أثار
إعلان شركة "بالم هيلز" للاستثمار العقاري المملوكة للملياردير
المصري ياسين
منصور عن تخفيضات هائلة في بيع الوحدات السكنية والفندقية، الجدل حول ما وراء تلك التسهيلات.
عائلة
منصور (محمد ويوسف وياسين)، التي تأتي بالمرتبة الثانية كأغنى الأسر العربية بصافي
ثروة مجمعة بلغت 5.8 مليار دولار، محافظة على مستوى صافي ثروتها منذ آذار/ مارس
2024، قدمت
عروضا كبيرة مع الاحتفال بمرور 25 عاما على المؤسسة كمطور عقاري في مصر.
وعرضت
الشركة نسبة 1.5 بالمئة و5 بالمئة من قيمة الوحدة العقارية كمقدم للشراء بدلا من 5
بالمئة و10 بالمئة، مع إطلاق نظام تقسيط 12 عاما و10 سنوات، في خطوة تخالف فترة التقسيط
المحددة بـ6 و8 سنوات والتي دأب عليها المطورون العقاريون في مصر.
وبينت
أن أقل مبلغ كمقدم للوحدات هو 90 ألف جنيه (1800 دولار)، محددة القسط الشهري بداية
من 7200 جنيه (144 دولارا)، وذلك لجميع مشروعاتها بمدينة الشيخ زايد، و6 أكتوبر (غرب
القاهرة)، والتجمع الخامس (شرق العاصمة)، والساحل الشمالي (غرب البلاد)، والتي يبلغ
أقل سعر منها 1.2 مليون جنيه، وتصل بعضها من 9 وحتى 11 مليونا.
و"بالم
هيلز" لديها 38 مشروعا تمتد عبر شرق وغرب
القاهرة والاسكندرية والساحل الشمالي والبحر الأحمر تسكنها 68 ألف عائلة، مع 13 مشروعا
عبر الإنشاء، في محفظة أراضي تبلغ 32 مليون متر مربع، بحسب موقع الشركة.
"فقاعة
على الأبواب"
لكن،
حديث منصور، دفع الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال المصري الأمريكي مؤسس مجموعة
"تكنوقراط مصر" الدكتور محمود وهبة، لتوقع حدوث فقاعة عقارية بمصر، مؤكدا
عبر "فيسبوك" أنه "في ضوء عروض بيع
العقارات هذه بمقدم هزيل أنبه أن
هذه بداية الفقاعة العقارية بمصر"، مبينا أنها "طالما بدأت فلن تنتهي بخير
للبائع والمشتري والممول".
وأشار
إلى أن الفقاعة العقارية بأمريكا بدأت هكذا وعبر تخفيض مقدم التمويل بصرف النظر عن
القدرة عن الدفع، ثم توريق العقود كسندات أو غيرها، والحصول على العقود المجمعة وليست
الفردية، وبيعها لطرف ثالث بسعر أعلى، ملمحا إلى أن البنوك المصرية الآن تقوم بالتوريق
وشراء هذه السندات.
وبين
أن "هذه السندات تباع أكثر من مرة حتى أنه في أمريكا بلغ التصنيف 1 مقابل 70 ضعفا،
بينما الأصل قد يكون صفرا"، مضيفا أنه "فجأة يتوقف طرف واحد عن البيع أو الشراء،
فتنفجر الفقاعة".
وأكد
أن "هذا ما حدث بأمريكا والعالم عامي 2007 و2008، وبلغت الخسارة منها 3 تريليونات دولار، وفتكت بحياة الفقراء الذين تم استخدامهم رغم عدم قدرتهم على الشراء والسداد
وبعلم الدائنين".
ويشكو
مصريون من اتصالات مزعجة من مكاتب التطوير العقاري للترويج للشقق السكنية، ما وصفه
السياسي المصري فؤاد سراج الدين بقوله عبر "فيسبوك": "وصل عرض العقارات
لدرجة الإغراق وأسعار فلكية"، مشيرا لحجم "أموال تتعدى تريليون جنيه"،
مؤكدا أنها أموال كبيرة أكثر من نصفها مجمد بسبب التضخم.
"الأزمة
قادمة"
مطورون
عقاريون يعملون بمدينتي "بدر" و"الشروق" و"العاصمة الإدارية"،
أكدوا لـ"عربي21"، أن "هناك ركود حالي وتراجع في نسب البيع مع تفاقم
غير طبيعي بالأسعار".
