الهول، الذي يصور في الأساطير الإغريقية على أنه أسد برأس إنسان، وهو كائن حاقد، لكن المصريين القدماء يعدونه كائن خير يعمل على حماية المعبد، حيث يتسلح بقوة كبيرة جدا وحكمة عميقة منحتهما إياه الآلهة.
ويقول ستافريديس في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إن "الحكومة المصرية للرئيس عبد الفتاح
السيسي تشبه أبا الهول إلى حد بعيد، من حيث التناقضات والقابلية لأن تكون مشكلة أو أن تكون شريكا مهما، والواجب على إدارة بلرئيس الأمريكي دونالد
ترامب أن تصوغ سياسة مفيدة للطرفين، تدفع بالعلاقة مع مصر والشرق الأوسط باتجاه مفيد".
ويشير الكاتب إلى أن "مصر تمر بأوقات عصيبة، ومنذ أن وقعت أحداث ميدان التحرير والربيع العربي عاشت هذه الدولة العربية، ذات الأكثرية السنية، وعدد سكانها 90 مليونا، حالة من الضياع، وأعادت حكومة السيسي شيئا من الاستقرار للبلاد (على حساب مخاوف متعلقة بحقوق الإنسان)، لكن لا يزال عليها رسم خطة واقعية للمستقبل، وهذا ينذر بمخاطر كبيرة، وليس لمصر وحدها، فستكون مصر غير المستقرة جذابة لتنظيم الدولة ومصدرا غنيا للتجنيد للجماعات الجهادية".
ويبين ستافريديس أن عدة نقاط في التفكير المصري برزت خلال نقاشات دارت بين خبراء أمنيين أمريكيين والحكومة المصرية؛ ويوردها على النحو الآتي:
الأولى أن مصر ترى نفسها أساس استقرار الشرق الأوسط وأمنه، وتحت قيادة حكومة تكنوقراط شكلها الرئيس السيسي، وتعمل الحكومة على مبدأ "الأمن قبل المثالية"، ويقصدون بذلك أنهم سيحاولون تحسين وضع حقوق الإنسان، لكن أولويتهم أمن الشارع اليومي، والتخلص من الإرهاب.
ثانيا، تحاول الحكومة تحفيز النمو الاقتصادي، الذي كان جيدا في السنة المالية الماضية "4.2%"، بالرغم من تدهور حاد في السياحة، بالعمل على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، والمشاركة مع
إسرائيل في مشاريع مشتركة، واستخدام التكنولوجيا، وإعادة الحياة لقطاع السياحة.
ثالثا، يسعى المصريون لضمان الأمن في قناة السويس؛ بصفتها مصدرا مهما للدخل القومي، بالإضافة إلى شعور مصر بالمسؤولية تجاه المستخدمين العالميين للقناة.
رابعا وأخيرا، فإن مصر ملتزمة تماما بعلاقتها مع إسرائيل وأمريكا، لكنها ستسعى إلى تشكيل شراكات إضافية وغير تقليدية.
ويستدرك الكاتب بأنه "رغم أن مصر تواجه خطر الإرهاب من الداخل من تنظيم الدولة، الذي يحاول اختراق البلد، إلا أن عناصر الأمن والمخابرات يقومون بعمل جيد في السيطرة على التهديد، بالإضافة إلى أنهم يرقبون ما يحصل في ليبيا غربا وفي غزة شرقا بعين قلقة، ويعد تعاون المخابرات الأمريكية والمصرية في هذا المجال جيدا".
ويلفت ستافريديس إلى أنه "من ناحية اقتصادية، فإنه قد يزيد النمو إن تحسنت السياحة، وتراجعت البطالة بنقطة مئوية كاملة، وتراجع العجز في الميزانية السنوية بنسبة 10%، ويستشري الفساد والبيروقراطية في بعض القطاعات مثل (الزراعة وصناعة النسيج والتصنيع)، لكن الحكومة مدركة تماما للمشكلة، وتحاول جهدها لحلها، بالإضافة إلى أن المصريين يحتاجون لاستخدام التكنولوجيا المالية في اقتصادهم، حيث لا يزال حوالي 90% منه قائم على التجارة النقدية وما يتبع ذلك من القصور وقابلية الفساد".
ويتساءل الكاتب: "كيف يمكن لأمريكا أن تساعد مصر في مسارها الإيجابي؟ وأين تلتقي المصالح الأمريكية مع المصرية؟".
