لا أعرف على وجه الدقة، أين عُقد مؤتمر
الأقباط؟.. فقد قيل إن هذا المؤتمر الذي عقد في الفترة من 9- 10 يونيو الماضي، كان مكان انعقاده في واشنطن، بينما قال آخرون بل في نيويورك. وقال البعض إن انعقاده كان في الكونجرس، بينما هناك من قال بل في قاعة في فندق. وبينما قيل إنه عُقد تحت رعاية المخابرات الأمريكية، فقد قيل أيضا إن منظمة "أقباط متحدون" هي من وجهت الدعوة وتحملت نفقات المدعووين. وفي الوقت الذي قيل فيه إن رجل الأعمال "نجيب ساويرس"، كان بالمصادفة هناك، فحضر الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، فقد اعترف أنه تلقى دعوة لكي يلقي "الكلمة الرئيسية" أو كلمة الافتتاح!
وهذا التضارب جاء لأن من حضروا المؤتمر ونظموه، قرروا منذ البداية أن يكون مؤتمرا سريا، فلم يسمح بنقل وقائعه وكلمات المتحدثين تلفزيونيا أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تتم دعوة صحفيين
مصريين لتغطيته، وأكثر ما نشر عن المؤتمر ولم "يشف الغليل"، كان تغطية من صحفية مسيحية كانت حاضرة وقد ألقت بدورها كلمة، على نحو كاشف بأنها لم تذهب إلى هناك بصفتها الصحفية، ولكن لكونها مسيحية مهتمة بهذا الملف، وبعد المؤتمر نشرت صورا لورشة صحفية تدريبية في الولايات المتحدة الأمريكية، لتوحي أن السبب الحقيقي لسفرها هو حضور هذه الورشة. وتردد أن معظم من سافروا للمشاركة في المؤتمر، قالوا إنهم في زيارة لذويهم هناك!
وهذا التعتيم، يجعل الطريق ممهدا لسوء الظن، حتى وإن كان الأمر لا يعدو إلا أن يكون حديثا عاديا عن الاضطهاد يجري اجتراره في مؤتمرات تعقد في القاهرة، لكن فكرة السرية تدفع بالخيال لأن يجنح بعيدا، تماما كما يتم استغلال هذا الخيال من كون الكنائس - على العكس من المساجد - بعيدة عن رقابة الدولة، في الحديث عن أنها مخازن للسلاح، وبعض هذا الكلام دفعت به الأجهزة الأمنية في عهد مبارك لحاجة في نفس يعقوب، فأنظمة الاستبداد لا تعيش إلا في ظل توتر بين مكونات المجتمع، إن لو توجد الدوافع له أوجدتها هذه الأنظمة التي تحكم بالقبضة الأمنية.
"ساويرس" قال إن الإخوان هم من شوهوا كلمته وقولوه ما لم يقله، لأن شبكة "رصد" الموالية للجماعة، نسبت إليه بعض المقولات ربما نقلا عن المواقع التي غطت لها المؤتمر الصحفية سالفة الذكر، ولا أعرف الزائد عن المنشور الذي بثته "رصد" بشكل استدعى أن يغضب "نجيب ساويرس"!
ليس عندي دفاع عن "رصد"، فما يعنيني هو حالة الفزع التي انتابت الرجل، مع أنه كان يمكن أن يرد على "مؤامرات الإخوان"، ببث كلمته كاملة، فما الذي منعه من أن يفعل، وهو إن كان باع "أون تي في" فلديه وكالة أخبار هي "أونا"، وموقع إلكتروني هو "مصراوي"، وصحيفة ورقية هي "فيتو"، وحصة في "المصري اليوم"، وفي جميع الأحوال فإن المرء لا يحتاج لسند ملكية لكي تبث مواقع التواصل الاجتماعي "إبداعاته"!
