أكد المحلل الإسرائيلي تسفي برئيل، أن عجز رئيس وزراء
الاحتلال بنيامين نتنياهو يسمح لحركة حماس بالعودة إلى إدارة الحياة في قطاع
غزة، وذلك في الوقت الذي يتم فيه بذل الجهود من أجل التأكد من أن اتفاق وقف إطلاق النار سيصمد.
وقالت برئيل في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" إن "دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ وإعادة المخطوفين هو فقط بداية عملية طويلة ومؤلمة، وهي على بعد شعرة من انفجار وتحطم الأمل، وذلك أكثر مما يتعلق ببنود الاتفاق، وضمانات دول الوساطة والتهديد بالجحيم من الرئيس ترامب، فإن تنفيذ الاتفاق مرهون، للرعب الشديد، بنوايا ونزوات حكومة إسرائيل وحركة حماس".
وأوضح أن "الصيغة الجزئية، لا تفسر كل البروتوكولات والملحقات السرية، لكنها توضح بماذا كل طرف ملزم وما هو الجدول الزمني لتنفيذ كل مرحلة، ومن الواضح من الصيغة أنها تتضمن أيضا ما الذي سيعتبر خرقا للاتفاق".
"لكن الواقع على الأرض توجد له حياة خاصة به، ومثل ما أن الجيش الاسرائيلي غير قادر على أن يكون المسؤول عن أي رصاصة يتم إطلاقها من بندقية جندي – فهكذا حماس مرة أخرى ليست الحاكم المطلق في غزة الذي يمكنه منع إطلاق صاروخ أو زرع عبوة على يد مخرب معارض للاتفاق، وهذه الأحداث هي المادة المتفجرة التي ستفجر الاتفاق، والاتفاق الحالي أيضا غير محصن أمامها"، وفق برئيل.
وأكد أنه من أجل حماية الاتفاق من خروقات غير متعمدة والحرص على أنه سيتم تنفيذه، فإنه تم تشكيل"غرفة عمليات" في القاهرة تشارك فيها "إسرائيل" وقطر وفلسطين والولايات المتحدة، وهي التي ستراقب ترتيبات تشغيل معبر رفح وإدارة إدخال المساعدات الإنسانية وتنسيقها، ومن ضمن ذلك إدخال 600 شاحنة للمواد الغذائية والأدوية والمعدات الطبية، من بينها ما لا يقل عن 300 شاحنة ستصل إلى شمال القطاع و50 صهريجا للوقود.
وأضاف أنه "اليوم يتوقع أن يأتي إلى القاهرة أيضا ممثلون عن الاتحاد الأوروبي الذي أعلن عن منحة بمبلغ 123 مليون دولار لصالح المساعدات الإنسانية، لتحديد ترتيبات العمل في المعبر".
وبحسب تقارير لوسائل إعلام عربية نقل عنها المقال، فإن النية هي إعادة تشغيل آلية الرقابة والسيطرة التي تم تحديدها في اتفاق المعابر الذي وقعت عليه "إسرائيل" ومصر في 2005، وبحسب هذا الاتفاق فإن "إسرائيل" يمكنها الرقابة "من بعيد" على الحركة في المعبر ووضع "الفيتو" على هوية من يدخلون ومواصفات البضائع التي ستدخل إلى القطاع، لكنّ ممثليها لا يمكنهم التواجد في المعبر.
والترتيبات الجديدة التي ستدخل إلى حيز التنفيذ تستند إلى التفاهمات والخطة التي تم طرحها في شهر آب/ أغسطس (بعد ثلاثة أشهر على سيطرة الاحتلال على المعبر)، عندما قامت "إسرائيل" ومصر بمناقشة مسألة تشغيل معبر رفح.
ورفضت حينها "إسرائيل" اقتراح مصر أن يقوم ممثلون عن السلطة وممثلون من غزة غير مرتبطين بحماس، بالرقابة على الطرف الغزي في المعبر، ولكنها لم تنجح في بلورة آلية بديلة لإدارة المعبر وتوزيع المساعدات.
والخميس، وصل إلى القاهرة ممثل السلطة الفلسطينية نظمي مهنا، المسؤول عن المعابر والحدود، وأيمن قنديل، نائب الوزير حسين الشيخ، من أجل المشاركة في النقاشات حول إدارة المعبر وترتيبات التنسيق مع مصر.
وقال المحلل الإسرائيلي: "يبدو أن إسرائيل لن تستطيع تجنب إشراك ممثلي السلطة في إدارة المعبر، وبخصوص قضية الرقابة وضمان توزيع المساعدات في القطاع، هنا أيضا يبدو أن اسرائيل ستقف أمام الواقع الذي أرادت منعه خلال الحرب ولكن بدون نجاح".
وأضاف أن "وزارة الداخلية لحماس أعلنت أول أمس أن رجالها ورجال الشرطة مستعدون الآن للانتشار في جميع المناطق التي تحتاج إلى عملهم، أي في نقاط المعبر ونقاط توزيع المساعدات لحماية المخازن، وفعليا السيطرة على ترتيبات التوزيع".
وذكر أنه "في هذا السياق، حتى الآن فإن من غير الواضح ما هي قواعد الرد وفتح النار من قبل الجيش الإسرائيلي في الحالات التي سيطلق فيها رجال حماس النار على السارقين، لأن إسرائيل محظور عليها فتح النار على مسلحين طالما أنهم لا يطلقون النار على أهداف إسرائيلية أو على جنود الجيش الإسرائيلي".
وأكد أنه "يبدو أن الجيش الإسرائيلي سيواصل السياسة التي اتبعها حتى الآن، التي بحسبها استفادت عصابات مسلحة من حرية العمل – لكن في هذه المرة حماس هي التي يجب عليها السيطرة على هذه العصابات".
