عنوان هذا المقال سؤال، وسأحاول الإجابة عليه: إذا أردت أن تفرح بمقدم
رمضان الكريم فاكرم نفسك وكن مثل البحتري: صنت نفسي عما يدنس نفسي/ وترفّعْتُ عن كل رجس وهلسِ (صدْر البيت للبحتري وعجزه لي، بل أعترف بأنني أسطو على نتاج قرائح الشعراء الذين لا يستطيعون رفع دعاوى ضدي بموجب قوانين الملكية الفكرية).
الخطوة الأولى لصون النفس، تكون بالابتعاد عن التلفزيون في رمضان وفي غير رمضان (أستعيد هنا طلب الراقصة اللولبية فيفي عبده، الفائزة في العام المنصرم بجائزة الأم المثالية في
مصر الثورة، التي سألت شيخا أزهريا في ذات رمضان، ما إذا كان
الرقص الشرقي في الأندية والفنادق حراما في رمضان، ولسوء حظها كان الشيخ "رجعيا وظلاميا"، فقال لها إن الرقص في غير رمضان حرام، وكانت المفاجأة أن فيفي – اسمها الأصلي عطيات عبد الفتاح – أثبتت أنها لبيبة بالإشارة تفهم، فأفحمت الشيخ الأزهري بقولها، إن 13 طبالا وزمارا يعملون معها، وأنها لو توقفت عن الرقص في رمضان سـ"تقطع عيشتهم وكدا يبقى حرام").
(وأفتح قوسا آخر لأحدثكم عن السيدة أماني كاسبر التي منحها أحد أكبر أندية بورسعيد في مصر لقب الأم المثالية قبل بضعة أسابيع، وكاسبر هذه – واسأل عنها محرك البحث غوغل – تعمل أيضا ..... عليك نور.. راقصة، واستضافتها قناة تلفزيونية وهي ترتدي العلم الأمريكي.. قلنا "ماشي"، فرِضا أمريكا بمثابة رضا الوالدين في ما يسمى بالعالم العربي، ولكن هذه الماما المثالية، التي رقصت في الشارع بعد فوزها باللقب، لديها ابن شارك حارس بناية في اغتصاب وقتل طفلة اسمها زينة! بالمصري: ودي تيجي إزاي؟ هل يعقل أن يكون مجرم بلا قلب ولا خلق تربية "أم مثالية"؟).
سامحوني لأن أول مقال لي في الشهر الفضيل، خاض في أمر أناس، الذي بينهم والفضيلة كالذي بين طالبان والأمريكان، فاعذروني لأنه ما إن تمر بخاطري أو عيني أو أذني عبارة "الرقص الشرقي" إلا وركبتني العفاريت، لأنه في تقديري ليس فنا ولا رقصا بل بانتومايم (وترجمته غير الدقيقة جدا "التمثيل الصامت")، كله إيحاءات جنسية! أي إيحاءات هدانا الله وإياك، بل جنس صريح، ولو كنا نعتبره فنا لما أسميناه بـ"الشرقي"، بل لنسبناه إلى انفسنا وقلنا "الرقص العربي"، فالشرق يشمل اليابان والشيشان وكمبوديا وأفغانستان، وشعوبها من هذا اللون من الرقص براء.
لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، فقد شرعت في الكتابة كي أحذركم من الرجس والهلس، وهأنذا أخوض فيهما. غفرانك يا رب.
المهم ابتعد عن التلفزيون قدر المستطاع -خلال رمضان على الأقل- لأنه موسم يبرطع فيه أشخاص عارون من أي موهبة بذريعة تقديم مواد ترفيهية، وكأنما قنواتنا التلفزيونية -اسم الله عليها- في منتهى الوقار والرصانة في بقية الشهور، وتخرج عن وقارها في رمضان (وهذه جاهلية القرن الحادي والعشرين، في رأي "جعفر قطب")، فتأتينا بحسناوات الترك والمكسيك والطاجيك والكرد والشباب المرد، وتكون النتيجة عاما تلو عام، اتهام الرجل الشرقي بأنه لا يعرف الرومانسية، مع أنه لا يعيب شخصا عربيا كان أم كمبوديا، أن يكون جاهلا بأصول الرومانسية، طالما أنه لم يعش في "روما" ولم يفز بالتالي بقلب "رومانية"، ليصبح ملما بأصول الصنعة، وحتى لو كان أصل الكلمة فرنسيا، فالعربي ليس ملزما بمجاراة الفرنسيين في العلاقات العاطفية والزوجية.
وفيم يهمك وأنت تجلس أمام شاشة التلفزيون أن تطل عليك ليلى علوي بكراديسها، لتعلن أنها تحب الملوخية، وأن تبلغك إلهام شاهين أنها "تصلي الصبح حاضر"، وكأنها بذلك أتت ما لم يستطعه الأوائل؟ أو غيرهما من أهل التمثيل والمغنى ليقولوا إنهم يختمون المصحف في رمضان، دون أن يكون لك حق الصياح في وجوههم "ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم".
ولو مد الله في أيامي فسأحاول إقناعكم بأنه بإمكانكم الاستغناء عن التلفزيون، حتى لو كان خاليا من الهلس والرجس.