قدّم مصطفى الخلفي، عضو الأمانة العامة لحزب
العدالة والتنمية
المغربي ووزير سابق، محاضرة مفصّلة في مركز الشرق الأوسط بكلية
سانت أنتوني ـ جامعة أكسفورد، بتاريخ 13 نوفمبر 2025، استعرض خلالها
تجربة حزبه في
الحكومة المغربية بين 2011 و2021، مسلطًا الضوء على الجذور التاريخية للحزب، مساره
في السلطة، الإنجازات التي حققها، التحديات التي واجهها، وآفاق مستقبله السياسي.
أوضح الخلفي أن حزب العدالة والتنمية الحديث
نشأ من تيار إصلاحي داخل الحركة الإسلامية المغربية في الثمانينيات، عقب نشاط سري
عرفه المشهد الإسلامي بين 1971 و1981.
وأضاف أن انطلاقة الحزب الجديدة بدءا من
1996 جاء بعد دمج عدة هيئات إسلامية وحزب سياسي قائم حمل لاحقا اسم العدالة
والتنمية، مع اعتماد ثلاثة مبادئ أساسية هي الالتزام بالإسلام، وبالملكية
الدستورية، ونبذ العنف.
وأكد الخلفي أن الحزب بدأ مشاركته
الانتخابية تدريجيًا منذ عام 1997، قبل أن يصل إلى تصدر الانتخابات البرلمانية في
2011، مستفيدًا من فعاليته في المعارضة والدفاع عن قضايا الإصلاح ومكافحة الفساد
ارتباطه بالمجتمع، واعتماده لاستراتيجية وصفها بـ"الإصلاح في إطار الاستقرار".
وأشار الخلفي إلى أن تجربة الحزب في السلطة
تميزت بعوامل شكلت ما وصفه بـ"الاستثناء المغربي". وقال إن الملكية
الدستورية ذات الشرعية الدينية والسياسية لعبت دورًا أساسيًا في بلورة هذا
الاستثناء بدوارها في التحكيم وصيانة الوحدة والاستقرار، بينما اتسم المشهد
المغربي بتقبل وجود حزب إسلامي إصلاحي ضمن الحياة السياسية، على عكس ما جرى في دول
مجاورة.
وأكد الخلفي أن التحولات الاجتماعية، بما في
ذلك ارتفاع نسبة الشباب، توسع التعليم العالي، وانتشار وسائل الإعلام الرقمية،
وفرت بيئة مناسبة لممارسة الحزب لدوره السياسي بشكل فاعل.
ولفت الخلفي إلى الإنجازات التي حققها الحزب
خلال عقده في الحكومة، فمن الناحية
السياسية اعتم. نهجا سياسيا جديدا قائما على التواصل ومصالحة المواطن مع
السياسة
وتعزيز الثقة، مشيرًا إلى أن الحكومة تحملت مسؤولية اعتماد حوالي 40 نصًا تنظيميًا
لتنفيذ دستور 2011، وعملت على تعزيز استقلال القضاء وإطلاق خطة إصلاحه وفصل
النيابة العامة عن وزارة العدل.
وأضاف أن الحكومة قامت باعتماد قانون
للصحافة خال من العقوبات السالبة للحرية وإنشاء مجلس وطني منتخب ومستقل للصحافة،
وأقرّت قانونين لمكافحة التمييز ومكافحة العنف ضد النساء. وأكد الخلفي أيضًا أن
الحكومة أطلقت استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد تضمنت تشريعا لحماية المبلغين وخطا
أخضر وبلغ عدد قضايا الرشوة أزيد من 30الف ثضية وتحسين ترتيب المغرب في مؤشر
مدركات الفساد من99 إلى 73 في 2018.
وعن الجانب الاقتصادي، أوضح الخلفي أن
الحكومة بين 2012-2019 سجلت متوسط نمو سنوي بلغ 3.5%، مع خفض تاريخي لعجز
الميزانية من 7.2% إلى 3.5%، والعجز التجاري من 9.5% إلى 1.9% من الناتج المحلي
الإجمالي.
وأضاف أن الحكومة وفرت نحو 1.5 مليون وظيفة
جديدة في القطاعين العام والخاص طيلة عقدين، ضمنها 150 الف في التعليم و30 في
الصحة، وحققت إنجازا ملموسا في مناخ الأعمال، حيث تحسن ترتيب المغرب في مؤشر
"ممارسة الأعمال" من المركز 97 إلى 53 عالميًا. وأكد الخلفي أن الحكومة
أطلقت برامج صناعية وريادية لدعم الاستثمار واداء حوالي 40مليار درهم لسداد ديون
المقاولات، وقطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة بتخفيض الضرائب الخاصة بهم، واحداث
نظام المقاول الذاتي بتسجيل330 الف مقاول، وتعزيز تنويع الاقتصاد عبر الصناعة،
وأطلقت ثلاثة إصلاحات معطلة همت اصلاح نظام المقاصة الخاص بالدعم مما أنقذ
المالية العمومية، وإصلاح نظام المعاشات المدنية لتامين معاشات 400 الف متقاعد،
وإنقاذ خدمة الكهرباء الوطنية لضمان استمرارها.
وفي المجال الاجتماعي، أشار الخلفي إلى أن
الحكومة وسعت التغطية الصحية لتشمل نحو 70% من السكان بتأمين رعاية صحية لحوالي
11مليون مغربي من ذوي الدخل الضعيف او المنعدم وذلك لأول مرة ، وزادت ميزانيات
التعليم والصحة بشكل ملحوظ بحوالي 50% و100% على التوالي، ما أسهم في خلق أكثر من
180 ألف وظيفة جديدة في القطاعين. وأضاف أن عدد المستفيدين من برنامج
"تيسير" لدعم التمدرس ارتفع من 706 آلاف إلى 2.4 مليون تلميذ، كما أطلقت
الحكومة برنامج دعم للأرامل والأيتام بدعم مباشر لحوالي 200 الف يتيم، وعملت على
تحسين الحد الأدنى للأجور بزيادة 20%والحد
الأدنى للمعاشات التقاعدية بزيادة 50%، بالإضافة إلى تنفيذ برنامج وطني للحد من
الفوارق الإقليمية بين المدن والريف.
إثر ذلك توقف الخلفي في تحليل خلاصات
التجربة أن ذلك أثمر في البداية نجاحا انتخابيا في 2016 انتقلت معه مقاعد الحزب في
البرلمان الى 125 مقعد، الا انه في الفترة الثانية شهد تراجعًا انتخابيًا حادًا في
انتخابات 2021، حيث انخفض عدد مقاعده من 125 إلى 13. وأوضح أن هذا التراجع جاء
نتيجة مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، من بينها مخلفات البلوكاج الذي عرفه
المغرب في 2017 الأثر السلبي لمرور عشر سنوات، وجود توترات داخلية اعاقت انسجام
الحزب، واعتماد سياسات أثارت جدلًا حادا داخل قواعد الحزب، مثل اعتماد الفرنسية
لغة تدريس في المناهج التعليمية، وتقنين القنب الهندي، وتطبيع العلاقات مع إسرائيل. كما أشار الخلفي إلى أن
التغيرات القانونية والإدارية في الانتخابات، والضغوط السياسية من أحزاب منافسة،
مع تغيير يوم الاقتراع والجمع بين الانتخابات المحلية والبرلمانية في يوم واحد،
والظروف الاقتصادية والاجتماعية بعد جائحة كورونا، كل تلك العناصر ساهمت في هذا الانحدار مع تسجيل سلوكيات سلبية محلية
للادارة في عدد من المناطق وضعف المشاركة الحاد في المدن الذي بلغ 20% في
الدارالبيضاء مقارنة مع النسبة الوطنية 50% .
وحول مستقبل الحزب، قال الخلفي إن الحزب شرع
منذ 2021 في عملية تجديد داخلي، مع إعادة انتخاب عبد الإله بنكيران أمينًا عامًا،
مع التركيز على المعارضة البناءة الفاعلة، وتعزيز الإصلاح المؤسساتي والعدالة
الاجتماعية ومحاربة الفساد والريع. وأوضح أن التطورات حتى عام 2025 تشير إلى
النجاح التدريجي الحزب في استعادة دوره السياسي، مع انفتاح أكبر على الشباب وإعادة
بناء الثقة العامة في صفوف المواطنين.
وختم الخلفي عرضه بالتأكيد على أن تجربة حزب
العدالة والتنمية تمثل حالة استثنائية في المنطقة، إذ جمعت بين إدارة الشأن العام
ضمن بيئة تعددية ونسج التحالفات اللازمة، وتحقيق إنجازات اقتصادية واجتماعية
ملموسة، والحفاظ على الاستقرار الوطني، رغم التحديات الانتخابية التي واجهها. وأكد
أن هذه التجربة تُظهر أهمية اندماج الأحزاب الإسلامية الإصلاحية في العملية
الديمقراطية والسياسية لضمان استدامة التقدم السياسي والاجتماعي في المغرب.
وأشار الخلفي إلى أن استضافة مركز الشرق
الأوسط بجامعة أكسفورد لهذه المحاضرة مثلت فرصة لتبادل الخبرات والتجارب المغربية
مع الأكاديميين والباحثين الدوليين، مؤكداً أن مثل هذه اللقاءات العلمية تعزز
الحوار المفتوح وتسمح بفهم أعمق للتجربة السياسية المغربية، وتساهم في ربط الواقع
السياسي بالمشهد الأكاديمي العالمي.
ويُعدّ مركز الشرق الأوسط في كلية سانت
أنتوني بجامعة أكسفورد أحد أبرز المؤسسات الأكاديمية المتخصصة في دراسة قضايا
الشرق الأوسط الحديثة والمعاصرة. ويُعرف المركز، الذي تأسس في أواخر خمسينيات
القرن الماضي، بدوره البحثي والتعليمي المتعدد التخصصات، حيث يجمع بين تاريخ
المنطقة وسياساتها ومجتمعاتها، ويضم مكتبة وأرشيفًا من بين الأهم في أوروبا في هذا
المجال. كما يستضيف المركز ندوات ومحاضرات دولية منتظمة يشارك فيها باحثون وصنّاع
قرار من أنحاء العالم، ما جعله منصة معرفية رفيعة المستوى لتبادل الخبرات ومناقشة
التحولات السياسية والاجتماعية في المنطقة.