وأشاروا
إلى أن "الأزمة قادمة وستكون في الشقق المعدة للإيجار مع أول توقف للعمل بالعاصمة
الجديدة بسبب نقص التمويل، وبسبب مغادرة سوريين لمصر، ومع أول توقف للحرب في السودان
ستتفاقم الأزمة بصورة أكبر".
وقالوا
إن "الأسعار غالية جدا، ولا يوجد بيع وشراء، وعند الاتفاق على بيع في الأغلب يجري
التراجع عنه من قبل المشتري بسبب السعر الغالي، ويتعلل الجميع بأنه يجب الحفاظ على
ما لديه من عقار خوفا من خسارته مع التعويم المقبل للجنيه".
ولفتوا
إلى أن "كثيرين يظنون بوقوع تخفيض جديد بسعر العملة المحلية مقابل ارتفاع جديد
للدولار، مع احتمالات إغلاقه مع نهاية العام على 59 جنيها".
وأوضحوا
أن "الكل يتمسك بما لديه من وحدات وأراض، وعند بيع عقار أو مساحات غير مبنية ثم
الذهاب لشراء غيرها تجدها أغلى مما تم بيعه، فيصاب المطور بصدمة ويتمسك بما لديه حتى
تتضح الأمور".
وقالوا
إن "نسبة زيادة أسعار الوحدات والأراضي بالشهور الأخيرة تعدت 50 بالمئة بسبب أزمة
الدولار، وترويج الأنباء حول سعره، حيث يعمل المطورون العقاريون في تداوله والبيع والشراء
به، وخسر كثيرون بين السوق السوداء والرسمية".
وبينوا
أن "نسبة البيع قلت بالطبع، لكن لا نستطيع الحكم عليها بالضبط لأن سوق العقارات
يصاب بركود طبيعي في فصل الشتاء ويزيد في الصيف، والعمل الآن يكون تجهيزا للصيف".
وحول
آخر الأسعار، قالوا إن "العاصمة الإدارية لها قانون آخر ولا يحكمها غير البيع
بالتقسيط، ولكن في المدن الأخرى الجديدة والمحيطة بها وصل سعر الشقة السكنية العادية
تطوير أهالي إلى 3 و4 ملايين جنيه بمدينة الشروق، ونحو مليوني جنيه بمدينة بدر".
"منافسة
الدولة"
وأوضحوا
أن جانبا من الأزمة الحالية والمحتملة يتعلق بـ"منافسة الدولة"، موضحين أن
"الحكومة تطرح من آن إلى آخر وحدات وأراض للمقيمين في الخارج بالدولار، ما يقلل
نسب شرائهم للوحدات السكنية، بل ويدخلون السوق العقاري للبناء بأنفسهم أو عبر وسيط
ما يفاقم المعروض ويقلل نسب البيع ويكتظ السوق".
وتنافس
الحكومة المصرية بشدة في قطاع التطوير العقاري، وتشارك بنصف قطاع البناء والتشييد وفق
تأكيد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن 50.7 بالمئة من إجمالي عدد الوحدات
السكنية (121.6 ألف وحدة) نفذها القطاع الحكومي في (2022/ 2023)، فيما نفذ القطاع الخاص
118.3 ألف وحدة.
وأوضح
الجهاز الحكومي، أن إجمالي عدد الوحدات السكنية المنفذة بلغ 239.9 ألف وحدة باستثمار
بلغ 262.1 مليار جنيه، بينها 89.6 ألف وحدة إسكان (اقتصادي)، و59.8 ألف وحدة (استثماري)،
و49.8 ألف وحدة (متوسط)، و31.8 ألف وحدة (فاخر)، و8.1 ألف وحدة (فوق متوسط)، و802 وحدة
إسكان (منخفض التكاليف).
ووفق
بيانات رسمية نفذت الحكومة مليون و50 ألف وحدة سكنية في 9 سنوات بجانب العمل على نحو
1.4 مليون وحدة سكنية، بتكلفة إجمالية 607 مليارات جنيه.
كما
أن الجيش الذي يمتلك 87 بالمئة من إجمالي مساحة مصر، ويقوم باستغلال بعض الأراضي لبناء
فنادق وإسكان ومراكز للرفاهية خاصة بالضباط الكبار في الجيش، وفقا لتقرير "الغارديان"
البريطانية، في نيسان/ أبريل 2014، يشارك عبر ذراعه القوية "الهيئة الهندسية"،
بقوة في قطاع البناء والتشييد بالبلاد.