لا أعرف ماذا أغضب "نجيب ساويرس" في المنسوب إليه، واعتبره نتاج مؤامرة إخوانية تستهدفه بشكل شخصي، لكن في مقاله بجريدة "أخبار اليوم" نفى أن يكون مؤيدا للمرشح الأمريكي المحتمل "ترامب"، فقال إن تأييده كان سابقا لتصريحاته العنصرية. وفي الواقع إن "ترامب" ظهر منذ اليوم الأول بهذه التصريحات وبالمواقف المعادية للعرب والمسلمين!
هل هذا ما أزعج فعلا "نجيب ساويرس"، أم إن أزمته مع السلطة التي بدا أنها تفهم معنى أن يحضر هو بالذات مؤتمرا كهذا؟ ويبدو أن العلاقة بينه وبينها ليست على ما يرام، فقد تعامل منذ الانقلاب على أنه شريك، وحلم أن يحصل حزبه على الأغلبية في البرلمان لتكريس هذه الشراكة برئاسة الحكومة، قبل أن يتأكد له أن السيسي كالفريك، وقد جاء في المثل المصري: "أنا كالفريك لا أحب شريكا"؛ فحزبه لم يحصل على الأغلبية، ولا يملك هو مجرد السيطرة على نوابه، فالبرلمان كله قبضة الأجهزة الأمنية، والتدخل الأمني وصل لعقر داره هو، فأمره بالتخلص من أذرعه الإعلامية واحدا تلو الآخر، ومن ريم ماجد، إلى يسري فودة، ومن إبراهيم عيسى، إلى يوسف الحسيني، ووصل "الأمر الأمني" إلى ساعده الأيمن مدير القناة "ألبرت شفيق"، وإن تُرك يتولى رئاسة قناة أخرى فقد كان المطلوب ألا يكون مع "ساويرس"!
في النهاية لم يجد "نجيب ساويرس" بدا من بيع القناة لرجل الأعمال "أبو هشيمة"، الذي تخلص من "جابر القرموطي"، ومن "ليليان داود" التي جرى ترحيلها بانتهاء علاقتها بالقناة التي تم بيعها، وسبق بيع المحطة التلفزيونية هذه قيام "ساويرس" ببيع شبكة المحمول "موبينيل"، في إجراء فهم منه أنه يصفي أعماله في مصر، فالسيسي ليس هو محمد مرسي، والمجلس العسكري ليس هو جماعة الإخوان التي اتهمها بأنها تعمل على تشويهه، فهل تقوم بتشويهه فعلا؟!
اللافت أن الجماعة تكرر أخطاءها نفسها معه، ففي أيام الرئيس محمد مرسي، هرب ساويرس إلى فرنسا، ومن هناك قال إنه أُجبر على الهروب بسبب سياسة الرئيس الإخواني الذي اضطهده، ورويت قصص وحواديت عن سيارة الحرس الجمهوري "الجيب"، التي ذهبت لمدينة الإنتاج الإعلامي للقبض على "نجيب ساويرس" وهو يشارك في برنامج تلفزيوني، فتسلل على أطراف أصابعه للخارج، إلى أن وصل فرنسا بلد النور فتنفس الصعداء!
وكانت هذه الدعاية لا تواجه إلا بحالة من "البلادة" من الحكم، وهي البلادة التي لا تزال تحكم أداءهم معه حتى الآن، وليس عندي معلومات كافية عن علاقتهم به ليمكنني بها التوصل بالتحليل إلى أسباب "كسرة العيون" هذه، فلماذا عيون "الإخوان مكسورة" في مواجهة "ساويرس"؟ فحتى الذين كشفوا حقيقة موقفه قبيل الانقلاب وبعده، لم يكن من بينهم إخواني واحد، فمن فعل هذا كانوا من غير الإخوان!
"البلادة" لا تزال تحكم العلاقة إلى الآن، فبعد مؤتمر الولايات المتحدة الأمريكية وقوله إن الإخوان هم من يشهرون به، ومارس طريقته نفسها في التضليل عندما سافر إلى باريس "هروبا من بطش النظام الإخواني"، فقد قال مؤخرا إن مرشد الإخوان كان قد أرسل له في الخارج رسالة يهدده فيها بالقتل إذا نزل مصر، فإذا بجينات عنترة بن شداد تتحرك داخله ويعلن العودة إلى مصر في التو واللحظة، ليواجه الموت ببسالة!
