كتب ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، والمدير السابق للسياسة والتخطيط في الولايات المتحدة، مقالا في موقع "بروجيكت سنديكيت"، حول الفوضى التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، وخاصة بعد ظهور
تنظيم الدولة، ووسائل التعامل مع الأزمة.
ويبدأ الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن المؤرخين سيقفون يوما ما عند هذه الحقبة، وسيناقشون أسباب الفوضى التي تعم الشرق الأوسط، وسيسألون: إلى أي مدى كانت هذه الفوضى نتيجة للعيوب الموجودة في المجتمعات والنظم السياسية المحلية؟ وإلى أي مدى كان السبب هو ما اختارت الدول الأجنبية أن تفعله أو ما "لا تفعله"؟
ويستدرك هاس بأن "علينا نحن أن نتعامل مع الواقع والنتائج المترتبة على الفوضى التي تسود المنطقة، وبغض النظر عن الكيفية التي وصلنا بها إلى هذا الحال في الشرق الأوسط، فنحن في الواقع نعيش هذا الحال، وهو حال سيئ جدا".
ويجد الكاتب أن الثمن باهظ من ناحية إنسانية واقتصادية واستراتيجية؛ فقد خسر مئات الآلاف حياتهم، وأصبح الملايين دون مأوى. وانخفضت أسعار النفط، ولكنها لن تبقى كذلك إن عانت
السعودية من هجمات إرهابية أو عدم استقرار.
ويشير الكاتب إلى أن التهديد للمنطقة كبير، ويتنامى ويهدد الناس في كل مكان بعودة المتطرفين إلى ديارهم، وتشجع أولئك الذي لم يغادروا على القيام بأعمال بشعة. ومع أن الشرق الأوسط يواجه الكثير من التحديات لاستقراره، إلا أنه ليس هناك أكبر ولا أخطر من تنظيم الدولة.
ويرى هاس أن أولئك الذين يرفضون تسمية التنظيم بـ "الدولة الإسلامية" محقون، فهو خليط من "حركة وشبكة ومنظمة"، وليست له حدود جغرافية، ولكنه يسيطر على أراض، ولديه حوالي 20 ألف مقاتل، ويقوم على عقيدة دينية، ولديه أجندة.
ويقول الكاتب إن قرار تسميته "داعش" أو "الدولة الإسلامية" أقل أهمية من قرار كيفية التصدي له، وأي استراتيجية يجب أن تكون واقعية، فالقضاء على التنظيم ليس ممكنا، ولكن إضعافه ممكن.
ويبين هاس أهمية وجود استراتيجية شاملة للتصدي لتنظيم الدولة، فأولا يجب الحد من تدفق الأموال إلى التنظيم، وانخفاض أسعار النفط يساعد في ذلك، وهناك عدد محدود من البنوك يمكن سرقتها، ولكن الابتزاز يستمر كما يستمر الدعم المالي من أشخاص. ويجب أن تتم معالجة هذه المسألة من الحكومات والمؤسسات المالية.
ويوضح الكاتب أن "الحد من تدفق المتطوعين ضروري بشكل ملح، وتستطيع البلدان أن تفعل الكثير لتجعل السفر إلى
العراق وسوريا صعبا على الأفراد؛ فوجود قائمة رقابة على مستوى أوروبا مثلا قد يساعد، ولكن لن يكون هناك أثر أكبر من أن تقرر تركيا بألا تسمح لأراضيها أن تبقى معبرا، وأن تطبق قرار مجلس الأمن رقم 2178، الذي يدعو لتعاون دولي أكبر ضد الإرهاب.
ويضيف عنصرا للاستراتيجية، وهو محاربة دعاية التنظيم وجاذبيته، عن طريق إشهار المعاناة التي يتسبب بها التنظيم لمن يعيشون تحت حكمه، وإقناع القيادات الدينية الإسلامية برفع أصواتها ضد تصرفات التنظيم، وبيان أن ما يقوم به معارض للإسلام.
ويؤكد الكاتب أهمية أن تتضمن الاستراتيجية تحدي التنظيم في
سوريا والعراق، فهناك مؤشرات على أنه تم إيقاف زخم التنظيم في العراق، ولكن الدور المتنامي للميليشيات الشيعية وإيران هناك يعني تضامن بعض
السنة مع التنظيم، بل وتأييده، مهما كانت مآخذهم عليه. ولذلك يجب على الدول الخارجية تقديم الدعم للقوات الكردية والعشائر السنية لمواجهة التنظيم.
ويذكر هاس أن الوضع في سوريا أصعب، بسبب الحرب الأهلية والتدخلات الخارجية، ويرى أن "الغارات الجوية على تنظيم الدولة وإن كانت ضرورية، إلا أنها ليست كافية، ولأن التنظيم مبني على السيطرة على الأرض، فلا بد من عمليات برية؛ لأنه في المحصلة لا يمكن استرداد الأراضي وحفظها دون استخدام
قوات برية".
ويلفت الكاتب إلى أن الطريقة لتحقيق ذلك هي بتجهيز قوة متعددة الجنسيات من البلدان المجاورة، وتحديدا من الأردن، ويمكن لأمريكا وبلدان حلف شمال الأطلسي الأخرى تقديم المساعدة اللازمة، ولكن الحرب يجب أن يقوم بها سنة آخرون. فما يحصل في المنطقة هو صراع داخل الحضارة ذاتها.
ويوضح هاس أن "علينا ألا نسمح للتنظيم بأن يظهر بأن الصراع هو صراع حضارات، وأنه هو المدافع عن الإسلام، لأن ذلك سيكون خطأ استراتيجيا فادحا".
ويقترح الكاتب أن تكون قوات المعارضة السورية المعتدلة والأكراد المحليون جزءا من هذه القوة السنية متعددة الجنسيات، ولكن وضعهم لا يسمح لهم بأن يدعموا تلك القوة، وإن لم يكن بالإمكان تشكيل مثل هذه القوة فيجب تكثيف الغارات الجوية على التنظيم في محاولة لشراء الوقت، وإبطاء التنظيم حتى نتوصل إلى استراتيجية بديلة.
ويفيد هاس بأنه لا يمكن للدبلوماسية أن تؤدي دورا كبيرا في هذا الوقت، ولا يمكن فرض حلول مع وجود خلافات بين الدول الخارجية التي لها اهتمام بسوريا، وما يمكن للدبلوماسية فعله هو محاولة تخفيف أو إنهاء القتال بين الحكومة السورية والشعب، مثل ما تحاول الأمم المتحدة فعله في حلب.
ويحذر الكاتب من أن يشهد عام 2015 تمددا للأزمة الإقليمية، وتصل إلى السعودية والأردن. ويجد أنه من الضروري جدا تقديم الدعم الاستخباراتي لكلا البلدين، بالإضافة لدعم الأردن حتى يتحمل الأعباء الضخمة جراء الأعداد الكبيرة من اللاجئين.