يقول المعلق إيان بلاك في صحيفة "الغارديان" البريطانية، إنه بعد عقود على الثورة الإسلامية في
إيران، ومحاولات تصديرها إلى العالم العربي، فإن قادة الحرس الثوري الجمهوري الإيراني يعتقدون بأن الثورة وصلت إلى العواصم العربية.
ويبين الكاتب أن الإيرانيين يعملون أوقاتا إضافية لتعزيز دعاية مفادها أن مبادئ الثورة الإسلامية تسيطر اليوم على أربع عواصم عربية، من بغداد ودمشق إلى بيروت وصنعاء. ومع اقتراب الموعد النهائي للمفاوضات حول الملف الإيراني، فإن قادة الحرس الثوري يحاولون استعراضها أمام المجتمع الدولي.
ويشير التقرير إلى أن الجنرال محمد علي جعفري، وهو أحد كبار قادة الحرس الثوري، قال يوم الأربعاء: "إن الثورة الإسلامية تتقدم بسرعة جيدة، ومثالها الأكبر كما هو دائما تصدير الثورة". وأضاف: "ليس فقط فلسطين ولبنان تعترفان بالدور المؤثر للجمهوريه الإسلامية، بل إن أهل
العراق وسوريا يعترفون كذلك بفضل الأمة الإيرانية".
وتوضح الصحيفة أن هذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها تصريحات عن قادة إيران السياسيين والعسكريين.. ففي الشهر الماضي قال الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، الذي يشرف على العمليات العسكرية في العراق وسوريا ضد
تنظيم الدولة، إن "القوى الإمبريالية والصهيونية اعترفت بالهزيمة على يد الجمهورية الإسلامية والمقاومة".
ويعلق بلاك بأن تقدم إيران في المنطقة يثير قلق
السعودية ودول الخليج، حيث تعد إيران منافسا استراتيجيا منذ أيام الشاه، ولكنها اليوم تسيطر على عواصم عربية قريبة من دول الخليج.
ويرى الكاتب أن وضع إيران قد تحسن بالتأكيد؛ فهي تؤدي دورا في قتال تنظيم الدولة في العراق، وحماية نظام بشار الأسد بمساعدة من حليفها حزب الله في لبنان، وفي سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء، وهي تطورات لا تريح السعوديين.
ويلفت التقرير إلى أنه في الرياض، تجاهل الملك سلمان اهتمام المملكة بالإخوان المسلمين، ويحاول بناء تكتل سني لمواجهة الإيرانيين، بحسب ما يقول دبلوماسيون، ولكن ترجمة هذا الطموح إلى استراتيجية تظل أمرا آخر.
وترى السعودية ومعها دولة الإمارات أنه مهما كانت نتائج المحادثات حول الملف
النووي، فإن إيران راغبة بمواصلة التمدد في المنطقة العربية. ويقول مسؤول في دولة خليجية: "حقق الإيرانيون انتصارات كبيرة، ولكن في الدول التي تعيش فيها أقليات شيعية". ويضيف: "نخشى من تحول الملف النووي إلى أداة في سياسة إيران الخارجية"، بحسب الصحيفة.
ويبين بلاك أن إسرائيل تشارك الخليجيين مخاوفهم من الهيمنة الإيرانية، وقد أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى ذلك، في خطابه أمام الكونغرس الأمريكي الأسبوع الماضي.
وتنقل الصحيفة عن مراقب للشأن السعودي قوله: "سيعبر السعوديون عن قلقهم الكبير من أننا وصلنا إلى نقطة تحول فيها الإيرانيون للاعبين، بسبب الموضوع النووي والطريقة التي انتهى فيها الأمريكيون للوقوف في الصف الإيراني لمحاربة تنظيم الدولة في العراق". ويضيف أن الأصوات العالية التي يطلقونها لا تعكس قدرتهم على فعل شيء.
