كتاب عربي 21

السيسي وعكاشة.. أوجه الشبه والاختلاف!

1300x600

كأنهما "فولة وانشطرت نصفين".. 
هذا ما كتبته بعد دمج الصفات الجامعة في شخصية كل من: عبد الفتاح السيسي وتوفيق عكاشة.

وباعتبار أن الأول ينتمي للسلالة العكاشية، فتنظر للسيسي، فتكتشف أنه "الخالق الناطق" عكاشة، فتجد المبرر لوجود هذه العلاقة منذ أن أسس الأخير ما سمي: بـ"جمعية شباب الإعلاميين وأسرهم وغيرهم"، الذي مكنها وزير الزراعة السابق من أرض الدولة، بجنيه للمتر، وتم بيعه بآلاف الجنيهات. ولو أن السيسي استرد هذه الأرض، لما كان طلبه من الفقراء، أن يقسموا رغيف الخبز إلى أربعة، وهو الذي لا يقبل القسمة على اثنين!.

علاقة السيسي بعكاشة قديمة، ومنذ تأسيس "جمعية الإعلاميين وأسرهم وغيرهم"، وهي التي حالت دون استرداد هذه الأرض، التي منحت "لشباب الإعلاميين وأسرهم وغيرهم" على أنها أرض زراعية، قبل أن يصدر قرار من المانح بتحويلها إلى أرض مبان، فينتقل توفيق بفضل ذلك من طبقة إلى طبقة. وبالرغم من أن جزءاً من الأسباب الداعية لمحاكمة يوسف والي، ترد إلى تعاليه في زمن مبارك على الأجهزة الأمنية الحاكمة بعد الثورة، إلا أنه لم يرد لصفقة "جمعية شباب الإعلاميين وأسرهم وغيرهم"، ذكر. وهي قضية مضمونة لإدانة "والي"، لكن أمر الجمعية اذا تكشف، فسيضار منه علية القوم الذين تضمهم هذه الجمعية تحت بند "وغيرهم"، ويعرفهم السيسي، جيداً.

بعد نشر المقال، وقفت على أنه وإن كان عبد الفتاح السيسي ينتمي للفصيلة العكاشية، فإنه ليس بالضرورة أن يكون صورة "طبق الأصل" من توفيق عكاشة. فدراستي لعلم "الانثروبولوجيا الفيزيقية"، ضمن دراستي العامة لهذا العلم، جعلتني أقف على أنه لم يعد هناك جنس بشري خالص. فضلاً عن أنه من المستقر شعبياً أن "البطن قلابة".

التزاماً منا بالدقة العلمية، لا يمكننا أن نغفل، أن البون شاسع بين الاثنين، في فلسفة التكلم، فـ "توفيق"، يخرج الكلام من أمعائه الغليظة إلى عتبة فمه، دون أن يمر علي أي موانع. في حين أن "عبد الفتاح" وباعترافه يمر الكلام عنده علي أربعة فلاتر: فلتر الصدق، وفلتر الإيمان، وفلتر الشفافية، وفلتر إذا كان هذا الكلام سيرضي الله أم لا.

وقد قال ذلك وهو يفسر أسباب تعثره في الكلام وصمته الطويل قبل أن يتكلم. وهو ما تجلي في مقابلته مع الأخوين لميس: لميس الحديدي وإبراهيم عيسي!.

وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فقد ذكر السيسي قصة "الفلاتر" في لقائه مع المثقفين، وراعني أن الكاميرا حطت على "أحمد عبد المعطي حجازي"، وإذا بالرجل يبدو على وجهه التأثر. ولو أن رجل دين قال هذا الكلام، لوصف حجازي كلامه بالدروشة التي تسببت في تأخر العالم الإسلامي. لكن حجازي يمثل عنواناً للمثقف التابع للسلطة، ينتقل من تبعية لتبعية، ومن كونه كان تابعاً لجاهل اسمه حسني مبارك، لتابع اسمه عبد الفتاح السيسي، الذي يمثل الامتداد الطبيعي لنظام مبارك.

