شهدت مدينة
جنيف السويسرية، الثلاثاء، فحص
مصر في مجال
حقوق الإنسان، من قبل الفريق المعني بالمراجعة الدورية الشاملة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، للمرة الرابعة، في اجتماع جرى بثّه عبر الإنترنت.
ويأتي هذا الاستعراض في وقت تزداد فيه الانتقادات الحقوقية للنظام المصري في الملف الحقوقي، وتزامنا مع ذكرى جمعة الغضب 28 كانون الثاني/ يناير 2011 للثورة المصرية.
وبحسب مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة ،فإن مصر هي أحد 14 دولة يُراجعها فريق عمل الاستعراض الدوري الشامل، وأجريت الاستعراضات الدورية الشاملة الأولى والثانية والثالثة في شباط/ فبراير 2010، وتشرين الثاني/ نوفمبر 2014 وذات الشهر من 2019، على التوالي.
وفي السياق نفسه، يترقّب عدد من الحقوقيون والمعارضون وكذا منظمات محلية ودولية، نتيجة المراجعة، الجمعة المقبلة؛ ويمكن للدول الأعضاء بالأمم المتحدة الـ193 تقديم توصياتهم للقاهرة، التي ترأّس وفدها وزير الخارجية، بدر عبد العاطي.
ويناقش التقرير ما يوصف بـ"القضايا الحقوقية والانتهاكات التي لا تُحصى، يعاني منها المصريون منذ العام 2013"، بينها اعتقال أكثر من 60 ألف مصري، وسط مئات من أحكام الإعدام المسيسة، وعمليات
الإخفاء القسري، ووفيات السجون، ووضع النساء بالسجون، واعتقال النخب السياسية، وغيرها، من الملفات التي حاولت "عربي21"، التعرف على نتيجة مراجعتها عبر الحديث مع عدد من الحقوقيين المصريين.
"أهم التوصيات"
بحسب متابعات مركز "الشهاب لحقوق الإنسان"، فقد جاءت أهم توصيات الدول لمصر كالتالي:
طالبت لتوانيا بوقف عقوبة الاعدام"، وإطلاق سراح السجناء، ومنهم علاء عبد الفتاح، فيما أوصت والبرازيل بحرية التعبير ورفع الرقابة عن الصحافة والإعلام، ونيوزلاندا بضمان عمل الصحفيين والأحزاب بحرية، والحد من عقوبة الإعدام تمهيدا لإلغائها، وهي ذات توصية دول فنلندا، والنمسا، وأستراليا، وألبانيا، وسلوفينيا، وموزمبيق، وسيراليون.
وأوصت المكسيك، ومونجليا، وكوريا الشمالية، وجنوب السودان، وكوت ديفوار، مصر بالتوقيع على اتفاقية الإختفاء القسري، وحماية الجميع من الإخفاء القسري، فيما دعت أستراليا لإطلاق سراح جميع المحتجزين الذين تخطوا مدة الاحتجاز التعسفي، وبلغاريا بالإفراج عن المحتجزين لأكثر من سنتين وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان.
من جهتها، دعت السويد، مصر، لرفع القيود عن المجتمع المدني، ومراجعة قانون الأحوال الشخصية، وتفعيل اتفاقية مناهضة التعذيب، لتتبعها النمسا بتوصية احترام الحق في الحياة، وتحسين ظروف الاحتجاز، وفنلندا بالمطالبة بتشريع يمنع الاعتداء على المرأة، وضمان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان.
وأوصت كوت ديفوار، مصر، للتصديق على اتفاقية حماية حقوق العمال المهاجرين وذويهم، والانضمام لبروتوكول القضاء على كل تمييز ضد المرأة، فيما دعت سلوفاكيا لسن قانون يجنب أشكال العنف ضد المرأة، وألبانيا لتنفيذ استراتيجية 2030 بشأن المرأة؛ لتوصي سلوفينيا بمنع استغلال الأطفال بالأعمال الشاقة، وأوزبكستان بنشر ثقافة حقوق الإنسان بمناهج التعليم، وأرمينيا بمنع الاتجار بالبشر ومكافحة الفساد.
"بعض وقائع المراجعة"
من جنيف، شارك المحامي المصري ومدير مؤسسة "عدالة لحقوق الإنسان"، محمود جابر، بوقائع المراجعة الدورية الرابعة لمصر، وقال لـ"عربي21"، إن: "مراجعة ملف مصر الحقوقي له أهمية كبيرة، والقاهرة تحسب له حساب، وإلا لما كان هذا التمثيل الرسمي والحشد غير المسبوق في جنيف بجلسة الاستعراض".