ويقول الكاتب إن الحكومات العربية لم تأخذ تطمينات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على محمل الجد. فقد حمل كيري إلى العواصم العربية، خاصة الرياض، فكرة أن واشنطن تسعى إلى تحقيق "صفقة كبيرة" مع طهران. وكان الموقف السعودي ظاهرا أثناء اجتماع زير الخارجية السعودي سعود الفيصل مع كيري، حيث أشار إلى طموحات الهيمنة الإيرانية، ودور الحرس الثوري الإيراني في العراق. وعلق الفيصل بأن إيران "تحتل العراق". ولا ترى العواصم الخليجية أهمية للرئيس الإصلاحي حسن روحاني، الذي لا يملك سلطة كتلك التي يملكها المتشددون ومرشد الثورة الإسلامية آية الله على خامنئي.
ويضيف بلاك أنه من الصعب التفريق بين الحقيقة والدعاية، لكن محللين مستقلين يرون أن إيران تحاول تضخيم مغامراتها الخارجية لإقناع الرأي العام المحلي الإيراني.
وينقل التقرير عن الباحث في جامعة سانت أندروز علي أنصاري، قوله: "لو استمعت إلى سليماني لوجدت قدرا من المبالغة في كلامه". وما يقوله هو خطاب تطميني للإيرانيين مفاده "نحن أقوياء والجميع يخاف منا"، في محاولة لإخبار الإيرانيين أن حكومتهم لا تتعرض إلى الضغوط. ويرى أنصاري أن الناس في الخارج يمكنهم رؤية مناطق قوة وضعف إيران، ولكن القيادة الإيرانية تعتقد بأنه يجب التفاوض من مركز قوة وإلا فستخسر.
ويلاحظ حسين روسام، المتابع للشأن الإيراني، أجندة محلية في بيانات الحرس الثوري الإيراني، ويقول للصحيفة: "إن نقاد روحاني ضمن سياسة التقارب التي يتبعها مع المجتمع الدولي، يمكنهم الطلب من المرشد الأعلى التخلي عن النبرة اللينة؛ لأن بأيدينا ورقة مساومة مهمة، وهي أن إيران هي القوة المهيمنة في المنطقة التي تستطيع قتال تنظيم الدولة، ما يعني أن الغرب بحاجة لنا".
وتعرض الصحيفة لقراءة الخبير الإسرائيلي في الشأن الإيراني مائير ليتفاك، الذي يرى أن في حديث الإيرانيين جزءا من الحقيقة والتفاخر، ويقول: "يعتقد الإيرانيون أنهم حموا الأسد من الانهيار الكامل، وهناك حالة من الانسداد في سوريا". ويضيف: "هذا يعني أنهم كانوا قادرين على حماية الرابطة مع حزب الله، وربما فتح جبهة أخرى قرب مرتفعات الجولان. وفي الوقت الذي كان فيه تمرد الحوثيين شأنا يمنيا داخليا، فإن إيران رأت فيه فرصة، وأصبحت عاملا إضافيا فيه، مع أنها ليست ناشطة، وكونها أثارت خوف السعوديين فهذا عامل إضافي آخر".
ويذكر الكاتب أن دبلوماسيين عربا يتوقعون حضورا لقوات الحرس الثوري الإيراني، ومقاتلي حزب الله في اليمن قريبا، بعد الاتفاق الذي وقعه الحوثيون مع طهران.
ويعتقد بلاك بأن دور إيران في البحرين، الذي يعاني من اضطرابات، يقوم على تحقيق نقاط دعائية أكثر من إنجازات على الأرض.
ويخلص الكاتب إلى أنه رغم ما حققته إيران في سوريا والعراق، فإنها خسرت في الوقت ذاته، فقد قتل عدد من قادة الحرس الثوري البارزين، كما أن إيران لا تزال تعيش تحت وطأة العقوبات، وتراجع أسعار
النفط، التي ترى فيها طهران محاولة من السعودية لمنع طهران من دعم النظام السوري. ويرى المحلل إيميل هوكاييم أن أهم إنجاز لإيران هو قدرتها وخبرتها وصبرها في سوريا وما بعدها.