ما علينا، فحتى في الاختلاف الواضح، بين عكاشة والسيسي، نجد تداعياته واحدة، وهو حيرة من يترجم كلامهما. الأول على غزارته، والثاني على ندرته وشحه!.

عكاشة، وقبل ظاهرة التمدد العكاشي في المنطقة، سافر إلى واشنطن، التي كانت طاقة الخير بالنسبة له ولصديقه السيسي. وهناك أمكن لعكاشة أن يقف على طريقة الحصول على لقب "الدال" على طريقة: "تعلم الانجليزية بدون معلم"، فصار اسمه: "الدكتور توفيق عكاشة". 

هناك التقى توفيق ومعه وفد، من جمعية "شباب الإعلاميين وأسرهم وغيرهم"، بقيادات بمنظمة أمريكية معروفة. ولعل هذا هو النشاط الثقافي الثاني والأخير للجمعية، غير نشاط السمسرة في أراضي الدولة. حيث كان اللقاء الأول مع إبراهيم نافع المرشح نقيباً للصحفيين، وقد أعلنت الجمعية تأييدها له. وبالرغم من أن الرجل كان ينشر في "الأهرام" كل لقاءاته، إلا أنه لم يشأ أن ينشر خبر لقائه مع أعضاء الجمعية وقياداتها، لأسباب هي في بطن الشاعر. لا أعتقد أنني ملم بها.

في واشنطن كان عكاشة يتحدث بعربيته المعروفة، عندما توقف المترجم، وابيضت عيناه. وربما ظن الحضور من الجمعية، أن توفيق يقوم بتبكيتهم وهو يتحدث عن الحقوق الفلسطينية، مثلاً، وعن حق العودة، وعن انتهاكات الإسرائيليين ضد الفلسطينيين. وربما انفعل فتلفظ بألفاظ نابية. دفعت المترجم لأن يتوقف خجلاً.

لم يرق صمت المترجم لقادة المنظمة الأمريكية، وقد ظنوا أن المترجم أخل بواجبه الوظيفي، فدوره الترجمة، لا " الفلترة"، فأبعدوه واستدعوا زميلاً له. والذي ترجم بحماس في البداية، ثم صمت، وأبعد السماعات عن أذنيه وغادر المكان. ولا نعرف هل كان خروج التيه، أم أنه عاد في اليوم التالي.

لكن المؤكد عندي أن المترجم خضع لعلاج نفسي لفترة طويلة. وهو الذي كان يظن أنه ملم باللغة العربية، فإذا به يقف على أن فرعا للغة يجهله، هو الذي يتحدث به توفيق عكاشة. ولم نكن قد تعرفنا علي عبد الفتاح السيسي، الذي يتعذب وهو يتكلم وإذا بإنتاجه على قلته عصي علي الترجمة أيضاً.

 لقد أشفقت كثيراً على مترجم لغة الإشارة لمقابلة السيسي مع الأخوين لميس، وهو يتصدى لكلمات مبتورة، وجمل ناقصة، وعبارات متعارضة، وإجابات لا علاقة لها بالأسئلة. وكلام لا علاقة له بالكلام.

آسف لأنني لم ألتزم في مقال سابق بالمنهج العلمي، وكتبت عن التطابق الجيني بين توفيق عكاشة وعبد الفتاح السيسي، مع أنه من الناحية العلمية لا يوجد تطابق بين اثنين. وها نحن نقف على أن الكلام عند عكاشة يتناكح ويتكاسر، وهو عند السيسي عقيم. وإن شئت فقل إن مفردات السيسي "عوانس" لا يتناكحن ولا ينجبن. وهذا ما يفسر أن الكلمة تخرج من فهمه بمفردها وبعد برهة تخرج أختها.

وان كانت النتيجة واحدة وقد ارتسمت على وجوه المترجمين دهشة، فالخلاف تحقق في رد الفعل. ففي الأولى أغمي على أحد المترجمين وغادر الآخر. بينما المترجم في حالة السيسي ظل ثابتاً لآخر المقابلة.

عذراً يا قراء، لعدم التزامي بالمنهج العلمي في مقالي السابق عن التطابق الجيني بين توفيق عكاشة وعبد الفتاح السيسي.