ويرى ستافريديس أن "الإجابة عن هذه التساؤلات تتلخص في النقاط الآتية:
أولا: يجب علينا أن نتأكد من من تحقيق علاقة عمل جيدة بين مصر وإسرائيل، وهناك علاقة شراكة إيجابية قائمة على التعاون في جوانب الأمن، ومشاركة المعلومات والمنافع الاقتصادية للطرفين، ويمكن لأمريكا أن تحسنها بتشجيع تعاون عسكري على مستويات أعلى، ولحسن الحظ، فإن وزير الدفاع الجديد جيمس ماتيس يعرف الأطراف كلها من أيام خدمته العسكرية، ويجب عليه القيام برحلة إلى العاصمتين؛ للتشديد على أهمية العلاقة، ودعمها بمستوى معقول من الدعم المالي والتكنولوجي، بالإضافة إلى أنه يجب علينا أن نكون حذرين بخصوص أفكار مثيرة للجدل، مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، الأمر الذي سيكون وقعه شديدا على المصريين العاديين.
ثانيا: علاقة مهمة أخرى لأمريكا التي توترت بشكل متزايد هي تلك العلاقة بين مصر والسعودية، حيث تسعى الرياض لقيادة العالم السني وتريد شريكا راغبا، والبعض يرى أنها تريد شريكا مذعنا، في القاهرة، ويرى المصريون أنفسهم قادة وليسوا على استعداد على اتباع أوامر
السعودية في اليمن، (حيث تقود السعودية حربا ضد الحوثيين)، وغيرها من القضايا الإقليمية الصعبة، بالإضافة إلى أن هناك خلافا بين البلدين بخصوص جزر في البحر الأحمر، وعلى أمريكا أن تعمل بجدية لمساعدة هذين الحليفين الضروريين، لتأكيد أن الخطر الذي تشكله إيران الشيعية هو القضية الأمنية الرئيسة في المنطقة، وعلى وزير الخارجية الجديد ريكس تيليرسون زيارة الرياض والقاهرة.
ثالثا: يمكن لأمريكا أن تساعد في نمو الاقتصاد في مصر، فتعامل أمريكا مع مصر يضفي شرعية دولية على الأخيرة، ما قد يساعد الاستثمار الدولي المباشر، ومن ناحية أخرى، فإن اتصال السيسي بترامب في بداية رئاسته كان تحركا ذكيا، ويمكن لأمريكا أن توفر دعما دبلوماسيا في المؤسسات الدولية والمالية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة، ويجب على إدارة ترامب أن تدرك أهمية الهجرة لأمريكا للاقتصاد المصري، وعلى أمريكا أن تدرك أهمية تسهيل سفر الطلاب المصريين ورجال الأعمال والأكاديميين وغيرهم ممن يمكن أن يقوموا بمهمة سفراء للثقافة المصرية.
رابعا: يجب العمل مع الشريك المصري لتوفير الأمن لقناة السويس، التي تعد مسارا مائيا دوليا مهما، وهذا الأمر يتطلب مستوى أفضل من مشاركة المعلومات الاستخبارية، وتطوير وسائل تكنولوجية جديدة للمراقبة، وإجراء تدريبات مكافحة الإرهاب، وتبادل المعلومات بخصوص المعلومات البحرية الصناعية.
وأخيرا، يمكن لأمريكا تشجيع الشراكة الإقليمية لمصر مع أطراف غير إسرائيل والسعودية، وقد تكون قبرص واليونان شريكتين محتملتين؛ بسبب احتمال إنتاج النفط في حقول بحرية مشتركة في البحر الأبيض المتوسط، وعلينا ألا ننسى أن للناتو برنامج تعاون إقليمي في البحر الأبيض للدول غير العضوة في الناتو اسمه (الحوار المتوسطي)، وقد يكون هذا مكانا جيدا لتعزيز الروابط".
ويخلص الكاتب إلى القول: "بشكل عام، فإن مصالح مصر تتداخل مع مصالح أمريكا بشكل قوي، وتبدو أكثرها وضوحا في العلاقة مع إسرائيل، ويجب على الأمريكيين فعل ما بوسعهم لمساعدة شركائهم المصريين، فإن استقرارهم ونجاحهم ضروري للتقدم في المنطقة كلها".