كتاب عربي 21

"مرارة" السيسي.. و"فقع المرارة"!

1300x600
في عيد ميلاده المجيد، حرص الأستاذ محمد حسنين هيكل، على "فقع مرارة" المصريين، أو أولئك الذين لم "تفقع مرارتهم" بعد، فلا أظن أن كثيرين منهم يحتفظون بـ"مرارتهم غير مفقوعة"، بعد كل ما جرى وبعد كل ما شهدته مصر من انقلاب خطط له "الأستاذ" ورعاه ونفخ فيه من روحه!.

"فقع المرارة" جاء بعد تصريحات هيكل، لرهط من الصحفيين، في مقدمتهم "لميس الحديدي"، التي يعد وجودها في محفل كهذا، كاشفا عن أن الرجل، الذي كان يعطي لمن يجالسونه امتيازا مهنيا، تحدر به الحال، فالدنيا إذا حلت أوحلت، وإذا أينعت نعت، وقد كان من قبل يختار جلساءه ومحاوريه، وبعد أن كانت تحاوره "خديجة بن قنة"، صارت تحاوره "لميس الحديدي"!.

لا بأس، فهيكل هو الأدرى بقيمته، والأعلم بقدره، لكن البأس الشديد هو ما صرح به في وجود جارته بالجنب "لميس الحديدي"، والتي انضمت حديثا لحلقة ذكر "الأستاذ" منذ أن صارت محاورته الأثيرة. وقد "فقع" في هذا اللقاء الطيب المبارك "المرارة" لمن كان يتمتع بمرارته سليمة غير مفقوعة، عندما قال باعتباره القريب من عبد الفتاح السيسي ومعلمه، إن السيسي يشعر بالمرارة من حجم المشكلات والتحديات التي تواجه البلد، بعد اطلاعه عليها!.

لنفاجأ بأن السيسي "آخر من يعلم" وهو الذي سبقته دعاية كبيرة، بأنه الأحق بحكم البلاد، لأنه الأعلم بشؤونه، فهو يترأس جهازا استخباراتيا، يعلم أين يخبئ القرد ابنه؟، وأنه يقف على المشكلات التي تعاني منها البلاد، وبالتالي فهو الأقدر على الحكم من أول يوم وبدون أن يمر بمرحلة التمرين، التي لابد أن يمر بها أي شخص من خارج "دولاب الدولة"!.

لقد بحت أصوات الذين لديهم علم بتفاصيل الأمور، بأن الجهاز الذي كان يترأسه السيسي بقرار من مبارك، لم يكن منوطا به، الانشغال بتفاصيل الحكم في البلاد، ثم إن افتراض العلم، لا يعني القدرة على الحل، وإلا لكان المرشح الأفضل هو عمر سليمان، رئيس المخابرات العامة، أو لعل من المناسب، والحال كذلك، أن تكون الرئاسة من حق "حبيب العادلي"، وزير الداخلية، الذي كان هو الحاكم الحقيقي على الأرض، وكان صاحب الكلمة المسموعة لدى مبارك، ولم يكن لأحد من أول المشير محمد حسين طنطاوي، إلى من هم دونه أن يبدى رأيا، أو يتنفس في حضرة المخلوع!.

ولقد بح صوتي، وأنا أرد على أولئك الذين يتحدثون عن افتراض العلم بمشكلات البلاد، في عبد الفتاح السيسي، بأن مبارك لم يكن ليختار أحدا صاحب رأي أو صاحب رؤية!.

وها هو هيكل الآن، وبعد "خراب مالطة" يحيطنا علما بأن السيسي فوجئ بحجم المشكلات والتحديات "بعد اطلاعه عليها". فجل تصوراته عن الحكم لا تتجاوز تصورات "العاشق الولهان"، عن الزواج فما هو إلا "ليلة الدخلة"، عندما يختلي بحبيبته، وقد "صبر ونال"، وبعد أن تقع "الفأس في الرأس" يكتشف أن الزواج ليس هو فقط "ليلة الدخلة"، ومؤكد أن سيكتشف أنه كان حالما عندما لم ير فيه سوى هذه الليلة المباركة، وهي إن طالت فليست أكثر من ليلة!.

باعتراف هيكل، فإن السيسي كانت تصوراته، كأخينا العاشق سالف الوصف، فقد ذكر نصا: "كان عنده تصورات حالمة لكنه لم يكن يعرف طبيعة الملفات"!.

