بعد مرور 466 يوما على بدء حرب الإبادة الدموية الإسرائيلية ضد 2.3 مليون فلسطيني بقطاع
غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، التي خلفت أكثر من 156 ألف شهيد وجريح،خلت شوارع القاهرة، من مظاهر الاحتفال، تحسبا للقبضة الأمنية الرافضة لأي حراك بالشارع.
وفي أولى ردود الفعل الدولية على الدور
المصري في وقف إطلاق النار، ووفق بيان صادر عن البيت الأبيض، وجه الرئيس الأميركي جو بايدن الثلاثاء الماضي، الشكر لنظيره المصري متحدثا عن دور مصر الجوهري والتاريخي في الشرق الأوسط والتزامها بالدبلوماسية لحل النزاعات.
"كيف أثرت حرب غزة على مصر؟"
وخلال الشهور الماضية ومع إصرار الاحتلال على عدم وقف الحرب أعلنت مصر مرارا عن حجم خسائر كبير تكبدها اقتصاد أكبر بلد عربي إفريقي سكانا (107 ملايين نسمة في الداخل)، أثرت على ثاني أكبر اقتصاد إفريقي وثالث أكبر اقتصاد عربي مع ما يعانيه من أزمات هيكلية خطيرة أثرت جميعها على معيشة المصريين.
وفي 11 كانون الثاني/ يناير الجاري، قال
السيسي، إن "الحرب في قطاع غزة أفقدت مصر نحو 7 مليارات دولار دخلا مباشرا، تمثل حجم التراجع في إيرادات قناة السويس خلال الـ11 شهرا الماضية، أي ما يعادل 350 مليار جنيه، وهو مبلغ كبير كان يمكن ضخه في قطاعات كثيرة بالدولة".
وخلال الحرب رصد الاتحاد الأوروبي تمويلا بقيمة 7.4 مليار يورو لحكومة القاهرة منتصف العام الماضي، وجرى رفع قيمة قرض صندوق النقد الدولي في آذار/ مارس الماضي، إلى 8 مليارات دولار، بجانب تمويلات متتابعة من البنك الدولي، مع الحصول على كامل المعونة العسكرية الأمريكية (1.3 مليون دولار)، ودون اقتطاع كما جرت العادة خلال حكم السيسي، لأسباب حقوقية.
وفي الأثناء، واصلت الصحف والفضائيات العبرية التحريض على الجيش المصري وحذرت من تنامي قوته، وبينها فيلم وثائقي نشرته قناة "i24NEWS" بعنوان "بركان الغضب" تحذر فيه من تعاظم قوة الجيش المصري وتسليحه المتقدم.
وقال تقرير لموقع " Hidabroot" إن الجيش المصري يسلح نفسه وينمو بلا توقف، وتساءل: هل الجيش الإسرائيلي مستعد لسيناريو الحرب الشاملة ضد الجارة الجنوبية؟ (في إشارة إلى مصر)، فيما أكد موقع "JDN"، أن النشاط العسكري المصري في سيناء مدعاة للقلق.
وتحدثت تقارير إسرائيلية عن ما أسمته أسرار تجارب إطلاق الصواريخ المصرية ومنصات الإطلاق المتطورة في قلب الصحراء المصرية، في "جبل حمزة" واصفة إياه بأحد أهم مواقع تجارب الصواريخ في مصر، في الصحراء الغربية.
وكشفت دراسة بحثية إسرائيلية عن حالة رعب داخل الأوساط الأمنية الإسرائيلية بسبب حصول مصر على غواصات ألمانية متطورة وفرقاطات وسفن مضادة للطائرات.
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، تحدث نشطاء عن مكاسب الجانب المصري العسكرية من اتفاق غزة، وبينهم المدون محمد جرامون، الذي قال إن "مصر حققت مكاسبا لو خاضت حرب كحرب أكتوبر 1973 ما حققتها".
وأشار إلى "استنزاف كامل لجيش العدو، وكشف ضعفه التكنولوجي، وإطفاء الروح المعنوية لديهم، وتحملهم خسائر اقتصادية تمتد آثارها لأعوام، وإظهار للقدرات المصرية (سياسية واستخباراتية وعسكرية".
"ما بعد الاتفاق"
وبعد إعلان وقف الحرب في غزة ودخول الاتفاق رسميا حيز التنفيذ الأحد المقبل، يثار التساؤل، هل ينهي الاتفاق خسائر مصر كما أعلنتها حكومتها، وما هي المكاسب المتوقعة من وقف إطلاق النار في غزة؟.
وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، قال المخرج والناشط المصري على أبو هميلة: "خطة الترحيل سقطت، وخطة الجنرالات سقطت، وخطة التهجير إلى سيناء سقطت، ولن ننسحب من نتساريم سقطت، ولن ننسحب من
فيلادلفيا سقطت، وسنحرر جميع المختطفين بالقوة سقطت، وبقيت غرْة شامخة عزيزة رغم دماره".
