صحافة إسرائيلية

النووي الإيراني والتسوية مع الفلسطينيين

صحافة اسرائيلية
يصعب أن نصدق أن شخصا ما كان يستطيع أن يخطط مسبقا للسباق المتوازي بين الاتفاقين، في الموضوعين المهمين جدا في برنامج عملنا العام وهما التفاوض في التسوية الدائمة بين الدول الست وايران في الشأن النووي، والتفاوض في اتفاق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين. يفترض أن ينتهي الاول في بداية الصيف التالي، ويفترض أن ينتهي الثاني في الربيع القادم. ولا يوجد أي موعد مقدس لكن هكذا اتفق الأطراف جميعا، واذا أجلوا المواعيد فليس الحديث عن تأجيل جوهري. لأنه يفترض أن تتخذ قرارات حاسمة في الشتاء الملتهب الذي ينتظرنا.
         
لا يوجد في ظاهر الامر أية صلة بين المسارين، لكنه لا يربط بينهما في واقع الامر تقارب أجليهما المسميين لأن عددا من اللاعبين في مقدمة المسرح ومؤخرته هم نفس الاشخاص في الحقيقة. خصص الرئيس الامريكي براك اوباما في منتدى سبان كلامه لهذين المسارين فقط، وكرر بذلك خطبته المفاجئة في الجمعية العمومية للامم المتحدة.
         
تُقال في الادارة الامريكية الاقوال التالية: إن بنيامين نتنياهو يزعم منذ سنين كثيرة أن التهديد الرئيس لاسرائيل (وليس لها فقط) هو خطر السلاح النووي في يد ايران، بل مجرد قدرة هذه الدولة على صنع هذا السلاح سريعا. وفي حين كان آخرون استخفوا بهذا التهديد طلب هو فرض عقوبات وتشديدها. وفي نهاية المطاف، وفي خلال حملة دعائية غير سهلة، نجح رئيس وزراء اسرائيل فأقنع الادارة الامريكية وأقنع بمساعدتها ايضا الدول المهمة في العالم بأن تفرض عقوبات على ايران.
         
وطلب تهديد ايران بخيار امريكي عسكري اذا لم تستجب لمطالب عدم صنع سلاح إبادة جماعية، واستجابت لذلك الولايات المتحدة التي تريد الانسحاب من مراكز صراع في الشرق الاوسط، وآخر شيء تريده مواجهة عسكرية اخرى: فقد أصبح اوباما في كل خطبة له حتى في السبت الاخير ايضا يحرص على عدم اسقاط الخيار العسكري من برنامج العمل العام.
         
حولت اسرائيل في واقع الامر محادثات الخمس + واحدة الى محادثات الخمس + 2. فقد أُبلغت آخر التفاصيل، وحينما عارض نتنياهو بشدة المسودة الاولى استمع له أقطاب الادارة الامريكية وأفضى ذلك الى تغييرات حقيقية في الاتفاق. ويحتفظ نتنياهو بعدم رضاه عن النتيجة لأنه يريد أن يستغل هذا الوضع ليُبين لماذا لا يستطيع أن يخاطر في المسيرة مع الفلسطينيين، لكن الولايات المتحدة تُزيل الآن في واقع الامر عن اسرائيل حتى أكبر تهديد، ويجب على اسرائيل في هذا الوضع أن تتوصل الى تصالح مع الفلسطينيين والى اتفاق تاريخي من هناك.
       
فقد السند

انتقل نتنياهو قبل سنين من معسكر "لا، لكن" الى معسكر "نعم، لكن". فقد أدرك أنه لا يمكن أن تكون رئيس وزراء اسرائيل وأن تحافظ على مصالحها بصفتها دولة تحتاج الى التعاون مع العالم والى شبكة أمن امريكية، مع رفض مستمر لمفاوضة م.ت.ف في انشاء دولة فلسطينية.
         