وأشار إلى أن "مصر وقطر، عرابات الاتفاق، من الدول الضامنة لتنفيذه من قبل الطرف الفلسطيني، لكن العبء الرئيسي للتفعيل العملياتي على الأرض سيكون ملقى على القاهرة، فهي التي يمكن أن تنسق مع إسرائيل أي دخول الشاحنات، والفحص بأن كل مواد الحمولة تلتزم بالمعايير التي تم وضعها، والسماح أو منع (بموافقة من إسرائيل) خروج جرحى ومرضى بحاجة الى العلاج، وأيضا السماح بدخول سكان من غزة علقوا في الخارج قبل الحرب".
وكشف أن "هذه مهمة جاءت مع مكافأة اقتصادية: شركات في مصر، مرتبطة بالمخابرات المصرية أو بملكيتها، هي التي ستقوم بتشغيل خط المساعدات، وهي أيضا ستنفذ أعمال
إعادة الإعمار الأولية، مثل إزالة الأنقاض وشق الشوارع التي تم تدميرها وبناء أماكن مؤقتة للسكن وإصلاح البنى التحتية مثل شبكة الكهرباء والمياه".
واعتبر أن "مصر راكمت تجربة كبيرة في إدارة مشاريع إعادة الإعمار في غزة، فقد نفذت مشاريع كهذه بعد عملية الجرف الصامد (المسمى الإسرائيلي لتصاعد العدوان عام 2014) من خلال شركة "أبناء سيناء"، التي هي بملكية رجل الأعمال البدوي إبراهيم العرجاني الذي لديه "امتياز" من قبل المخابرات المصرية، وهي التي شغلت ونسقت نشاطات إدخال المساعدات، وحركة دخول وخروج السكان من القطاع وإليه قبل الحرب وخلالها، إلى حين إغلاق معبر رفح".
وأكد أن "هذه الشركة تعرضت لانتقاد شديد من قبل السكان في غزة، لأنه طلب منهم دفع آلاف الدولارات مقابل ترتيبات السفر والحصول على تأشيرات، ولكن أول أمس نشر رؤساء العائلات والحمائل الكبيرة في قطاع غزة لائحة دفاع عن الشركة، وقد كتب فيها أن هذه العائلات تعبر عن مباركة أي نشاط لمصر من أجل إعادة إعمار غزة، والتقدير الكبير للدور الذي لعبته منذ بداية العدوان على غزة، إضافة إلى النشاطات التي تقوم بها الشركات المصرية، على رأسها شركة أبناء سيناء".
وبحسب تقديرات عامة، غير نهائية، فإن حجم الأضرار المباشرة في غزة تبلغ 18 مليار دولار، وإعادة الترميم تحتاج إلى 30- 40 مليار دولار، كما أن 1.8 مليون شخص بحاجة إلى بيوت، ومئات آلاف الطلاب تقريبا لم يتبق لهم مدارس.
وأكد المحلل برئيل أن غزة ليست الوحيدة التي تنتظر تجند الدول المانحة، ففي الطابور توجد الآن سوريا ولبنان، كل واحدة منها بحاجة إلى مساعدة بعشرات مليارات الدولارات، وإعادة الإعمار هي شرط ضروري لاستقرار الأنظمة الجديدة التي تشكلت فيها في الفترة الأخيرة.
وقال إنه "في غزة فالعبء الاقتصادي لإعادة الإعمار وتشغيل الأجهزة المدنية يمكن أن تتحمله قطر، وهي أيضا ستعمل بواسطة شركات مصرية، ويبدو أن من يتطلع إلى أن تتوقف قطر عن أن تكون عاملا مهما في مستقبل غزة بعد الحرب، سيخيب أمله".
وأكد أن "قطر حتى الآن ستكون شريكة حيوية بصفتها الضامنة لتنفيذ كل مراحل الاتفاق، وهي تعمل على استكمال تنفيذ الاتفاق في مرحلتين بدلا من ثلاث مراحل، كما أنه أوضح أول أمس رئيس الحكومة فيها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مقابلة أجراها مع قناة الجزيرة، أن الاتفاق الذي تم التوقيع عليه للتو يشبه في مضمونه الخطوط العريضة التي تم الاتفاق عليها في كانون الأول/ أكتوبر 2023".
وقال المسؤول القطري البارز إن "قطر تطمح إلى أن تكون المرحلة الثانية هي المرحلة النهائية، التي ستنهي الحرب بالكامل بدون الحاجة إلى المرحلة الثالثة.
وتتحدث المرحلة الثالثة من ضمن أمور أخرى، عن خطة إعادة إعمار القطاع، ويبدو أن قطر ومصر، اللتان تنويان أيضا عقد مؤتمر دولي لتجنيد المنح لإعادة إعمار القطاع بعد انتهاء المرحلة الأولى للاتفاق، تعطيان أهمية كبيرة لترسيخ إجراءات إعادة الإعمار في المرحلة الأولى وتوسيعها في المرحلة الثانية.
وختم المحلل بالقول إن "الافتراض هو أن تسريع التطوير وإعادة الإعمار يمكن أن يشكل كابحا أمام استئناف الحرب في القطاع، ويساعد في استكمال المرحلة الثانية، التي تعتبر الأكثر حساسية وخطورة بسبب الضغوط السياسية في إسرائيل من أجل استئناف الحرب بعد انتهاء المرحلة الأولى، وافتراض مشابه ساعد على الدفع قدما باتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، لكن غزة قصة مختلفة كليا، وذلك بالأساس لأن عجز حكومة إسرائيل وتصميمها على عدم تشكيل أي بديل سلطوي، يمنح حماس الفرصة لإعادة إدارة القطاع برعاية اتفاق دولي".