ورصد مراقبون ومتحدثون لـ"عربي21"، بعض المؤشرات التي تشير لمحاولات القاهرة تحويل تلك الخسائر إلى مكاسب كبيرة، ملمحين إلى دعوة وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي، لاستضافة بلاده مؤتمرا دوليا لإعادة الإعمار في غزة، تمهيدا لمشاركة مصر في إعادة الإعمار عبر شركات وعمالة ومهندسين وخامات مصرية.
وعن تكلفة إعمار غزة، كشفت وكالة "بلومبيرغ" في آب/ أغسطس الماضي، عن تكلفة محتملة بأكثر من 80 مليار دولار، إلى جانب 700 مليون دولار لإزالة 42 مليون طن من الأنقاض، معتمدة على دراسة أعدتها "مؤسسة راند" البحثية الأميركية بعد 10 شهور من الحرب، ما يشير لزيادة التكلفة بعد نحو 15 شهرا من التدمير الذي أصاب نحو 90 بالمئة من البنية التحتية للقطاع.
ويعتقد البعض أيضا أنه بوقف إطلاق النار سوف تتوقف هجمات المقاومة اليمنية الداعمة للمقاومة الفلسطينية، وتنتهي هجمات "جماعة الحوثي" على السفن التابعة لإسرائيل في باب المندب، وعودة الحياة للمدخل الجنوبي للبحر الأحمر والتجارة العالمية لقناة السويس، وشركات الشحن العالمية العملاقة للقناة التي حققت إيرادات سنوية بلغت 10.25 مليار دولار عام 2023.
مراقبون أشاروا كذلك، إلى أن مغادرة الاحتلال الإسرائيلي محور صلاح الدين الحدودي مع مصر والذي تحتله منذ آيار/ مايو الماضي، وبالتالي معبر
رفح البري بين غزة وسيناء، وعودة مرور الفلسطينيين من المعبر؛ ستحقق مكاسب مالية ضخمة.
خاصة مع احتمال استقبال آلاف الجرحى الفلسطينيين، وما قد يتبعه من جمع رسوم المرور من معبر رفع إلى جانب تكاليف العلاج وما قد يتبعه من دعم خارجي، للمرضى الفلسطينيين، ناهيك عن استقبال المساعدات الإنسانية من دول العالم ما يثري الموانئ المصرية وشركات الشحن والنقل.
ومن الأنباء المتداولة بشدة، أكدت العديد من الفضائيات العربية أن القوات الإسرائيلية غادرت محور صلاح الدين خلال الساعات الماضية، كما أن قوافل المساعدات الإنسانية بدأت في التحرك ليلا إلى القطاع من معبر "إيرز".
وقال مصدر مصري، لقناة "القاهرة الإخبارية" مساء الأربعاء، إنه جار التنسيق لفتح معبر رفح البري من الجانب الفلسطيني لإدخال أكبر قدر ممكن من المساعدات إلى قطاع غزة.
"استقرار غزة مصلحة لمصر"
وفي قراءته لملف المكاسب المصرية المحتملة، قال الكاتب المصري محمد السطوحي: "بشكل عام مصالح مصر مرتبطة باستقرار حدودها خصوصا الشرقية".
وبين في حديثه لـ"عربي21"، أن "مشكلة غزة تحديدا كانت تمثل تهديدا مستمرا في حالة نزوح الفلسطينيين لسيناء"، مضيفا: "كما أنها سمحت لإسرائيل بالسيطرة على محور فيلادلفيا، ومعابر الحدود مع غزة، بما يخالف الاتفاقات معها".
ومضى يؤكد أن "المهم الآن أن يتم سحب كامل للقوات الإسرائيلية من معبر رفح مع رؤية لليوم التالي من الاتفاق، تسمح باستقرار الوضع في غزة".
"مكاسب السلطة والشعب"
وفي تقديره، يرى السياسي المصري سمير عليش، أن هناك مكاسب للسلطات المصرية وأخرى للشعب المصري من وقف الحرب في غزة.
وأكد لـ"عربي21"، أن "مكاسب السلطات؛ تتمثل في انخفاض الضغط الشعبي المتزايد عليها بسبب استمرار علاقتها الدبلوماسية والتجارية مع الاحتلال الإسرائيلي، وتغاضيها عن تأييد جنوب إفريقيا في دعواها بالمحكمة الدولية، وعن احتلال إسرائيل لمحور فيلادلفيا، وذلك بالرغم من جرائم الإبادة غير الإنسانية".
ولفت أيضا إلى أن من مكاسب السلطات المصرية "بدء الاستفادة من أموال إعمار غزة، ورجوع حركة السفن التجارية إلى ممر قناة السويس".
