يعيش التيار الإسلامي بالجزائر؛ على وقع نقاش حاد بشأن
الانتخابات النيايبة المقررة العام القادم، بين من يرى ضرورة المشاركة على ضوء النتائج التي حققها إسلاميون في بلدان أخرى، مثل المغرب وتونس، وبين من يرى عدم جدوى المشاركة في ظل التشكيك بنزاهة الانتخابات.
وينظر جزائريون إلى تجارب
الإسلاميين بتونس والمغرب باعتبارها تجارب "ناجحة"، رغم تعثرها بمصر، وكثيرا ما طرحت تساؤلات بشأن فشل الإسلاميين بالانتخابات في
الجزائر، حيث يفوز أقرانهم بدول عربية أخرى.
وحتى الآن، أعلن حزبان من
أحزاب التيار الإسلامي بالجزائر، مشاركتهما بالانتخابات النيابية المقررة في نيسان/ أبريل القادم، من جملة ستة أحزاب إسلامية لم تتخذ بعد قرار المشاركة من عدمها. وتشكل هذه الأحزاب مجتمعة فريقا ضمن "تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي"، التي تشكلت بعد اتهام السلطة بتزوير انتخابات أيار/ مايو 2012، وتضم أحزابا وشخصيات سياسية بينها رؤساء حكومة سابقون.
والحزبان اللذان أعلنا مشاركتهما في الانتخابات، حتى الآن، هما حركة النهضة التي يرأسها محمد دويبي، وحركة الإصلاح الوطني التي يرأسها فيلالي غويني، بينما لم تعلن حركة مجتمع السلم، كبرى الحركات الإسلامية بالجزائر، التي تعتبر امتدادا للإخوان المسلمين، قرارها بهذا الشأن حتى الآن.
وقالت حركة النهضة في بيان أصدرته في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري إن "السلطة مدعوة لفتح حوار شامل مع القوى السياسية، خاصة ونحن على مقربة من انتخابات برلمانية، ننتظر المشاركة فيها، وستدرس القيادة إن كانت المشاركة منفردة أم إنها تدخل بتحالفات".
أما بالنسبة لحركة الإصلاح الوطني، فأعلن رئيسها فيلالي غويني، المشاركة بالانتخابات النيابية، خلال مؤتمر صحفي عقده يوم 10 تشرين الأول/ أكتوبر، حيث قال "إن حركتنا قررت المشاركة بالانتخابات البرلمانية، رغم الضبابية والغموض الذي يلف الهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات".
ولم تتخذ "تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي" قرارا موحدا بشأن المشاركة، في حين أن هناك قوى تدفع باتجاه المقاطعة.
لكن الإعلان المبكر لكل من حركة النهضة وحركة الإصلاح الوطني عن مشاركتهما بالانتخابات، أثار ردود فعل غاضبة من الأحزاب الإسلامية الشريكة بالمعارضة، وجعل محاولة التكتل فيما بينها لمواجهة حزبي السلطة (حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي)، أمرا غير متوقع.
ولم تخرج الخلافات حول هذه المسألة للعلن حتى الآن، لكن حديث القواعد الحزبية ينتقد القرار، ويتحدث نشطاء إسلاميون، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن تناقضات بخصوص المشاركة أو المقاطعة داخل الأحزاب الإسلامية.
من جهته، قال جيلالي سفيان، رئيس حزب "جيل جديد" المعارض، لـ"عربي21"، إنه "يبدو أننا أمام امتحان صعب، فإخواننا بالتنسيقية يريدون المشاركة بالانتخابات، وهذا يناقض تفاهماتنا الأولية، وسنعمل ما يمكن من أجل إنجاح المقاطعة".
وكان الحزب قد أعلن انسحابه من التنسيقية في وقت سابق؛ بسبب عدم اتخاذها قرار جماعيا بمقاطعة الانتخابات.
ولم تفصل حركة مجتمع السلم، كبرى الأحزاب الإسلامية بالجزائر، التي يرأسها عبد الرزاق مقري، بموقفها من المشاركة بالانتخابات أو مقاطعتها، مثلما لم تفصل بعد الأحزاب التي انبثقت عنها، بعد انقسامات داخل الحركة منذ 2009، بقرارها بهذا الصدد.
والأحزاب التي انبثقت عن تلك الانقسامات هي "حركة البناء الوطني" برئاسة مصطفى بومهدي، وهي معارضة للسلطة، و"جبهة التغيير" التي يرأسها عبد المجيد مناصرة، وهي معارضة أيضا، إلى جانب "تجمع أمل الجزائر" بزعامة عمار غول الذي يتخذ موقفا مواليا للسلطة.
وفقدت الحركة تماسكها بعد رحيل مؤسسها الأول محفوظ نحناح عام 2003، وظهرت بداخلها أجنحة تتصارع على القيادة.
ويُحيل هذا الواقع المنقسم إلى مسألة فشل الأحزاب الإسلامية بالجزائر، إلى السؤال عن قدرة هذه الأحزاب على مواجهة الآلة الانتخابية لأحزاب السلطة المتهمة بالاستفادة من التزوير.
وهنا يرفض رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله، عضو تنسيقية المعارضة، الحديث عن "إخفاق" الإسلاميين بالانتخابات طيلة العقود الماضية، ويقول إنه "لا يمكن الاحتكام إلى النتائج التي تقدمها السلطة بخصوص الانتخابات؛ لأن أرقامها مزورة"، وفق تأكيده.
ويضيف جاب الله لـ"عربي21": "مخطئ من يقول إن الإسلاميين لم يفوزوا بالانتخابات النيابة العام 2012، فالعملية الانتخابية حينها شابها تزوير مفضوح؛ لأن السلطة كانت مرعوبة مما حققه الإسلاميون بكل من تونس والمغرب".
من جهته، يرى الإعلامي الجزائري المختص بالشأن السياسي والانتخابي، عثمان لحياني، أن "تجربة الإسلاميين في المغرب، جاءت معاكسة لكل التحليلات والقراءات التي كانت تتوقع إمكانية عودة الإسلاميين لتجربة حكم، بعد خيبة التجربة في مصر وليبيا واليمن، وتونس كونها قبعت في المنتصف".
وأضاف لحياني، العائد من تغطية الانتخابات النيابية بالمغرب: "يبقى العامل الرئيسي الذي يمكن أن يلغي أي تفوق سياسي بالنسبة لإسلاميي الجزائر؛ أمران: انقسامهم على أكثر من تكتل سياسي وجسم انتخابي، والأمر الثاني: تصادم خياراتهم بين المشاركة مع السلطة أو الممانعة".
ونبه لحياني، في حديث لـ"عربي21"، أن "هذا الخلاف لا يؤدي إلى الإخفاق فحسب، لكن يؤدي أيضا إلى كسر مصداقية الخطاب بالنسبة للإسلاميين في الجزائر"، وفق تقديره.
لكن لحياني يرى في المقابل، أن "كل هذا مرهون بالنسبة للتيار الإسلامي في الجزائر بمدى استفاقة الإسلاميين وتحديث خطابهم، وتغيير تكتيكات العمل السياسي والتسويق والدعاية الانتخابية".
وفي العام 2012، أصيب الإسلاميون بالجزائر بخيبة أمل كبيرة، إذ حصلوا مجتمعين على 48 مقعدا بالبرلمان، من مجموع 460 مقعدا. وقد اتهموا السلطة بتزوير النتائج، بعدما رفعوا سقف الأماني عاليا، اقتداء بفوز حركة النهضة في تونس، ثم حزب العدالة والتنمية في المغرب.