ملفات وتقارير

تسريب "مكملين" يستعيد جدل مواقف الإمارات ومحورها مع السيسي

تعد الإمارات أهم الداعمين للانقلاب في مصر - أرشيفية
بعد أربعة عقود من العزوف عن ممارسة أي دور إقليمي مؤثر، يبدو أن النموذج القطري استهوى حكام الإمارات الشباب الذين باتوا يطمحون إلى لعب دور أكبر في الشرق الأوسط، وفق مراقبين.

وخلال السنوات الخمس الأخيرة، تعاظم الدور الإماراتي بشكل ملحوظ، لتُظهر الإمارات وجها سياسيا مختلفا عن الوجه الاقتصادي التقليدي الذي عُرفت به منذ تأسيسها في سبعينيات القرن العشرين، حيث أخذت على عاتقها تحقيق هدفين أساسيين؛ الأول إفشال ثورات الربيع العربي، والثاني إقصاء قوى الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، مستخدمة في ذلك المال والمؤامرات السياسية، وحتى التدخل العسكري حين يلزم الأمر.

وبثت فضائية "مكملين"، مساء الخميس، تسريبا جديدا يكشف اتصالات بين عباس كامل، مدير مكتب قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، ونائب رئيس أركان القوات المسلحة الإماراتية اللواء عيسى بن عبلان المزروعي، هدفها ترتيب نقل أسلحة إلى "كتيبة القعقاع" الموالية للواء خليفة حفتر في ليبيا.

وأظهر التسريب أن نقل الأسلحة يتم عبر نظام السيسي، مقابل تلقي عمولات من الإماراتيين، كما كشف دور الإمارات وقادة الانقلاب في مصر في دعم حفتر في مواجهة الثوار الإسلاميين في ليبيا.
 
الإخوان "كلمة السر"

ويرى مراقبون تحدثت إليهم "عربي21"، وتحفظوا على ذكر أسمائهم بسبب أجواء القمع السائدة في مصر، أن العداء للإخوان أصبح منذ انطلاق الربيع العربي، وربما قبل ذلك هو المحدد الأساسي للسياسة الخارجية الإماراتية، حيث خشيت أسرة زايد آل نهيان الحاكمة من تزايد نفوذ الجماعة في المنطقة، الذي سيؤدي بالتبعية -حسبما يعتقدون- إلى تهديد سيطرتهم المطلقة على السلطة.

وصارت مواقف الإمارات قوية وواضحة للغاية في السنوات الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بإقصاء جماعة الإخوان المسلمين، التي تم إعلانها ومؤسسات كثيرة قريبة منها جماعة إرهابية، وحُظرت كل أنشطتها.

وبحسب كاتب مصري متخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، تحدث لـ"عربي21"، فإن عداء الإمارات لم يعد مقتصرا على الإخوان، بل شمل جميع قوى ومؤسسات ما يسمى الإسلام السياسي، مع ميل واضح لتبني تجمعات صوفية.

وبلغ العداء الإماراتي للإخوان حدا كبيرا، حتى أن أبو ظبي تعاونت مع إسرائيل لضرب حركة حماس، إبان الحرب الأخيرة على غزة، كما أكد وزير الخارجية  الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان.
 
دعم لا محدود لانقلاب مصر

وتعد الإمارات أهم الداعمين للانقلاب في مصر، حيث واصلت تقديم المساعدة المالية والسياسية والعسكرية للسيسي، حتى أصبحت مصر أكبر متلقٍ للأموال من الإمارات، وأظهر تقرير حكومي إماراتي أن القاهرة حصلت على 4.6 مليار دولار في عام 2013 فقط، ونحو عشرة مليارات دولار منذ الإطاحة بحكم الرئيس محمد مرسي.

ولم تنقطع زيارات الشخصيات السياسية والدينية المصرية الداعمة للانقلاب إلى أبوظبي، لتنسيق المواقف في كل المجالات تقريبا.

وخلال العامين الماضيين، لم يتوقف التنسيق العسكري بين مصر والإمارات يوما واحد، كما أجرى البلدان -خلال 2014 فقط- ثلاث مناورات حربية مشتركة، فضلا عن التعاون الأمني والاستخباراتي المتواصل.

وبلغ التعاون العسكري ذروته بتنسيق شن غارات جوية مشتركة ضد أهداف لتنظيم الدولة في ليبيا منذ عدة أشهر، كما توسطت الإمارات لإتمام صفقة شراء مصر طائرات رافال الفرنسية، وتعهدت بدفع جزء كبير من قيمتها، ويرى مراقبون الهدف منها أن يستخدمها السيسي فيما بعد في عمل عسكري موسع ضد ليبيا.
 
استنساخ النموذج المصري في تونس
 
وكشف تقارير صحفية تونسية أن الإمارات عرضت توفير دعم مالي هائل لتونس، شريطة استنساخ النموذج المصري في ذلك البلد الذي انطلقت منه أولى ثورات الربيع العربي.

وقال الصحفي التونسي، سفيان بن فرحات، إن الرئيس الباجي قائد السبسي، رفض المعونات الإماراتية المشروطة بإقصاء الإسلاميين من المشهد السياسي، وشن حملة قمعية ضدهم، كما فعل السيسي مع إخوان مصر.