وأوضح جابر أن: "الاستعراض غايته تحسين حالة حقوق الإنسان في الدول بشكل عام، وبالتالي توجيه انتقادات وتوصيات للدول غرضه تنبيه الدولة موضوع العرض لكل نقص وكل انتهاك حقوقي تمارسه الدولة"، ملمّحا إلى أن "تاريخ مصر مع الاستعراض يشير إلى أن حالة حقوق الإنسان تسير من سيئ إلى أسوأ".
وأكد أنه "في جلسة الاستعراض، الثلاثاء، لم تقدم الحكومة المصرية أي دليل على تحسين حالة حقوق الإنسان"، مبينا أن "تقرير مصر يشير إلى كلام لا أثر له على أرض الواقع، حديث تشريعات وقوانين لا تطبق ولا تُحترم من الدولة".
واستدرك: "لكن كانت توصيات الدول كاشفة فاضحة لحالة حقوق الإنسان في مصر"، مشيرا إلى أن "أبرز التوصيات التي تكررت من عدة دول كانت حول ضرورة، تجريم الاختفاء القسري، وإنشاء لجنة لمواجهة التمييز ضد المرأة، ووقف تنفيذ أحكام الإعدام".
وتابع الحقوقي المصري: "كما قالت التوصيات بأنه يجب على مصر، اعتماد استراتيجية قائمة على حقوق الإنسان لوضع حد للترهيب، والاحتجاز التعسفي، وتجريم وترهيب المدافعين عن حقوق الإنسان".
وأيضا: "ضمان الحق لحرية التعبير والتجمع، وسن قانون لضمان حقوق الإنسان يحكم بشكل شفاف استخدام برامج التجسس، والدفاع عن حق تعليم الفتيات والفتيان في شمال سيناء".
وأوضح أنه قد جرت كذلك مطالبة مصر، بـ"التصديق على اتفاقية حماية حقوق العمال المهاجرين وذويهم، والانضمام لبروتوكول القضاء على كل تمييز ضد المرأة، والتصديق على اتفاقية مناهضة الاختفاء القسري".
مضى يسرد ما جرى خلال مراجعة ملف حقوق الإنسان في مصر، ملمّحا إلى مطالبة دولة الدنمارك، على سبيل المثل، بأنه "يجب على مصر تمكين (المجلس القومي الوطني لحقوق الإنسان المصري) من العمل طبقا لمبادئ (اتفاقية باريس)، لاسيما فيما يتعلق باستقلاليته، وفاعليته، وشفافيته".
وأكد جابر، أن "هذا كله نتاج جهود الجمعيات الحقوقية التي تدافع عن حقوق الإنسان في مصر بشكل خاص، ومازلنا ننتظر النتيجة النهائية للاستعراض الجمعة 31 كانون الثاني/ يناير، بعد تجميع كافة التوصيات".
إلى ذلك، عبّر مدير منظمة "عدالة"، عن آماله بأن "يحدث تغيير في الأوضاع الحقوقية والقانونية في مصر، وأن تستجيب مصر للتوصيات، وأن تتوفر إرادة حقيقية لإصلاح ما فسد في نطاق حقوق الإنسان سواء الاقتصادية والاجتماعية أو الحقوق المدنية والسياسية".
"لابتزاز الأنظمة المستبدة"
من جانبه، قال الحقوقي والإعلامي المصري، هيثم أبو خليل، إن "ما وصلنا من ملاحظات خلال المراجعة، الحديث عن ضرورة انضمام مصر لاتفاقية مناهضة التعذيب، والاختفاء القسري، والانضمام إلى بروتوكول القضاء على التمييز ضد المرأة، والتصديق على اتفاقية حماية حقوق المهاجرين وذويهم، ورعاية ذوي الإعاقة، وتشريع منع الاعتداء على المرأة، وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، ومراجعة عقوبة الإعدام تمهيدا لإلغائها".
ولكن أبوخليل، وفي حديثه لـ"عربي21"، أعرب عن أسفه من أن "تلك المراجعة تُستخدم كموضوع العصا والجزرة وهي وسيلة لابتزاز الأنظمة المستبدة التي يعلم العالم كله عنها ذلك".
وأضاف: "شاركت في مراجعتين سابقتين، وتم عمل جلسة استماع لي ضمن المنظمات غير الحكومية (ngo)، وطالبت بوقف عقوبة الإعدام بقضية (عرب شركس)، وأظهر المراجعون تأثرهم، وفي النهاية جرى إعدام 6 مصريين تعرضوا لظلم فادح".
