يكاد يكون هناك رأي عام فلسطيني، يمكن تلمسه في تعليقات وكتابات سياسيين ومثقفين، وحتى من قبل الفصيلين المتخاصمين، "فتح" و"حماس"، أنّ المصالحة، في غزة لن تتقدم، وأن هناك الآن حاجة لتحرك من نوع آخر.
هناك
الآن ثلاثة أطراف فلسطينية أساسية، معنية بتحديد خيارات جديدة؛ هي، حركة
"فتح"، وحركة "حماس"، ثم بقية النشيطين، سياسيا، من فصائل
صغيرة، خصوصا اليسارية، ومستقلين ومثقفين.
بمتابعة
ما صدر مؤخرا من طروحات الفريق الثالث؛ من مثقفين وشخصيات، يتضح الاعتراف بانسداد
أفق الأزمة (المصالحة)، وبالتالي يدعون لإعادة بناء المؤسسة السياسية الفلسطينية،
وتحديدا منظمة التحرير، بدل الحديث عن التوافق، بين الفصائل، وهناك أكثر من منتدى
وندوة جرت وستجري قريبا، في هذا الاتجاه.
الفريق
الثاني، هو حركة "فتح" والرئاسة الفلسطينية، التي تدرس خياراتها، ويعتقد
قياديون فيها، أنّ ما يجري عمليا، باستمرار تأمين احتياجات في قطاع غزة، هو
تسهيلهم تمويل "الانقلاب"، ودعم "اختطاف" القطاع. وأن
"حماس" مدعومة من أطراف إقليمية، وضمن تصور دولي لاستيعابها، تقوم برفض
تقديم ما يجب تقديمه، وهو كل السلطة في غزة للحكومة.
الفريق
الثالث، وهو حركة "حماس": هناك استمرار لمحاولة، التنازل عن أقل قدر
ممكن من السلطة، في غزة، واستمرار معادلة "ترك الحكومة وليس الحكم"،
بمعنى السعي للاستمرار بالنفوذ على الأرض، والحديث هنا ليس عن سلاح المقاومة، بقدر
ما هو عن أمور مدنية ومالية أخرى، وأنّه لا يمكن التخلي عن "كل شيء" دون
معرفة خريطة طريق، تتضمن من بين أمور عدّة، تمويل رواتب عشرات الآلاف الذين عينتهم
الحركة، وتحديد مسار ومعالم الدخول إلى منظمة التحرير الفلسطينية.
هذه
رؤى الأطراف الثلاثة، فما هي أوراقهم وبدائلهم؟
اليسار والمستقلون المثقفون والناشطون، هم بشكل أو آخر مجرد جزء من
الرأي العام، وحتى لو تجاوزوا عتبة ردة الفعل، والتعليق، على ما يجري، لبلورة آراء
ورؤى محددة، لإعادة إطلاق منظمة التحرير، ولبلورة برنامج سياسي وطني جديد، فإنّه
لا يوجد أي آلية واضحة للتأثير بالعملية السياسية، ولا يوجد رافعة شعبية وسياسية
ومؤسساتية مستمرة لطروحاتهم.
من
ضمن أوراق "فتح" أنّ حكومة رامي الحمدالله، ما زالت تقدم، بحسب مصادرها،
ما يقترب من مائة مليون دولار، شهريا لقطاع غزة، ويمكن أن تعلن الحكومة، أو حتى
تقوم بدون إعلان، بالمزيد من تقليص هذا المبلغ، مما يفرغ المساعدات القطرية،
والتخفيف الإسرائيلي النسبي للحصار، من معناه، وبالتالي قطع الطريق، على وضع ترتاح
فيه حركة "حماس" في القطاع. "وأغلقت فتح" والرئاسة
الفلسطينية، ملف منظمة التحرير، بمعنى، رفض بحث مطالب "حماس" بشأن
المنظمة، قبل إنهاء ملف غزة. ولكن هذا السيناريو يعني استمرار حالة الانغلاق
الفلسطيني طويلا.
"حماس" ستراهن على الوساطة المصرية، مع الإسرائيليين، وعلى
مساعدات قطرية، وربما غير قطرية، وعلى تقبل دولي تدريجي لها، وعلى تعزيز صورتها،
شعبيا، باعتبارها "المقاومة الفلسطينية". فضلا عن استمرار محاولات تطوير
أطر للجاليات الفلسطينية، حول العالم، أو دعم أطر تنشأ من قبل معارضين للسياسة
الفلسطينية الرسمية، أو ممن لا يجدون مكانا للعمل، في ظل تعطل الفصائل ومؤسسات
منظمة التحرير. وهو ما سيقود لاتهامات لهذه المشاريع بتأسيس منظمة تحرير بديلة.
هناك
آلية يمكن أن تجمع الطرفين الأول والثاني، وأن تفتح بابا للثالث، أو تقطع الطريق
عليه، وهي إعادة إحياء منظمة التحرير، حقا، عبر تحديد دورها وصلاحياتها إزاء السلطة
الفلسطينية، وتفعيل مؤسساتها بعضوية، وانتخابات ومؤتمرات، ولجان، جديدة، للاتحادات
والهيئات الشعبية المكونة للمنظمة، وإدخالها المجلس الوطني الفلسطيني، ثم اللجنة
التنفيذية، وبالتالي نقل حوارات البرامج الجديدة لداخل المنظمة، ويصبح حديث إدخال
الفصائل الإسلامية للمنظمة بلا معنى، لأنّ الباب مفتوح لها عبر انتخابات تلك الأطر.
جرت
عملية إصلاح جزئية للمنظمة بدءا من المجلس الوطني في نيسان (إبريل) الفائت، وسرعان
ما تعطلت العملية، خصوصا من حيث عدم التفاهم والاحتواء للفصائل الأخرى في المنظمة،
رغم سوء أوضاع هذه الفصائل وأحوالها، وتَعثَر تطبيق غالبية قرارات المجلسين
الوطني، والمركزي.
سيناريو
إصلاح المنظمة ليس سهلا، ولكن الطريق الأفضل له، إيجاد سبيل لحفز المنظمة بقيادتها
الحالية، لتفعيل هذا التغيير، وهو ما يمكن أن يطوّر ويغير أمورا كثيرة.
عن صحيفة الغد الأردنية