الاجتماع المغلق الأخير الذي عقد في واشنطن العاصمة، من أجل التوحيد الظاهري بين التيارات
المصرية الثائرة، بما فيها جماعة
الإخوان المسلمين وحركة 6 أبريل وغيرهما، كان، على ما يبدو لي، موضوعا للنقاش للأسباب الخاطئة.
لقد رفض مجتمع الإنترنت المبادرة بسبب المادة الخامسة التي تحدثت عن علمانية الدولة (كما هو متوقع)، فدارت الكثير من النقاشات والسجالات حول "الهوية" و"الدولة". ومع هذا، فأعتقد بأنه من المفيد أن ننظر إلى المبادرة من زاوية مختلفة.
مبدئيا، فإن عقد الاجتماع في واشنطن يعتبر شيئا لافتا للنظر! فهو على الفور يضع قيودا ضد أي فصائل ثائرة ليست لديها القدرة على دخول الولايات المتحدة، وتلقائيا سيكون جميع الحضور من الأغنياء، القادرين على الحصول على تأشيرات دخول، وشخصيات مقبولة من قبل الحكومة الأمريكية. يجب أن نتذكر أن الولايات المتحدة تعترف بالسيسي، ولا تعترف بشرعية المعارضة في مصر. إذن، فبحكم التعريف، نجد أن عقد اجتماع "للثوار" في واشنطن سيكون مانعا ضد حضور أي من الثوار، ما يعني أن أحد الشروط المسبقة لحضور اجتماع واشنطن لتوحيد الثوار، كان هو عدم إمكانية أن يكون أي من الحضور من الثوار.
إذن.. فماذا نستنتج من هذا الاجتماع؟
أولا وقبل كل شيء، انعقاد الاجتماع في واشنطن يعني أنه لم يتم تنظيمه بشكل مستقل. فلماذا يعقد في واشنطن؟ لماذا لا يعقد في بلد يمكن لتيارات الثوار الحقيقية أن تحضر إليه؟ لماذا لم يعقد في تركيا؟ أو في السودان؟ وأنا أدرك أنه قد تم التخطيط لاجتماعات لاحقة في تركيا، وقطر، وأوروبا، ولكن ماذا عن الثوريين الذين ليست لديهم حسابات على برنامج المسافر الدائم؟ وبما أنه تم الانتهاء من الإطار الأساسي في اجتماع واشنطن، فإن أيا كان ما سيتبعه سيلتزم بهذه المعايير.
لا، حقيقي أننا لا نعرف تحت رعاية من تم عقد هذا الاجتماع، ولكن عقده في العاصمة يعني أنه كان تحت رعاية الولايات المتحدة ((نقطة)). نحن لا نتحدث عن مؤتمر حول الشعر العربي، ولكننا نتحدث عن لقاء لأشخاص من المفترض أنهم ينظمون للإطاحة بحكومة تساندها الولايات المتحدة. وهذا شيء لا يسمح به في الولايات المتحدة إلا إذا كان تحت رعاية الولايات المتحدة. لقد تم إملاء مكان عقد الاجتماع، وتم إبلاغهم بمن سيسمح لهم بالحضور. ويمكننا أيضا أن نستنتج أن التوصيات المتفق عليها في الاجتماع تم إملاؤها هي كذلك. وهذا ما يفسر السبب في أن هذا الاجتماع كان مغلقا، وبالتالي فلن يتم إبلاغنا إلا بما اتفقوا عليه في النهاية، ولكننا لن نعرف ما تمت مناقشته أو كيف تم التوصل إلى هذه الاتفاقات، وما هي وسيلة الإقناع.
ولكن هناك شيء إيجابي حول هذا الاجتماع، بالرغم من هذا.
هذا الاجتماع يعني أن واشنطن، لسبب ما، بدأت تأخذ الحركة الثورية على محمل الجد، حتى إنها تحاول أن تستميلها. وقد يشير كذلك إلى أن الولايات المتحدة تحاول أن تعد العدة لاستبدال
السيسي. ومن الممكن طبعا أنهم يريدون إدارة المعارضة من أجل تحييدها، والحفاظ على السيسي في السلطة. ومع ذلك، فإن الطبيعة الإقصائية للاجتماع تشير إلى خلاف ذلك.
فمن البداية، يبدو أنه أيا كان ما سيُتفق عليه في هذا الاجتماع، فإنه لن يحمل أي وزن على الأرض. وسيكون مثل مؤتمر من السباكين الذي يحددون بروتوكولات لكيفية قيام الكهربائيين بعملهم. وهذا هو المؤهل الرئيس الذي يجعل هذه السلطة تبارك أي زعيم: أن يكون بلا أي تأثير ولا أي أرضية في الشارع. فهذا يضمن لهم أن مثل هذا الزعيم لن يعاني من ويلات تشتت ولائه، لأنه سيكون مَدينا حصريا لمن عينوه في موقف القيادة.
وعلى الهامش، حري بي أن أذكر أن هذا اللقاء فشل بشكل موثوق في معالجة أهم عامل في "هوية" الدولة، ألا وهو السيادة السياسية والاقتصادية الحقيقية والمستقلة. لقد دار النقاش بين ما إذا كانت مصر يجب أن تكون مستعمرة علمانية أو مستعمرة إسلامية واقعة تحت السيطرة الأجنبية. ولكن هذه السيطرة الأجنبية لم تُنَاقَش ولم يُعتَرَف حتى بها... لذا يبدو بالفعل أن الاجتماع نفسه يعكس هذه السيطرة.