وخلص المحامي المصري للقول، إنّ: "مراجعة ملف حقوق الإنسان وسط ما يحدث في مصر من انتهاكات، وما جرى في محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية بشأن إبادة شعب غزة يؤكد أنها بلا نتيجة، فلا شفافية، ويمكن التغاضي عن تجاوزات حقوق الإنسان في سبيل إنهاء ملف تهجير غزة أو المساومة به".
"آلية شكلية وهؤلاء يستفيدون"
وي تقديره، قال الحقوقي المصري، محمد زارع، لـ"عربي21"، إن "المراجعة آلية تتم كل 4 سنوات، ونفس الانتقادات يتم إعادتها، ونفس الفكرة يصدر توصيات للدولة محل المراجعة، والدولة ترد بأنها علمت جهدا لتحسين ملف حقوق الإنسان، مثل إطلاق استراتيجية حقوق الإنسان عام 2021".
مدير المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، أضاف: "وفي رؤيتي كحقوقي، هذه الآلية للأسف أصبحت غير فاعلة بالمرة، وهذه مجرد توصيات، وهي آلية اختيارية للدول، والدول ترد بأنها قطعت شوطا طويلا، رغم تكرار الانتهاكات مثل أحكام الإعدام المسيسة وتعذيب المسجونين والاختفاء القسري للموقوفين، وإعادة سجن الأشخاص على نفس الجرائم (التدوير)، والحبس الاحتياطي، وكلها انتهاكات يعاد تقديمها كل مرة".
وتابع: "لأن الموضوع ليس فيه صيغة الإجبار وكله اختياري فهذه الآلية مجرد آلية شكلية ليس بها صيغة الإلزام، والدول تدخل تحت مظلتها بإرادتها وتقول ما تقوله، ولكن ليس هناك وسيلة إجبار لها على تحسين وضع حقوق الإنسان".
وأعرب عن أسفه من أنه "بمرور الزمن فقدت المراجعة الدورية دورها عاما بعد عام، وبسبب المصالح المشتركة بين الدول نجد أنه حتى هذه الآلية بها مجاملات، ودول تحاول أن تجامل أخرى وتتحدث عن التحسينات ولو وجهوا ملاحظات فليس لها علاقة بالواقع، ولذلك فالآلية أصبحت غير فاعلة".
وأوضح أنه: "على هامش انعقاد هذه الآلية هناك بعض من يسافرون (تابعون للدولة المصرية) ويحاولون إيهام الناس بأنهم أنقذوا البلاد من مؤامرات تحاك ضدها، ومن بعض المتربصين بها الذين يدعون عدم تحسن حقوق الإنسان؛ وبذلك يستفيدوا من وراء تلك الآلية".
وختم بالقول: "شيئ محزن أن الموضوع أصبح شكليا، ويتاجر به بعض المنتفعين، ولكن هذا هو الواقع، ولذا لا أعتقد أن هناك مفاجآت في المراجعة الرابعة لأنه جرى عرض ذات الانتقادات، كذلك لا مفاجآت من مصر التي قالت سأبذل جهدا لتحسين الحالة، وهذا لا ينطبق فقط على مصر، حيث أصبحت الآلية غير فاعلة والكل يساهم في إضعاف المؤسسة الدولية، فلا إلزام ولا جداول وقتية ولا تحسينات حقيقية".
"في غياب الضغط حبر على ورق"
في قراءته، قال الباحث الحقوقي، عبد الرحمن حمودة، لـ"عربي21": "في السنوات الأخيرة، مرت مصر بمراحل من المراجعة الدورية لملفها الحقوقي في إطار آليات الأمم المتحدة المختلفة".
وأوضح أن "هذه المراجعات تستهدف تقييم الوضع الحقوقي في الدولة، وتوجيه الانتقادات والتوصيات للحكومة من أجل تحسين حقوق الإنسان والحريات الأساسية".
وأضاف: "مع ذلك، فقد أثيرت العديد من الانتقادات حول هذه المراجعات، حيث يرى البعض أن هذه الإجراءات لم تكن كافية لتغيير الواقع الفعلي لحقوق الإنسان في مصر، لا سيما فيما يتعلق باعتقال المعارضين السلميين".
ولفت إلى أنه "للمراجعة الدورية أهدافها، حيث تتم لمصر من خلال آلية الاستعراض الدوري الشامل (UPR)، وهي أداة ضمن مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة التي تهدف إلى تقييم حقوق الإنسان في الدول الأعضاء".