وأكدت وسائل إعلام تونسية أن السبسي رفض هذه الشروط مخافة اندلاع حرب أهلية في تونس، خاصة بعد أن قبل حزب "النهضة" بنتائج الانتخابات التي أتت به إلى الحكم.
 
في اليمن.. اللعب من خلف ظهر السعودية
 
وبينما تشارك الإمارات في الحرب السعودية على اليمن، إلا أن ذلك لم يمنعها من اللعب من وراء ظهر الرياض، وهو ما أثار قلق حكام المملكة الجدد، بحسب متابعين.

ومن بين تلك المواقف، إجهاض أبو ظبي لمقترح سعودي بتنصيب اللواء "علي محسن الأحمر" رئيسا لأركان الجيش اليمني، بحجة أنه مقرب من حزب التجمع اليمني للإصلاح المحسوب على الإخوان المسلمين، حيث أجرت الإمارات اتصالات مكثفة مع الولايات المتحدة وحرضتها على رفض تصعيد الأحمر.

وتشوب العلاقات السعودية الإماراتية حالة من التوتر المكتوم، كما يلمس كثيرون بسبب ما تعتبره أبو ظبي ميلا سعوديا متزايدا لدعم إخوان اليمن لمواجهة الحوثيين، في مقابل قلق الرياض من الدعم الإماراتي للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح ونجله أحمد، الذي يعمل سفيرا لليمن في الإمارات، والذي رشحته أبو ظبي لرئاسة اليمن، كما دعمته ليقوم بتمهيد الأرض للحوثيين للسيطرة على البلاد بمعاونة قوات موالية لوالده بهدف التخلص من إخوان اليمن.

ويبدو أن الضيق السعودي قد وصل أبو ظبي، فكان رد وزير الخارجية عبد الله بن زايد على تغريدات لمدير شرطة دبي السابق، ضاحي خلفان، تمتدح الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح.
 
دور فاعل في ليبيا

ولعبت الإمارات دورا محوريا في إفشال الثورة الليبية، بهدف إقصاء الإسلاميين الذين علا نجمهم بعد الإطاحة بالقذافي، حيث أعادت تمكين رموز نظام القذافي مرة أخرى، وعلى رأسهم اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي قاد محاولة انقلاب فاشلة ضد حكومة طرابلس.

وأكد مصدر عسكري في عملية فجر ليبيا، لـ"عربي21" أن غرفة عمليات حفتر في المنطقة الغربية بالزنتان يديرها ضباط إماراتيون بشكل مباشر.

ويظهر التناغم المصري الإماراتي جليا في الملف الليبي، حيث شنت الإمارات في آب/ أغسطس الماضي ضربات جوية سرية على المليشيات الإسلامية في ليبيا بدعم مصري، وفي آذار/ مارس الماضي، أكد تقرير للأمم المتحدة أن الإمارات ومصر تخرقان حظر تصدير السلاح إلى ليبيا المفروض منذ الإطاحة بالقذافي قبل ثلاث سنوات، عبر تهريب سلاح إلى حكومة طبرق.

ولم يخف اللواء حفتر ارتهانه للقرار المصري والدعم الإماراتي، حتى لو أمراه بإلقاء السلاح، وبعد أن زار حفتر أبو ظبي الشهر الماضي لزيادة الدعم المالي والعسكري الإماراتي، استضافت مصر منذ أسبوعين اجتماعا للقبائل الليبية المؤيدة لحفتر، بهدف تنسيق الدعم له.
 
عبث في سوريا وتآمر على عمان

وفي الملف السوري، لم تكن الأصابع الإماراتية غائبة أيضا، حيث كانت أبو ظبي من أوائل الداعمين للمعارضة السورية للإطاحة بنظام بشار الأسد، لكن الدعم الإماراتي اقتصر على الفصائل العلمانية أو مثل الجيش الحر، في حين يتهمها معارضون سوريون في جلساتهم الخاصة بالتواصل مع نظام الأسد.

ولم تتوقف الدوائر الإماراتية عند هذا الحد، بل امتدت إلى جارتها "سلطنة عمان" التي اتهمت ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد بتدبير انقلاب فاشل عام 2011، للإطاحة بالسلطان قابوس بن سعيد، وفق متابعين للشأن الإماراتي.

وبعدها بثلاثة أعوام، عادت مسقط لتتهم أبو ظبي بإثارة القلاقل في السلطنة، خاصة في المحافظات الحدودية، مستغلة غياب السلطان قابوس الذي كان يتلقى العلاج في الخارج.

والسؤال الذي يطرحه مراقبون يتعلق بآفاق هذه السياسة الخارجية التي تتبناها أبو ظبي تحديدا، في ظل ميل حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد للنأي بنفسه عنها. وهل ستواصل هذه المسيرة المكلفة اقتصاديا وسياسيا على صعيد استعداء الشعوب العربية؟ أم ستميل إلى تغييرها بعد تراجع مد الربيع العربي والضربات التي نالت جماعة الإخوان في مناطق عديدة، أهمها مصر؟ لكن أكثر المراقبين لا يرون مؤشرات تذكر على ميل لتغيير تلك السياسة.