مقالات مختارة

بيرزيت.. بير الحكايا

1300x600
في بلدة بيرزيت، قرب رام الله، بيوت قديمة. أحدها ناد للعلوم، يدخله الطفل ليتفرج على تجارب مسلية في الفيزياء، وتركيب "الروبوت"، وليشاهد مجسمات الجنين في بطن أمّه، وغير ذلك. ويخبرونه عن باب بئر؛ تراه وسط المنزل. ويقال إن هذه بئر زيت حقيقية، كان أهل البيت يخزنون محصولهم من الزيت فيها.

والبيت قريب من جمعيّة الروزنا. وقد يسعفك الحظ فتمر أثناء تدريب الفرقة الغنائية والدبكة، فتهيم بالمكان أكثر. والبيت ملاصق لمطعم صغير اسمه "جمهورية الفلافل"، يؤمّه الطلبة. كما أن البيت قريبٌ من الحرم الجامعي القديم، المهجور الآن تقريباً، سوى من معهد موسيقى ومدرسة سيرك. وأخبرتني صديقة أنّها في السبعينيات كانت تمشي من جانب مخيم الجلزون، وتخترق قرية جفنا، قرية المسابح والمتنزهات والمطاعم، غير بعيد عن بيت فيصل الحسيني. وقد كانت بيرزيت مقر قيادة عبدالقادر الحسيني قبل العام 1948، وله فيها تمثال، تخترقها عندما يغلق الاحتلال الطريق الأصلية للجامعة.
ويوماً اعتقلت صديقتي في مظاهرة، فوُضعت في "البوكس" وظل الجنود يلاحقون باقي المتظاهرين، وكل ما سيطر على الصبيّة اليسارية أنّ أمها ستزلزل الأرض تحتها. ففكرت أنّ هناك فرصة أن تهرب سريعاً من السيارة، وقد يطلق عليها الجنود الرصاص، ففكرت أنّها ستكون شهيدة وأمها لن تغضب منها. فهربت، ولم يطلقوا الرصاص. كان هذا بعد سنوات قليلة من فوز مها نصّار، من الجبهة الشعبية، برئاسة مجلس طلبة الجامعة الوليدة حينها. 

هاتان فتاتان من ثمرات مدرسة بيرزيت التي أسستها نبيهة ناصر العام 1924، لتخدم بنات القرية ومحيطها، وصارت جامعة كبرى. 

هل تعرفون أنّ قائد حركة "فتح" في منطقة الوسط، توفيق البرغوثي (أبو مخلص)؛ قائد لجان الشبيبة للعمل الاجتماعي في الضفة وغزة (ما سيعرف لاحقا باسم الشبيبة)، والذي توفي منتصف التسعينيات، كان يعمل حارساً في الجامعة في الثمانينيات، وهناك "ربما" نظّم وقاد الأسير القائد، ابن الجامعة ورافع لواء الشبيبة، د. مروان البرغوثي (أبو القسّام)، والذي مرت قبل أيّام 13 عاماً في المعتقل، مع مجموع اعتقالات 20 عاماً؛ وهي جامعة شرف الطيبي، ابن غزة، أول شهداء الجامعة يوم 9/ 11/ 1984، وهو يتظاهر دعماً للمجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، والذي تبنى الشهيد خليل الوزير اسمه اسماً لعملية نضالية كبرى، فهو رمز "نقل الثورة للداخل" بعد العام 1982؛ وهي جامعة المهندس يحيى عياش، وهي جامعة الأكاديميين، والفنانين، والروائيين، والعلماء، والمختبرات، والعمل التعاوني وقطاف الزيتون والدبكة والغناء.

فازت "الكتلة الإسلامية" المقربة من "حماس"، الأربعاء الماضي، بأغلبية مقاعد مجلس طلبة الجامعة، في انتصار أشبه بزلزال فلسطيني صغير. فعندما تكون هناك انتخابات في بيرزيت، تتجند الفصائل والمؤسسات والقيادات والعائلات لضمان نتيجتها. ويمكن التنظير كثيراً بشأن معطيات فوز "الكتلة" الكبير، وخسارة "الشبيبة". لكن أبرز حكايا العام اثنتان. الأولى، تدني مستوى المناظرة التي تعقد أمام جماهير الطلبة؛ فكان ممثلا الكتلتين يتباريان في إثارة الاستياء من خطابهما وانقساميته. لكن الذي هيمن أكثر، قصة "طريفة"، عندما شاركت طالبات غير محجبات في مسيرات "حماس"
الانتخابية، فأخذت "الشبيبة" صورة إحداهن ونشرتها باعتبارها دليلاً على "نفاق" حركة حماس. وثارت الدنيا، وغضبت فتيات من "الشبيبة"، وثار جزء من مجتمع بيرزيت المنفتح التعددي. وصوّرت لينا (الفتاة) فيديو يشرح الموقف، وبدأ الجدل: هذه خطوة مؤقتة من "الكتلة" لأجل الانتخابات، أو "الشبيبة" تتخبط، أو هذا بداية تحول عند "حماس"... إلخ. 

أذكر مرة في فندق ببلد عربي، أنني مررت بطريقي للنادي الرياضي، ببركة السباحة، وكان المرتادون بملابس السباحة المعهودة. أمّا النادي الصحي نفسه، فكان مقسوماً بإحكام لمنع اختلاط الرجال بالنساء. كانت المصلحة "الرأسمالية"؛ فرواد البركة "أجانب"، وزبائن النادي مواطنون يأتون للرياضة من دون اختلاط. تساءلت: هل موقف "الفصيلين" براغماتي كذلك؛ الإسلاميون الذين اعتدنا منعهم الاختلاط بإحكام لئلا يرى الطلاب الطالبات، و"فتح" الذين حاولوا استغلال الأمر؟! 

في اليوم التالي للانتخابات، جاء شاب من "الشبيبة" لمهرجان انتصار الكتلة، غير بعيد عن لوحة تحمل أسماء قائمة شهداء الجامعة، الطويلة المؤلمة. أمسك المايكرفون، ورفع علم فلسطين، حيّا الفائزين وهنأهم. هل هي تهنئة عابرة يليها الانقسام، أمّ أن هذا أسبوع بداية التفكير والتغيير في الكتلتين ودوائرهما؟



(نقلا عن صحيفة الغد الأردنية)