وبين أن "هذه المراجعة تعد فرصة لكل دولة لتقديم تقرير عن حالة حقوق الإنسان فيها، بالإضافة إلى الاستماع إلى التوصيات من الدول الأخرى بشأن تحسين حقوق الإنسان".
وأشار إلى أنه "في هذه المراجعات، تستعرض مصر الوضع الحقوقي في عدة مجالات مثل حرية التعبير، والحق في التظاهر، وحرية الصحافة، وحماية الحقوق المدنية والسياسية، فضلا عن الظروف في السجون، والتعامل مع المعتقلين السياسيين، والاختفاء القسري".
أما بخصوص دور المراجعة في تغيير الواقع الحقوقي في مصر، قال الحقوقي المصري: "تُعتبر المراجعة الدورية أداة هامة في الضغط الدولي على الدول لتحسين سجلها الحقوقي، لكن الواقع في مصر يظل يعكس استمرار الاستبداد والقمع".
وأوضح أن "المراجعات الدورية على الرغم من دورها في رفع الوعي العالمي حول الانتهاكات، إلا أنها لم تُسهم بشكل كبير في تغيير الواقع الحقوقي في مصر".
ولفت إلى أن "التوصيات الدولية تظل حبرا على ورق، ما لم يكن هناك ضغط حقيقي ومستمر على الحكومة المصرية لتنفيذ الإصلاحات".
وختم بالقول: "ولتحقيق تحسينات حقيقية في حقوق الإنسان في مصر، يجب أن يشمل ذلك التزاما حقيقيا من الحكومة المصرية بالمحاسبة والشفافية، بالإضافة إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومنع الملاحقة القانونية للمعارضين".
"انتهاكات لا تتوقف"
في الأثناء، وبينما يناقش حقوقيون وأمميون ملف مصر الحقوقي فإن الانتهاكات تجري على قدم وساق.
وقالت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان": "أصدرت الأمم المتحدة مئات التوصيات لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، وفشلت السلطات المصرية في الالتزام بأي إصلاحات جوهرية، واكتفت بخطوات شكلية تهدف إلى تلميع صورتها أمام المجتمع الدولي، دون أن ينعكس ذلك إيجابيا على الواقع، بل شهدت مصر تدهورا مستمرا وتزايد الانتهاكات اليومية بشكل ممنهج".
ورصد الشبكة العاملة من لندن، في ملفات الإخفاء القسري، والحبس الاحتياطي، والتعذيب، عشرات القضايا. فيما وثّقت إخفاء المواطن، محمد عبد اللطيف عبد الرحمن، قسريا، مدة 5 أعوام، منذ اعتقاله بمطار القاهرة 27 كانون الثاني/ يناير 2020.
وأشارت إلى تحقيق نيابة أمن الدولة العليا، الاثنين، مع الطالب بكلية العلاج الطبيعي بجامعة القاهرة مصعب صابر، بعد أكثر من 4 سنوات ونصف من إخفائه قسريا. موضّحة أيضا، مرور 7 سنوات على اعتقال طالب الجامعة العمالية محمد سعيد بدوي وإخفائه قسريا منذ 26 كانون الثاني/ يناير 2018.
وأشارت إلى إخفاء المقاول مصطفى البنا، قسريا، مدة 5 سنوات بعد استدعاء الأمن الوطنى له 27 حزيران/ يونيو 2020. وأيضا، استمرار إخفاء المدرب الرياضي، محمود راتب يونس، قسريا للعام السادس منذ اعتقاله من التجمع الأول بالقاهرة الجديدة، 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2019.
ونقلت المنظمة الحقوقية استغاثة الشاب كريم عبد العزيز محمد (24 عاما)، وتعرضه للتعذيب والتنكيل بأسرته عقب انتهاء فترة محكوميته، من ضباط قسم شرطة الجمرك بالإسكندرية لرفضه العمل كمرشد.
وبالتزامن مع الذكرى الـ14 لثورة يناير 2011، تحدثت المنظمة الحقوقية عن استمرار حبس الناشطة نرمين حسين، مدة 4 سنوات من الحبس الاحتياطي، وإعادة تدويرها في قضية جديدة بدلا من إخلاء سبيلها في 26 كانون الثاني/ يناير 2021.
وفي السياق نفسه، لا يزال الناشط مصطفى النجار، وهو أحد أبرز رموز ثورة يناير، يعاني من الاخفاء القسري، لأكثر من 7 سنوات، وذلك منذ اختفائه 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2018، فيما لا تلتفت السلطات إلى المناشدات الحقوقية ومن أسرته للكشف عن مصيره.