فمن الواضح أن الرجل كان يحلم بالحكم، وقد رأى ذلك في المنام أربع مرات، فجاءت تصوراته "حالمة"، لأنه لم يكن مطلعا على الملفات، وهو يخطط للانقلاب، وهو يُستدعى في البداية من قبل هيكل وبطلب من الدكتور محمد البرادعي، للانقلاب على الرئيس المنتخب، ولم يفكر في الاطلاع عليها عندما دغدغ "الأستاذ" مشاعره الجياشة، وعاش حالة الحب العذري وقد هم بالسلطة وهمت به، ليكون في الحالة نفسها التي يعيشها أي "عريس حالم"، وبعد شهر العسل، يفاجأ بمحبوبته "منكوشة الرأس"، فسيادتها حامل، وتريد نفقات البيت، وأجرة الطبيب، والاستعداد لقدوم "ولي العهد"، فقد دقت ساعة العمل الثوري، وربما يريد أن يستعيد أحلامه البكر، فيصدمه الواقع الأليم: "لقد كبرنا على ذلك"!.

لقد أمسكوا الساعة للرئيس مرسي، ساعة، ساعتان، ثلاث ساعات، يوم، يومان، ثلاثة أيام.. أسبوع، أسبوعان.. لقد مرت المائة يوم "يا فاشل". كان يعمل، وكانوا يقومون بإفشاله، حتى يعايرونه بالفشل، ليجد مطلبهم آذانا صاغية، عندما يطالبون بإسقاط الفاشل، بعد أن أثبتت التجربة أن مصر لا تحكم من خارج "دولاب الدولة"، وأي خيار أفضل، من رجل كان يترأس جهازا مخابراتيا عملاقا، فإذا بالأيام تثبت أنه الفشل بشحمه ولحمه، رغم أن كل أجهزة الدولة تعاونه من أجل أن ينجح، وإذا بنا نقف من خلال "الكاهن الأعظم هيكل"، أن فرعونه كان محكوما بمجرد التصورات الحالمة، "لكنه لم يعرف طبيعة الملفات"!.

عندئذ لابد أن يشعر الذين أيدوا السيسي بخيبة الأمل راكبة جمل، صحيح أن الفشل يعيشونه، لكن ما قاله هيكل هو توصيف كاشف لحالة قائمة!.

هيكل، وقد أدخل الغش والتدليس على الرأي العام، بحديثه عن "مرشح الضرورة"، القادم من "دولاب الدولة"، والعالم ببواطن الأمور، لم يجد ما يقوله إلا "ويجب أن يتجاوز تلك الصدمة". فماذا إذا لم يتجاوزها، ويبدو أنه غير مؤهل لتجاوزها؟!.. وما المبرر لكل ما جرى، وللانقلاب العسكري، وللدماء الذي سالت، والفاتورة التي دفعتها مصر من "لحم الحي"، ومن حريتها، من أجل أن يكون الخيار هو شخص كل ما يملكه هو "تصورات حالمة" وأنه "لم يكن يعرف طبيعة الملفات"!.

هكذا ببساطة، ليصبح الأمل هو أن "يتجاوز تلك الصدمة"!.. وكأن حكم مصر، هو لحل العقد، وفك المربوط في ليلة دخلته، وللعلاج النفسي لمن كان حالما فشعر بالمرارة "بعد اطلاعه على حجم المشكلات والتحديات التي تواجه البلد"!.

قال هيكل هذا وكأن السيسي هو قدرنا، ولم نسمع من جارته بالجنب هتافا كالذي أطلقته بصوت "السلعوة" ضد الرئيس محمد مرسي: "الشيلة تقيلة عليك ما تشيلهاش"، فلم تعلق، والفشل يحيط بها من كل جانب، وصاحبهم فوجئ بـ "الشيلة"، وعندما فوجئ بها، شعر بالمرارة، وصار مطلوبا منا جميعا ان ننتظر حتى "يتجاوز تلك الصدمة"، فإن لم يتجاوزها كان علينا الدعاء بأن يتجاوزها، فلا حديث عن ضرورة أن يتنحى وقد فوجئ بما لم يحط به علما، أو تتم الدعوة لانتخابات رئاسية، يكون من حق الشعب فيها أن يطلب من المرشحين، أن يخبروه إن كانوا بالفعل مطلعين على "طبيعة الملفات"، أم أن تصوراتهم حالمة، تدفع صاحبها للشعور بالصدمة، والإحساس بالمرارة؟!.

وكأن المطلوب من الشعب أن يزيل أثار الشعور بالمرارة من حلق السيسي، وإن نتج عن هذا فقع مرارة عموم هذا الشعب، أو من بقيت لديه مرارة لم "تفقع" بعد!.

يا له من "مقلب"!

azouz1966@gmail.com