كتاب عربي 21

بعد التطورات العراقية والفلسطينية: وحدة الموقف الإسلامي تمهد لحوار استراتيجي

1300x600
تسارعت التطورات في العراق وفلسطين المحتلة خلال الأيام القليلة الماضية ، فإعلان الخلافة الإسلامية من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش) دفع معظم القوى والهيئات والحركات الإسلامية على اختلاف انتماءاتها الفكرية والمذهبية ( وباستثناء بعض المجموعات السلفية الجهادية) إلى التأكيد على رفض الإعلان عن الخلافة من قبل داعش واعتباره غير شرعي ولا يستند إلى أي أسس واقعية أو شرعية أو عملية وانه يسيء لمفهوم الخلافة الإسلامية ودور القوى الإسلامية في المنطقة.

أما على الصعيد الفلسطيني و في ظل تصاعد العدوان الصهيوني على قطاع غزة وسقوط عشرات الشهداء والجرحى، فان معظم القوى والحركات الإسلامية والوطنية والقومية أعلنت وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني ودعت لدعم المقاومة ومواجهة العدوان الجديد.

إذن نحن أمام مواقف إسلامية جديدة وشبه موحدة حول هذه الأحداث ، ومع أن القوى الإسلامية والقومية لا تزال مختلفة حول ملفات أخرى ولا سيما ما يجري في سوريا والعراق ودول أخرى ، فان توحد المواقف حول قضايا أخرى يؤكد أن هناك إمكانية للتعاون حول قضايا وملفات معينة حتى لو كانت هناك خلافات في قضايا معينة ، وهذه القاعدة هي المعتمدة في العلاقات الدولية والسياسية على الصعيد العالمي، فالعديد من الدول تختلف فيما بينها حول بعض القضايا لكن ذلك لا يؤدي بها إلى قطع العلاقات أو عدم الحوار المباشر إلا في حالات محدودة يتم قطع العلاقات الدبلوماسية أو وقف الحوار ، بل انه حتى أثناء الحروب بين الدول نجد أن المفاوضات تعقد للتوصل إلى حلول أو وقف الحرب.

وعلى ضوء هذه القاعدة وفي ظل التطورات المتسارعة في العراق وفلسطين اصبح لزاما على القوى والحركات الإسلامية والقومية واليسارية إعادة النظر بمواقفها وكيفية مقاربة التطورات الجارية والبحث عن نقاط التلاقي وكيفية العمل لمواجهة المخاطر المستجدة، وقد شهدت العاصمة اللبنانية (بيروت) خلال الأسبوعين الماضيين لقاءات معلنة وغير معلنة بين مجموعات إسلامية متنوعة وكان هناك حوارا معمقا حول كل التطورات، كما شهدت بيروت انعقاد المؤتمر القومي العربي بحضور حشد متنوع من الشخصيات القومية والإسلامية وتم إطلاق وثيقة ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار وشارك في مؤتمر الإطلاق أحزاب وحركات إسلامية وقومية ويسارية وجمعيات إسلامية متنوعة، وقد دعت رئاسة الشؤون الدينية التركية إلى عقد مؤتمر لعلماء المسلمين بين 17 و19 تموز (يوليو) الجاري بهدف إصدار وثيقة من العلماء لدعم الحوار ورفض العنف ومواجهة التطرف وسيشارك في المؤتمر عشرات العلماء من مختلف الدول العربية والإسلامية.

كل ذلك يؤكد أن منطق الحوار والتواصل يتقدم على منطق القطيعة والاختلاف ، وفلسطين كانت دائما تجمع الأمة وتوحدها في مختلف الظروف ، فكيف إذا أضيفت عليها تطورات خطيرة في دول المنطقة تنذر بمخاطر كبرى وأشد خطورة مما حصل بعد سقوط الخلافة العثمانية وقيام الكيان الصهيوني في النصف الأول من القرن الماضي.

ويجب أن يكون الحوار صريحا وشفافا وعميقا وبعيد عن الحسابات والمصالح الضيقة ، كما يجب الاعتراف بالأخطاء التي حصلت منذ الاحتلال الأميركي للعراق وبعد الثورات العربية الشعبية ولا سيما في ظل ما يجري في سوريا ومصر، وعلى ضوء ذلك يجب إعادة تحديد الأولويات والمصالح المشتركة بين القوى الإسلامية نفسها وبينها وبين القوى القومية واليسارية والليبرالية، وان أي خطة عمل تتطلب تقديم التنازلات المتبادلة والبحث عن تسويات لصالح شعوب المنطقة ودولها وليس لصالح الأعداء.

وكما نعلم فإن أميركا والكيان الصهيوني يعقدان بين فترة وأخرى ما يسمونه "حوار استرتيجي" للبحث بالمخاطر المشتركة وكيفية مواجهتها وتجاوز الاختلافات، فالا يحق لنا اليوم أن ندعو إلى حوار استراتيجي إسلامي-إسلامي وإسلامي- قومي لمواجهة المخاطر الكبرى أم سنسقط مرة أخرى كما سقطت الأمة بعد انتهاء الخلافة العثمانية وقيام الكيان الصهيوني وان كانت المخاطر ستكون اليوم اقسى واقوى واشد وستدفع المنطقة نحو حرب كبرى لا أفق لها.