نشرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية؛ تقريرا حول الأوضاع السياسية في
مصر، على هامش إعداد قناة ARTE الفرنسية فيلما وثائقيا حول معاناة الشعب المصري من
الحكم العسكري والدكتاتورية على مدى العقود الماضية، تحدثت فيه عن أوجه الشبه بين جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك وعبد الفتاح
السيسي.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن شارع محمد محمود، المؤدي لميدان التحرير، الذي يعد أحد شرايين ثورة 25 يناير الذي سالت فيه دماء الشباب المصري، كتبت على أحد جدرانه عبارة: "الشعب المصري ذاكرته قصيرة كذاكرة السمك"، وهذا ما يمكن أن يشعر به كل شخص يتابع مسيرة
الفراعنة الثلاثة الذين سبقوا عبد الفتاح السيسي، وهم جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، كما تقول المجلة.
وقال التقرير إن كل دكتاتور من هؤلاء وصل إلى السلطة بشعار القطيعة مع الماضي وبناء مصر جديدة، ولكن الأخطاء ذاتها تكررت كما لو أن مرضا مزمنا أصاب مصر. وعلى غرار الفراعنة السابقين، ظهر الجنرال السيسي متعطشا للسلطة، وقدم نفسه على أنه المنقذ، وشرع مباشرة في قمع الحريات وفرض صورة الزعيم الفرد المسيطر، مبعوث العناية الإلهية القادر على تخليص البلاد من كل المخاطر.
وذكر التقرير أن جمال عبد الناصر لم يكن في أعلى هرم السلطة عند إعلان الجمهورية في سنة 1953، ولكن الخلافات نشبت بينه وبين الرئيس محمد نجيب، زعيم الضباط الأحرار الذين أسقطوا النظام الملكي، وكان سبب الخلاف أن نجيب يريد التركيز أولا على بناء الديمقراطية، بينما فضل عبد الناصر إعطاء دور محوري للجيش، والإعلان عن أهداف رنانة وضخمة يستوجب تحقيقها التنازل عن الحريات السياسية. وقد مثل انتصار عبد الناصر على نجيب في سنة 1954 نقطة فارقة في تاريخ مصر، التي سلكت حينها طريقا طويلة من الدكتاتورية، لم تخرج منها إلى يومنا هذا.
وأشار التقرير إلى أنه مثلما كان عبد الناصر يعتبر أن الحرية ليست أولوية، أفصح الجنرال السيسي أيضا عن نواياه عند ترشحه للرئاسة في سنة 2014، حين قال إن "مصر لن تكون جاهزة للديمقراطية قبل 20 أو 25 سنة".
وأشار التقرير إلى أنه ما من رؤية تبناها الزعيم الفرد في مصر إلا وكان مصيرها الفشل، حيث إن حلم عبد الناصر بالوحدة العربية اصطدم بالهزيمة ضد إسرائيل في سنة 1967، ووعود السادات بجلب الرفاهة والنمو الاقتصادي تبخرت، وانتهت إلى معاناة للمواطن المصري بسبب فرض اقتصاد السوق، وهوس مبارك بالاستقرار لم يتحقق، وانتهى باندلاع ثورة أسقطت حكمه.
ونقل التقرير عن الصحفية جيهان طاهري، أن "السيسي مثل هؤلاء الفراعنة الثلاثة، يردد شعارات العظمة والنمو الاقتصادي والاستقرار، ويعد بأنه سيكون مختلفا عن سابقيه وسيحقق النجاح، ولكنه في النهاية سيرتكب الأخطاء ذاتها مثلهم تماما، لأنه ينتمي للمدرسة ذاتها".
وفي سياق الحديث عن تكرار الأخطاء، ذكرت المجلة أن عبد الناصر كان قد وعد بالحرية والديمقراطية، ولكنه سرعان ما فرض سياسة الحزب الواحد في مصر، وقد انطبعت سنواته الأخيرة في الحكم بظاهرة "زوار الفجر"، وهم ضباط أمن الدولة الذين يقتحمون منازل المعارضين والنشطاء في الفجر لأخذهم لوجهة غير معروفة، وقد عاد "زوار الفجر" للظهور من جديد بعد انقلاب صيف 2013، وأصبح المعارضون يختفون الطريقة نفسها.
كما أن السادات فسح المجال في بداية حكمه للحرية، وسمح للإخوان المسلمين بالنشاط بحرية، ولكنه انقلب عليهم في أواخر السبعينات، وقد بلغ القمع والتعذيب مداه في سنة 1981، ما دفع بأحد الضباط الإسلاميين لإطلاق النار عليه انتقاما لشقيقه الذي تعرض للتعذيب والتنكيل، وفق قول المجلة.
وعلى غرار السادات، استهل مبارك حكمه بتحرير السجناء السياسيين والسماح للإخوان المسلمين بالدخول للبرلمان لأول مرة في سنة 1984، ولكن حادثة التفجير في الأقصر التي أسفرت عن مقتل 62 شخصا، ثم هجمات 11 أيلول/ سبتمبر في الولايات المتحدة، مثلت ذريعة لإعادة السياسات الأمنية والقمع، ضد كل التيارات الإسلامية.
واعتبرت المجلة أن هذا السيناريو، أي فتح الحريات السياسية ثم إعادة فرض للدولة البوليسية ومنع تيار الإخوان المسلمين، تمت إعادته بين سنتي 2011 و2013، ولكن في وقت مختصر، ما أدى لعودة العسكر للحكم، وسط حالة فقدان للذاكرة وتناس للتجربة المصرية التي أثبتت أن القمع الأعمى يؤدي دائما لتفشي التطرف والعنف.
وفي الختام، نقل التقرير عن جيهان طاهر، أن "الشعب المصري كان دائما منسيا وسط هذه المواجهة الثنائية، بين العسكر الذين يرفعون فزاعة التهديدات الأمنية، والإخوان الذين يكتسبون شعبيتهم من الاضطهاد الذي يتعرضون له، ولكن معطيات جديدة دخلت المعادلة منذ ثورة 25 يناير، بعد أن ثبت أن الفرعون يمكن إسقاطه، ويبقى التساؤل المطروح: هل استوعب عبد الفتاح السيسي هذا الدرس؟".