حصل
الجيش الذي يمتلك الإمكانيات والمعدات والعمالة الرخيصة على الإسناد بالأمر المباشر
للكثير من مشروعات البناء، إثر قرار الرئيس المؤقت عدلي منصور، في تشرين الثاني/ نوفمبر
2013، للحكومة بالتخلي عن المناقصات وإسناد المشروعات بالأمر المباشر.
وشاركت
الهيئة الهندسية منذ آذار/ مارس 2014 بمشروع بناء المليون وحدة سكنية في 13 موقعا بتكلفة
280 مليار جنيه، لتنتقل للعمل بالعاصمة الإدارية التي يمتلك الجيش 51 بالمئة من قيمة
شركتها، بجانب إنشاءات مدينتي العلمين الجديدة والجلالة الجديدة، إلى جانب مشروعات
"دار مصر" وغيرها بالمدن الجديدة.
ويرى
مطورون عقاريون أن منافسة الدولة والجيش لهم في قطاع البناء والتشييد غير عادلة، حيث
اشتكى الملياردير نجيب ساويرس في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، من مزاحمة شركات الحكومة
والجيش للقطاع الخاص بشكل يخلق منافسة غير عادلة.
وهناك
العديد من المطورين العقاريين الكبار في السوق المصرية مثل: مجموعة هشام طلعت مصطفى،
و"مصر الجديدة"، و"بالم هيلز"، و"أوراسكوم" المملوكة
لعائلة ساويرس، و"إعمار" الإماراتية، و"معمار المرشدي"، و"سيتي
إيدج"، و"بيراميدز للتطوير العقاري"، وغيرها.
"تسوية
الشرق الأوسط"
وفي
قراءته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبد النبي عبد المطلب، إن "مسألة حدوث فقاعة
عقارية يتخوف الكل منها، لأنها في الأساس تمت في ظروف معينة"، ملمحا إلى أنه
"كان هناك نوع من أنواع التسويات السياسية في منطقة الشرق الأوسط"، في إشارة
إلى ما أُطلق عليه "صفقة القرن".
وفي
حديثه لـ"عربي21"، أوضح وكيل وزارة التجارة والصناعة للبحوث سابقا، أن
"مصر وتركيا توجهت نحو مجال التنمية من خلال ريادة قطاع العقارات"، ملمحا
إلى أن "أنقرة نجحت إلى حد كبير في جذب جزء غير قليل من رأس المال الخليجي الذي
استثمر بشكل كبير في العقار التركي وفي أذربيجان".
وأوضح
أنه "في مصر للأسف الشديد كانت هذه المحاولات غير موفقة بشكل كبير، إذ لم تتمكن
القاهرة من جذب الخليجيين، كما أنه لم تحدث التسوية التي جرى الحديث عنها بقدوم الفلسطينيين
مثلا لشراء وحدات عقارية في مصر، بغرض التجنيس".
"دور
السودانيين والسوريين"
واستدرك
بقوله: "لكن طبعا شاءت الظروف بزيادة الطلب على العقارات في مصر عندما جاء الإخوة
السودانيون إلى مصر عقب الحرب الدائرة هناك منذ نيسان/ أبريل 2023، ولذلك لم تظهر الفجوة
العقارية".
وأضاف:
"الآن هناك احتمالات كبيرة بعودة السوريين إلى بلادهم ومع احتمال آخر لعودة بعض
السودانيين لبلادهم -مع تقدم الجيش السوداني في القتال- وفي اعتقادي أنهم سيتخلون عن
الوحدات التي يسكنونها كوحدات إيجارية".
ويعتقد
عبد المطلب أن "الجزء الذي اشتروه بطريقة التملك لن يؤثر كثيرا في سوق العقارات
في مصر، لأنها أصول مملوكة لأجانب؛ لكن المشكلة الأكبر عند أصحاب العقارات المؤجرة".
وأوضح
أن "نسبة كبيرة من المصريين اشتروا العقارات للتأجير للسوريين والسودانيين؛ وحال
رجوع هؤلاء الحائزين إلى بلادهم لن يتمكن أصحاب هذه الوحدات بالوفاء بالديون التي عليهم
أو بالأقساط المفروضة على وحداتهم، ومن هنا قد تظهر الأزمة العقارية".
