كتب
توفيق رباحي: هناك عدة أسباب تدعو كل عاقل للتطلع إلى نجاح ما بعد
الانتخابات النيابية في
تونس، واستعجال الانتخابات الرئاسية المقررة في أواخر الشهر المقبل.
كانت تونس منذ البداية في 2011 نموذجا منفرداً تُعلق عليه الآمال وتُستلهَم منه التجارب الإيجابية. وحافظت على هذا الاستثناء حتى تحوّلت، على الرغم من الكثير من العثرات والمخاوف، إلى النقطة المضيئة الوحيدة وسط ظلام دامس مخيف يلف ما حولها.
صحيح أن الأنظار اتجهت منذ البداية إلى الانتخابات الرئاسية من منطلق الثقافة السياسية العربية التي لا تنظر إلا لرأس السلطة حتى لو كان غير ذي جدوى. إلا أن الرهان الحقيقي والأهم في تونس هو على ما أفرزته الانتخابات النيابية لأنها معيار لكثير من الفهم، دون إهمال الانتخابات الرئاسية من حيث الرمزية والواقع.
بدايةً، الانتخابات النيابية، وما بعدها، هي التي تحدد الوزن السياسي لكل الحاضرين في الحقل السياسي في البلاد باعتبارها «انتخابات العقل» إذا افترضنا أن انتخابات المجلس التأسيسي الماضية كانت «انتخابات العاطفة» بحكم قربها الزمني من الثورة على نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
لقد عاشت تونس الكثير من المزايدات السياسية والأيديولوجية طيلة السنوات الثلاث الماضية، فكان لا بد من انتخابات تعيد كلاًّ إلى حجمه الحقيقي.
نتائج انتخابات الأحد الماضي هي الأقرب إلى التعبير عن الخارطة السياسية في تونس وعن أهم توازناتها. من أجل مصلحة تونس واستقرارها وديمومة استثنائها، يجب أن يقر الجميع، إسلاميين كانوا أم علمانيين، يمينيين أو يساريين، بما أفرزته الصناديق من أصوات جرى التعبير عنها في هدوء وبعيداً عن أي تزوير أو تلاعب مكشوف.
انتخابات الأحد ستحدد اتجاهات الحكم والتشريع في السنوات الخمس المقبلة. وستحدد المسؤوليات في وضع دائم بديل عن مؤقت مستمر منذ أربع سنوات.
تَراجعُ حزب النهضة خطوة مفيدة للنهضة قبل غيرها. من جهة سيمنح الإسلاميين فرصة إعادة ترتيب بيتهم وتجنب ضغوط أخرى داخلية وأقليمية وحتى دولية تحصي خطواتهم الصغيرة والكبيرة. ومن جهة أخرى سيسمح ذلك للآخرين، حتى لو كانوا من بقايا نظام بن علي، بتذوق مسؤولية الحكم في ظروف تختلف في صعوبتها عن التي خبروها قبل الثورة.
بعيداً عن الداخل التونسي وتجاذباته، هناك ما لا يقل أهمية: انتخابات الأحد ستمثل المؤشر على حال المنطقة المحيطة بتونس، وستكون لها تداعياتها الأكيدة على هذه المنطقة.
يجب الإقرار بأن نجاح الانتخابات في تونس، بغض النظر عن النتائج وعن الفائزين والمنهزمين، سيكون خبراً مفرحا للمنطقة ككل ولتطلعاتها، والعكس صحيح. ذلك أن النجاح يعني خطوة جديدة تُبعد تونس مسافة أخرى عن فوضى واضطرابات لا أحد يريدها. ومن وراء تونس منطقة بأكملها يناهز تعداد سكانها المئتي مليون وتعصف بها الكثير من الأزمات والتناقضات.
كما سيعني فشل تونس، لو تقدّر لها، خطوة أخرى تقرّب الجميع من الهاوية.
من هذا الجانب تبدو الجزائر الأقرب إلى الواجهة التونسية. الجزائر والجزائريون في حاجة لنجاح انتخابات تونس، ليس كمجرد تصويت فقط بل كعملية سياسية مكتملة، بقدر حاجة تونس والتونسيين للنجاح ذاته. الجزائر محاصَرة بالنيران شرقا وجنوبا، وعلى قطيعة مع المغرب فلن يبقى لها غير تونس آمنة مستقرة تمد استقرارها عبر الحدود في اتجاه الجزائر، وتحول دون نشوء أرضية خصبة لأي نشاط إرهابي أو ميليشياوي في المساحات الحدودية بتضاريسها الوعرة وتشابكها الجغرافي والاجتماعي.
أن تسير الأمور في تونس بعد الانتخابات على ما يرام يعني للجزائريين توفير مجهود عسكري كبير وأموال طائلة وتحرر من ضغوط أمنية كبرى. وتعني لهم أيضا متنفسا سياحيا واقتصاديا.
ومن المفروض أن يكون الليبيون أسعد الناس لنجاح انتخابات تونس، لأكثر من سبب. النجاح يمكن أن يلهم الليبيين بعض الدروس تفيد في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بلادهم المهددة بالزوال من الخارطة. في أبسط الأحوال، سيؤخر نجاح الانتخابات التونسية، بما يعنيه ويرمز له من استقرار، انزلاق ليبيا نحو أسوأ مما هي فيه. وهذا في حد ذاته مكسب يجب الابتهاج به.
تونس آمنة ومستقرة سياسيا ومتحررة من الأخطار الأمنية معناها، عند الليبيين، غلق أحد مصادر النيران.
أبعد من ذلك، ستكون تونس مستقرة بمثابة رافد سيكولوجي لليبيين إذا ما ساءت الأحوال في بلادهم أكثر. على الأقل سيجدون فيها مساحة جغرافية واجتماعية مستقرة ينزحون إليها وتستطيع إيواءهم ولو إلى حين.
أما مصر فيبدو «الدرس» التونسي موجها إليها أكثر من غيرها. ذلك أن التجربة المصرية هي نقيض التجربة التونسية على طول الخط رغم تشابه البدايات.
أطراف الصراع في مصر، بسلطتها وإسلامييها، حكما ومعارضة، مطالـَبة بالوقوف مليا عند التجربة التونسية والتعلم منها.
لقد عاشت المنطقة العربية وتعيش كثيرا من الشرور والمآسي حتى أوشك الآخرون على الإيمان بأنها خلت من العقلاء. ومع انتخابات تونس حقَّ لهذه المنطقة المأزومة أن تثبت العكس شريطة ان يرضى التونسيون بالنتائج، ويمضوا ببلادهم إلى أبعد من انتخابات الأحد التي يجب أن تؤخذ كوسيلة لا غاية سياسية.
(القدس العربي)