وهو يُقدر أن المطالب التي يعرضها للتوقيع على اتفاق دائم في المجال الامني وفي المسائل الجوهرية – القدس واللاجئين والاعتراف باسرائيل دولة للشعب اليهودي – يُمكنه من أن يعرض اسرائيل على أنها تريد السلام في حين يمنع الفلسطينيون ذلك. وتوجد ايضا الحالة التي هي أقل توقعا وهي أن يتوصل نتنياهو الى اتفاق سلام لم يحلم أحد في اسرائيل به يُمكنه من أن يفاجيء العالم كما يعد من آن لآخر.
         
ولهذا فان سؤال: "هل يريد نتنياهو السلام حقا؟"، ليس ذا موضوع، بل موقف الامريكيين وتوجههم هما اللذان يقلقان رئيس الوزراء.
         
إن عدم الرضى (السابق) الذي أظهره هذا الاخير عن الاتفاق المرحلي مع ايران، كان سندا ممتازا له الى أن جاء تعيين جون كيري النشيط في منطقتنا وزيرا للخارجية الامريكية.
         
كان نتنياهو يستطيع حتى ذلك الوقت أن يقول للامريكيين أنه يبدو أنهم تخلوا عن نية العناية بالمسيرة السياسية مع الفلسطينيين، لأنهم خيبوا أمله لأنهم لا ينوون منع قدرة ايران على صنع سلاح نووي – وأن هذا هو السبب الذي لا يبيح لاوباما أن يتوقع من اسرائيل التي تواجه الآن خطرا أكبر، أن تستجيب لمطلب التوصل الى مصالحات بعيدة المدى مع الفلسطينيين، مصالحات تزيد في الأخطار عليها في ظاهر الامر.
         
إن أبو مازن والفلسطينيين من جهتهم لا يعتقدون أنه يمكن التوصل الى اتفاق دائم مع حكومة نتنياهو، بسبب مواقف رئيس الوزراء المعلنة وبسبب تركيب ائتلافه الحكومي ايضا. وهم يجرون التفاوض في الأساس لارضاء رأي الادارة الامريكية ولاثبات أنه ما كان ثم داع الى التفاوض وأن السبيل الوحيدة الممكنة من جهتهم هي التوجه الى المؤسسات الدولية ومنها المحكمة الجنائية الدولية.
         
إن م.ت.ف، بقيادة أبو مازن، راضية عن الضغط الدولي على ايران التي هي عدوتها ايضا، ولا تفهم لماذا خاب أمل نتنياهو كثيرا من الاتفاق. وهي ترى أن موقف رئيس الوزراء تعلل لعدم التقدم في التفاوض الذي فرض عليه بقدر كبير. ويتوقع أبو مازن من الامريكيين أن يضغطوا على نتنياهو للتقدم في التفاوض، وليعرض خريطته ومواقفه ومطالبه، وبين يدي ذلك قبول جزء كبير من مطالبه في المسار الايراني.
       
حوار مهم
         
يتصرف كيري وكأنه لا يسمع الاصوات المتشائمة والاتهامات المتبادلة، وهو يُبين لكل من يريد أن يسمع أن الطرفين قريبان من اتفاق كما لم يكونا قط، ويصعب أن نعلم هل يقول ذلك لأنه يعرف شيئا لا يعرفه الآخرون (عن مسار سري وما أشبه)، أو لمحاولة تشجيع المفاوضين.
         
إن الحقيقة، كما أراها، هي أن الاتفاق المرحلي مع ايران يمنح مهلة، وأن الاتفاق الدائم قد يزيل الخطر الايراني بقدر كبير، وإن عمل اسرائيل الآن هو أن تتابع تنفيذ ايران للاتفاق وأن تجري حوارا مهما مع الولايات المتحدة وليس معها فقط، للتحقق من أن يُقبل كثير من مطالبها في اطار الاتفاق الدائم.
         
وفي مقابل ذلك، اذا أمكن التوصل الى اتفاق دائم، كما يعد كيري – فسيكون ذلك أصح شيء يُفعل، لكن اذا لم تتهيأ الامور لذلك فثمة حاجة الى بذل جهد كبير للتوصل الى اتفاق تدريجي في الطريق الى تسوية دائمة كي لا تُنقل المنطقة الى الوراء وكي لا نبلغ الى لحظة يكون فيها غربي الاردن عدد الفلسطينيين أكبر من عدد اليهود دون حدود معترف بها بينهما.