نفذت القيادة الفلسطينية، قرارات بشأن وقف العمل باتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي، في حالتين على الأقل. الأولى، في موضوع العضوية في المنظمات الدولية، والثانية، في موضوع "أموال المقاصة".
الأمر الأهم، الذي يجدر أن يتوقف العالم عنده أنّ الجانب الإسرائيلي هو الذي أوقف العمل بمجمل الاتفاقيات، وأنّه يجدر ربما المطالبة بتنفيذ اتفاقيات أوسلو، بالتوازي مع المطالبة، بإلغائها، عن طريق التوصل لاتفاق جديد، و/أو فرض إنهاء الاحتلال، بآليات دولية، قد يكون منها المفاوضات، وقد لا تكون.
أعلن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في وقت متأخر من يوم الخميس، 25 تموز/ يوليو 2019، وقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع اسرائيل وتشكيل لجنة لبحث آلية التنفيذ تبدأ عملها اعتبارا من الجمعة، وهذا القرار سبق واتخذ في المجلس الوطني الفلسطيني.
ومن سياق القرار، يتضح أنّ المقصود بنود وفصول من ضمن الاتفاقيات الكلية، الموقعة في إطار اتفاقيات أوسلو، وباريس، وواي بلاتيشن، وغيرها، أي في مجالات أمنية، وتجارية واقتصادية، وسياسية ودبلوماسية، أكثر منه إعلانا رسميا بإلغاء الاتفاق السياسي.
أوقف الإسرائيليون أغلب هذه الاتفاقيات منذ ما بعد انتفاضة الأقصى، العام 2000، وفي مقدمة ما أوقفوه، منع الوجود الفلسطيني (الأفراد والعَلَم) على المعابر الحدودية، وهو وجود أقر في اتفاقيات أوسلو، وإلغاء حصانة المناطق في قلب المدن الفلسطينية، التي صنفت بأنها مناطق (أ)، فأصبحت تخترقها بشكل متكرر لتنفيذ اعتقالات أو فرض إجراءات تريدها.
والقرار الفلسطيني الأخير، جاء بعد أن وصل الخرق الإسرائيلي لهذه المناطق، مرحلة جديدة، فلم يعد الخرق خاصا باعتقالات ودخول وخروج، بل بهدم بنايات، الأصل أن ترخيصها ومسؤوليتها فلسطينية تماما بموجب الاتفاقيات الموقعة، وحتى الآن كان الفلسطينيون، يعتقدون أنّ هذه المسؤوليات من البقايا الباقية من الاتفاقيات.
ردّ الفلسطينيون على مماطلة الإسرائيليين في التوصل لاتفاق نهائي ومواصلة الاستيطان، بالعمل، منذ العام 2011، على تدويل الصراع، والذهاب للأمم المتحدة لترقية مكانة الفلسطينيين الدولية، عبر طلب العضوية في الأمم المتحدة، والعضوية في المنظمات الدولية، وفي محكمة الجنايات الدولية.
وتحدى الفلسطينيون الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، في عهد باراك أوباما، الذي اعتبر مثل هذه العضوية تدميرا للنظام الدولي، لأنّ واشنطن تعهدت للإسرائيليين، وهددت دول العالم أن تنسحب من منظمات تقبل عضوية الفلسطينيين، وبالفعل انسحبت الولايات المتحدة من منظمات مثل "يونسكو".
تحدت القيادة الفلسطينية أيضا أسلوب إدارة دونالد ترامب شرعنة الاستيطان، وشرعنة ضم القدس، وغيرها من السياسات التي كان المقصود أن تحسم المفاوضات قبل أن تبدأ، برفض الانخراط في مفاوضات وفق هذا النهج.
ثم أخذ الفلسطينيون خطوة ليست سهلة، برفض استلام عائدات الضرائب (المقاصة) احتجاجا على اقتطاعات إسرائيلية منها.
الآن هناك إقرار متزايد فلسطينيا أن العالم لا يريد أن يتدخل بفعالية، بما في ذلك محكمة الجنايات الدولية، وبالتالي هناك إحباط من الموقف الدولي (لم يكن بهذا القدر قبل عامين مثلا)، ثم هناك وضوح أنّ المدى الذي تدمر فيه إسرائيل الاتفاقيات لا يتوقف، وهدم بيوت المنطقة (أ)، وتعظيم دور الإدارة المدنية، هو تدمير ووقف أكبر للاتفاقيات من الجانب الإسرائيلي. ما يعني أن التعويل على تدويل الصراع بات يسبب إحباطا، وأن الخرق الاسرائيلي للاتفاقيات بلغ مدى جديدا.
موضوع المنظمات الدولية، وأموال المقاصة، تثبت أن الرد على الوقف الإسرائيلي للاتفاقيات ليس "حبرا على ورق" أو مجرد تنظير. ولكن هناك تفاصيل في الاتفاقيات معقدة، والمرشح البدء بوقف اتفاقيات اقتصادية وتجارية.
ومن الممكن وقف التنسيق الأمني، لكن مع عدد هائل من الأسئلة، تبدأ بعدم تزويد الإسرائيليين بسجلات المواليد، والزواج، والوفيات، بالتالي استحالة مغادرة عدد كبير من الناس من الحدود، وسيعرض الإسرائيليون (عبر الإدارة المدنية العسكرية) التعامل مع الناس مباشرة، ثم هناك آليات عمل الأمن الفلسطيني داخليا.
السؤال الأساسي، الآن، ما هي الاتفاقيات التي يجب وقفها قبل غيرها ليشعر الإسرائيليون بضرر سياساتهم. فمثلا خفض التحويلات للمستشفيات الإسرائيلية، إجراء صغير أسهم في تحقيق هذا الهدف، هناك حاجة لتحديد "بنك أهداف" فلسطينية يجري وضعها موضع التنفيذ. مع وضع خطة تعبئة شعبية شاملة، فلسطينيا ودوليا، لقطع الطريق على عمليات الالتفاف الإسرائيلي على أي قرار فلسطيني.
(عن صحيفة الغد الأردنية)
ترامب الكبير وترامب الصغير وأوروبا الحائرة بينهما