وهو كلام لم يواجه برد من الإخوان؛ مع أن الجنين في بطن أمه يعلم الآن أن هروبه لم يكن خوفا من "البطش الإخواني"، باعتباره رمزا معارضا وزعيما جسورا، فقد كان لتهربه من دفع ضرائب مستحقة عليه، وعندما تم التوصل إلى تسوية بـ (11) مليار جنيه، دفع منهم سبعة مليارات وتم الاتفاق على تقسيط الباقي، عاد للقاهرة، وقد استقبله مندوب من الرئاسة في صالة "كبار الزوار"، في تصرف يثبت أن القوم في غيبوبة، وقد تكون بينهما علاقة سرية لا نعرفها!
ما علينا، فإذا كنا قد فقدنا الأمل في أن يرد عليه الإخوان، فليفسر هو أسباب هذا العزوف الإخواني عن الابتعاد عنه رغم هجومه عليهم، وهو لا يفتقد منبرا حيث إن من تجليات ثورة 30 يونيو المجيدة أن تحول هو إلى كاتب في "أخبار اليوم"، تماما كما تحول أحمد عز إلى كاتب بالصحيفة نفسها في الأيام الأخيرة لمبارك في السلطة!
وعلينا أن نعود إلى "الملف القبطي" بعيدا عن مطامع رجال الأعمال، فهل لا يزال المسيحيون بالفعل يشعرون بالاضطهاد في ظل حكم عبد الفتاح السيسي، المدعوم من رأس الكنيسة القبطية؟! إلى درجة أن يلتقوا في مؤتمر سري لمناقشة الأمر، ويتم التعتيم على وقائع المؤتمر وكلمات المشاركين فيه؟!
في تقديري أن الموضوع أبعد من فكرة الاضطهاد، فطوال الوقت يجري الحديث بالحق وبالباطل عن قرائن هذا الاضطهاد وينشر على نطاق واسع، فما هو المبرر لهذه السرية وذلك التعتيم؟!
الأمر يمكن تفسيره في الموقف الذي جرى مع "فاطمة ناعوت"، التي تجد حفاوة في المحيط المسيحي لازدرائها للدين الإسلامي، شأن كثيرين وفي قائمة طويلة يجدون هذه الحفاوة والقائمة لا تبدأ بالسيد القمني ولا تنته بها! ولهذا تمت دعوتها لهذا المؤتمر لتكون "المسلمة" الوحيدة التي دُعِيت إليه!
في كلمتها قالت "فاطمة ناعوت" الخطاب التقليدي، الذي كان يردده الجميع بمن فيهم البابا شنودة، بأن الأقباط ليسوا أقلية، فثار عليها الحاضرون، وقد فاجأها هذا فهي لم تقل جديدا، لكن أزمتها أنها لم تعرف الجديد، ولأنها فقدت اتزانها لهول المفاجأة فقد ذهبت تهاجم المؤتمر، وتقول: "لقد طلبوا مني أن أكون شوكة في ظهر مصر"، ليرد عليها "مجدي خليل" عن منظمة "التضامن المسيحي" بأنها تعرف عنوان المؤتمر وساومت على أجرها. فأي أجر لمتحدث في مؤتمر لم يكتب بحثا ولم يكلف بدراسة؟!
الجديد أن يتم التعامل مع الأقباط على أنهم أقلية في مصر، والأقليات يرتب لها وضع دولي في ظل سياسة إعادة رسم المنطقة، ليبقى السؤال: ولماذا صمت السيسي وأذرعه الإعلامية على هذا المؤتمر السري؟!
لا بأس، فيكفيني هذا الحرص على أن يكون المؤتمر سريا، فالإثم هو ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس!