كتاب عربي 21

في انتظار تبرع السيسي!

1300x600

في الذكرى الأولى للانقلاب، ينشغل الثوار بالثورة، وينشغل العاطلون، والقاعدون عن النضال، من أمثالي، بنصف أملاك عبد الفتاح السيسي، الذي وعد بأنه سيتبرع بها للدولة. فقلده كثيرون، باعتباره قدوة. ولأنه كذلك، فلم يتبرع هو ولم يتبرعوا هم!.

الثوار يواصلون نضالهم ضد الانقلاب، ويعملون من أجل عودة الشرعية وعنوانها الرئيس محمد مرسي لا يضرهم من ضل، على نحو جعل الانقلابيين في حالة من الهلع في الذكرى الأولى للانقلاب، فصاروا يتصرفون كالذي يتخبطه الشيطان من المس، فقامت قوات الأمن باقتحام منزل مجدي أحمد حسين رئيس حزب الاستقلال، وآخرين من حزب "الوسط" وغيره، والتهمة هي "عدل المقلوب". فقد وجهت لهم النيابة الاتهام بقلب نظام الحكم، مع أن من قلب النظام هو عبد الفتاح السيسي. وكذلك محاولة تعطيل العمل بالدستور، وهي تهمة ثابتة في حق المذكور، الذي اتخذ قراره في 3 يوليو بتعطيل العمل بالدستور المستفتى عليه.

المعتقلون ينتمون للتحالف الوطني لدعم الشرعية، وهو ليس سوى عنوان لثورة، يقرر مصيرها من هم على الأرض. لكن هلع سلطة الانقلاب جعلها تتصور أن دعوة "التحالف" لمظاهرات يوم الثالث من يوليو بمناسبة الذكرى الأولى للانقلاب، سينهي وجودهم الآن، فتصرفوا على النحو سالف الوصف، وظنوا أن اعتقال وجهاء التحالف من شأنه أن يُنهي الثورة. مع أن التحالف ليس أكثر من عنوان لهذه الثورة، التي يحدد مسارها من هم على الأرض فعلاً، وبعضهم يعارض التحالف ويراه يتبني "السقوف المنخفضة" في التعامل مع الانقلاب. وقد رد إليه القوم باعتقال مجدي حسين ورفاقه الاعتبار.

حالة الهلع التي تنتاب سلطة الانقلاب، جعلتهم يخشون من أن يكون يوم الثالث من يوليو هو يوم الحسم، مع أن الثوار يسعون لتحقيق الانتصار بالتراكم، وليس بالضربة القاضية، بعد أن استوعبوا درس " الانتصار السريع" الذي تحقق في ثورة يناير، وكانت النتيجة هو انتصار الثورة المضادة، التي بدأت مع حكم المجلس العسكري، وتوج هذا النجاح بالانقلاب، ليتم توريث الحكم. وإذا كانت 25 يناير قد منعت التوريث لنجل مبارك من صلبه، فإن 30 يوليو مكنت لتوريث الحكم لنجل مبارك بالتبني، وهو عبد الفتاح السيسي!.

هلع القوم من انتصار الثورة بالدعوى للتظاهر في ذكرى الانقلاب، ربما كان سبباً في تقاعس عبد الفتاح السيسي وأمثاله عن الوفاء بالوعد، والتبرع بما أعلنوه من قبل لصالح الدولة المصرية، وهو الوعد الذي يشغلني في هذه المرحلة باعتباري من العاطلين، الذين لا يستطيعون ضرباً في الأرض، أو التظاهر في الشوارع.

وكأني الآن كبلدياتي في ثورة يناير، عندما نشرت "الجارديان" أن ثروة مبارك تتجاوز السبعين مليار دولار، فقد انشغل بالجمع والضرب والقسمة من أجل الوصول إلى حقه في هذه الثروة. فيقوم بضرب "تركة مبارك" في سعر الدولار، ويقسمها على مائة مليون نسمة، ليقف على نصيب الفرد، قبل أن يضربه في عدد أفراد أسرته، وهكذا كل يوم!.

السيسي، ولأنه لم يجد ما يقدمه، فلا خطة ولا برنامج ولا رؤية، فقد قرر التنازل عن نصف راتبه لصالح الدولة، مع أنه بهذا التنازل لم يهبط إلى قيمة راتب رئيس الجمهورية في عهد الرئيس محمد مرسي. فمن جملة القرارات التي اتخذها "المؤقت" عدلي منصور، قبل أن يغادر غير مأسوف عليه، هي زيادة راتب رئيس الدولة بمبلغ 42 ألف جنيه، مع أن راتب مرسي كان 13 ألف جنيه، ولم يتقاضه.

ولأن السيسي وجد نفسه، لا يطبق نصيحة الشحرورة صباح، طليقة الأخ الوسيم فادي: "الغاوي ينقط بطاقيته"، فقد كان يعلم أنه يقوم بالنقوط من مال الدولة، وعلى طريقة "من دقنه وإفتله"، فقد قرر التنازل عن نصف أملاكه بما فيها ما ورثه عن السيد والده لصالح الدولة!.

وإزاء هذا التبرع الكريم، فقد انطلق عدد من رجال الأعمال يتبرعون، واقتدى به رجل الأعمال محمد الأمين، صاحب الترسانة الإعلامية التي تمثل ركنا ركينا للانقلاب، أو للدقة الذي يبدو أنه صاحبها، ليتبرع أيضاً بنصف أملاكه، وتبرعت على إثر هذا لميس الحديدي، وغيرها ممن يعملون في "ضيعة" محمد الأمين الإعلامية بنصف رواتبهم الشهرية، وإن كانوا لم يحددوا هل المقصود بذلك هو نصف راتب شهر واحد، أو عام، أم مدى الحياة.

بالرغم من أن كثيرين غير هؤلاء أعلنوا التبرع، إلا أنه من الملاحظ أن أحداً لم يف بما وعد، وربما ظنوا أن المسألة لن تخرج عن إطار الوعد، لكني أريد أوراقاً رسمية مختومة بختم النسر!.

لم تشغلني حقيقة محمد الأمين، علماً بأن هذا التبرع في حال حدوثه سيمثل إثارة، ويمكننا من الوقوف على حقيقته، وهو الذي سقط على المشهد الإعلامي فجأة وعلى حين غرة. وهو صاحب محطات "سي بي سي" الفضائية، وصاحب جريدة "الوطن"، وهي المؤسسات الإعلامية الأكثر إنفاقا، والتي مثلت رأس حربة في الثورة المضادة، واغتيال شخصية الرئيس مرسي. وتسأل عن محمد الأمين فلا تعرف عنه سوى أنه شخص ذهب للعمل في إحدى دول الخليج. وهناك ملايين المصريين فعلوا هذا، ولم يكن لديهم مالا ينفقونه على صناعة ثقيلة وليست مربحة، ولا تقدر على خسائرها سوى الدول التي لها "علم ونشيد".

بالتبرع رسمياً، يمكننا الوقوف على ثروة الرجل، المتهم بالتهرب من الضرائب في عهد الرئيس محمد مرسي، فلم يسددها إلى الآن. وإنما اكتفى بالتبرع لمصر بنصف ممتلكاته. وهي فرصة طيبة لنعرف حجم ممتلكاته التي بلغت حجماً مكنه من الإنفاق على ترسانة إعلامية، وكأنه يدفع زكاة الفطر!.

ما يشغلني حقاً هو ثروة عبد الفتاح السيسي، ومن حق المصريين قانوناً، أن يعرفوا ذمته المالية، ما دام قد قرر أن يكون رئيساً للدولة. وإحدى الصحف "الحليفة" لعلها "الوطن"، نشرت أن إقرار الذمة المالية الذي قدمه للجنة العليا للانتخابات الرئاسية، ضمن أوراقه للترشح، تقول بأن ثروته 30 مليون جنيه، فصدر فرمان بجمعها من الأسواق وفرم هذه الأعداد. وقال صاحب الصحيفة إن رئيس التحرير هو صاحب قرار المنع من التداول، ورمى رئيس التحرير بالتهمة على صاحبها. ومما قيل لأنه تأكد أن المعلومة غير صحيحة.. حسناً وما هو الصحيح؟!.

لا بأس، فقد قلت إن الإجابة ستعلن في الأوراق الرسمية لتبرعه الكريم، لأن التبرع لصالح الدولة يختلف عن التبرع لصندوق النذور، عندما تنذر ناذرة إن تزوجت ابنتها العانس، أو حصل ابنها الفاشل على الثانوية العامة، فسوف تقدم نذراً لسيدي أحمد البدوي مثلاً، وعندما يتحقق المراد تضع المبلغ المقرر في صندوق النذور، بدون إيصال بما وضعت!.

بداخلي إحساس أن عبد الفتاح السيسي، لم يكن في نيته التبرع رسمياً، لأنه لو كان جاداً لفعل، وليقدم للرأي العام إيصالاً يفيد هذا التبرع، وقد مرت الأيام دون أن يفي بما وعد، حتى نتمكن من الوقوف على حقيقة ثروته والتي قررت الصحيفة أنها 30 مليون جنيه باعتبارها مبلغاً متواضعاً، لكن المصادرة كانت لأن معظم الشعب المصري يرى أن المبلغ يمثل ثروة قومية، وحتماً سيسأل من أين له هذا؟!

لقد صرفت إحساسي الداخلي، وقلت ربما يخشي السيسي من "3 يوليو"، فيكون كمن خسر الجلد والسقط في حال نجاح الثورة، وأردت أن أطمئنه بأن هذا اليوم هو يوم من أيام الثورة وليس اليوم الحاسم.

في انتظار أن يفي عبد الفتاح السيسي بوعده، ويتبرع للدولة بنصف أملاكه وبأوراق رسمية مختومة بختم النسر.