وحول
سبب تصاعد تلك الأزمة، يرى الخبير المصري أنه "لا يوجد سبب محدد؛ ولكن في ظل أزمة
كورونا من 2020 وحتى 2022، والحرب الروسية الأوكرانية 24 شباط/ فبراير 2022، ومرحلة الركود التي شهدها العالم؛ ظهر هناك نوع
من أنواع الطلب على التنمية السريعة وأسرع نوع من أنواع التنمية هو العقارات، أن تبني
وتبيع للمصريين وبالعملة الأجنبية للمصريين بالخارج أو المهجرين السوريين والسودانيين".
"هكذا
تعامل الغرب"
وحول
تعامل الغرب مع الفقاعة العقارية أكد أن "دول أوروبا وأمريكا واجهت الفقاعة العقارية،
ومعروف أنهم سمحوا بإفلاس بعض البنوك التي تلاعبت في سوق العقار، ومن هنا ضاعت أموال
كثيرة، وهو أمر صعب الحدوث بمصر".
ولفت
إلى أنه "على الجانب الآخر دعمت دول في أوروبا وأمريكا بعض البنوك التي مولت العقارات
بعد تأكدها أنها لم يكن لديها سوء نية في هذا الموضوع".
وأكد
عبد المطلب أنه "في مصر لن يصل الموضوع لهذا الحال فعندنا ثقافة إمكانية تأجيل
الديون والتفاوض عليها، وتعلم الشركات العقارية والملاك أن هناك مغالاة بأسعار الوحدات
التي بيعت، ومن هنا يمكن عبر التفاوض الوصول لحل وسط ولا تكون هناك مشاكل".
"فقاعة
مستبعدة"
ووفق
قراءته الاقتصادية لأهم البيانات والإحصائيات والشواهد، قال كبير المستشارين في
"الكونسرتيوم الأمريكي- واشنطن"، الدكتور علاء الدين سعفان لـ"عربي21"
إن "التجربة المصرية مختلفة عن التجربة الأمريكية واحتمالات حدوث فقاعة مستبعد
لأسباب كثيرة".
وأضاف:
"بالنسبة لمصر هناك احتياج كبير للوحدات السكنية وعجز بملايين الوحدات يتزايد
سنويا، ولا يستطيع المطورون سد هذا الاحتياج خاصة مع استمرار العجز مهما تم من بناء
وحدات، مع زيادة السكان، واحتياج للوحدات يضاف للفجوة الحادثة منذ سنوات".
ويرى
الخبير الاقتصادي أن "شركات التطوير مثل "بالم هيلز"، مثلا لعائلة المنصور
والمغربي كانت تمتلك أكبر محفظة عقارية، والآن ليسوا رقم واحد، ولكن لديهم نحو 29 مليون
متر مربع، والشركة استفادت من سوق المال، وتعاظمت ثرواتها بالأرباح الرأسمالية التي
أضيف على قيمة الأراضي التي استحوذوا عليها قبل عشرات السنوات، لذلك لديهم قوة مالية
كبيرة ومحفظة ضخمة وطوروا مواقع وأماكن مشروعات
عقارية عليا بطلب من الفئات الغنية".
وأوضح
أن "عقاراتهم ليست مساكن تعاونية ولا لمحدودي الدخل ولا متوسطي الدخل، ومنتجاتهم
موجهة لشريحة معينة من الشعب لديها دخل مرتفع لا تزيد عن 10 بالمئة من السكان، ولكنها
موجودة وتشتري".
وبين
أن "هذه التسهيلات حيلة تسويقية للشركة وسط شيء من الركود، ولكن هذا لا يذهب بنا
لفقاعة عقارية، لأن السوق لم يتشبع بعد وفي احتياج لوحدات عقارية جديدة للسكن والاستثمار
والادخار من الطبقة التي تستثمر بالعقارات".
"دور
الجيش"
وأكد
سعفان أن "السوق العقاري مشجع ومن القطاعات القوية حتى بعد التصرفات غير المخططة
لشركات الجيش، وبدون خبرة بمجال العقارات، وبطريقة كان ينبغي أن تكون عملية التسعير
فيها شيء من التعقل، رغم أن الأرض مجانية".
ويرى
أن "الخلل بالسوق العقاري؛ دخول شركات الجيش كمقاول ينافس الشركات المنضبطة بالسوق،
ورغم الفجوة والاحتياج الكبير لازلت أتوقع تطور القطاع وعدم حدوث فقاعة عقارية".
وختم
بالقول: "أيضا من الأسباب أن الجنيه مقوم أمام الدولار بقيمة أعلى من قيمته الحقيقية،
وأتوقع تغير سعر الدولار وانخفاض القيمة الشرائية للجنيه، وهذا من أسباب خلل السوق
العقاري".