ويعتقد أن مكاسب الغالبية العظمى من الشعب، تتمثل في "الإحساس بالسعادة لعدم تمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها ضد حماس، وإزدياد الإحساس بالفخر لانتصار شعب غزة بالرغم من تضحياته الجسيمة، وبسبب ارتفاع التأييد العالمي للقضية الفلسطينية، وبسبب انهزام السلطة المصرية المؤيدة لإسرائيل وأمريكا (من الباطن)".
وختم بالقول: "وأخيرا وليس آخرا؛ انهزام المخطط الإبراهيمي بقيادة الإمارات".
"بين المكاسب والخسائر"
وفي رؤية اقتصادية، قال الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى يوسف، إن "مكاسب مصر تتمثل في عودة إيرادات قناة السويس مع توقف هجمات الحوثي"، مستدركا: "لكن مع المكاسب المادية لقناة السويس فهناك خسائر حقيقية للنظام وبعض أذرعه الأمنية، مثل إبراهيم العرجاني والمتنفذين الذين يحصلون على الإتاوات من الفلسطينيين حال عبورهم معبر رفح".
الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية والعلاقات الدولية، في حديثه لـ"عربي21"، يرى أن "الأهم والأخطر هو انتهاء حالة الابتزاز الذي بموجبه يحصل النظام المصري على دعم الإدارة الأمريكية واللوبي الصهيوني بالضغط على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك الأوروبي، والجهات المانحة للقروض والمنح والاستثمارات".
وألمح إلى انتهاء "فرص النظام المصري في الضغط على قطاع غزة، بإغلاق معبر رفح، والتماهي مع إسرائيل، ومحاولة إذلال الفلسطينيين وإجبارهم على الخضوع للحكومات الإسرائيلية المتطرفة"، مؤكدا أنه "خسر لأنه لم يعد لديه فرصة للضغط للحصول على قروض جديدة وتمويلات وتسهيلات ومصالح".
وعاد ليؤكد أن "مصر كدولة ستزداد خزينتها العامة التي منيت بخسارة من 3 إلى 4 مليار دولار، جراء استمرار العدوان على غزة"، متوقعا أن "تعود مجددا الملاحة بشكل طبيعيي وبنهاية العام قد تعود إيرادات القناة لمعدلاتها الطبيعية السابقة".
وبين أن "الهدوء في المنطقة يشجع كذلك عودة السياحة لمصر، والأردن، لكن لا أظن رجوعها لفلسطين المحتلة أو الكيان المحتل، لأن نسبة كبيرة من السائحين يتخوفون بشدة، كما انكشف وجه إسرائيل الحقيقي طوال الشهور الماضية".
وقال رائد الأعمال هاني عادل سليمان: يمثل الاتفاق كثيرا لمصر "اقتصاديا"، مع استقرار الوضع الاقليمي وانحسار المخاطر الجيوسياسية وجذب الاستثمارات الأجنبية، ملمحا إلى أن عودة الهدوء للبحر الأحمر ورجوع الخطوط الملاحية انتعاش لإيرادات قناة السويس.
وأشار إلى أن دور الشركات المصرية في إعادة إعمار غزة، ملمحا إلى احتمال عودة تدفق الغاز الإسرائيلي وإسالته وتصديره لأوروبا، بجانب تصدير البضائع المصرية لقطاع غزة.
"من يبحث عن مصالح مصر؟"
وفي قراءته، قال الكاتب والباحث السياسي عزت النمر: "ربما من المفيد وربما العجيب أنه لازال هناك من يسأل عن مكاسب مصر في أي أحداث، وكأن مصر أصبحت لا تجد من يبحث لها عن مصالح، خاصة وأن نظام حكمها العسكري الحالي لا يمثل الدولة المصرية ولا يبحث عن مصالحها".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن مسلك السيسي ونظامه منذ 2013 هو كالتالي: "نظام قزم مصر حتى أصبحت ومصالحها وأمنها القومي مجرد رقم بأجندة إسرائيل، وأهان تاريخها وأهدر حاضرها بتبعية مقيتة لدويلات وإمارات خليجية، وتنازل بمهانة وخيانة عن مصالح الدولة لصالح الغرب وأوروبا وأمريكا".
وأضاف: "حتى مبرر أن السيسي يبحث عن مصالح ضيقة لنظامه على حساب مصالح الدولة المصرية، هذا أيضا من العمالة والخيانة والغباء؛ فالبحث عن مصالح النظام ستتحقق بالضرورة من احترام والمحافظة على مكاسب الدولة وليس العكس".
وتابع: "مما سبق يُفترض أن مكاسب الدولة كانت بالضرورة بالوقوف ضد ما يخدم الكيان المعروف بشهوته التوسعية ضمن خريطة تتضمن أجزاء من مصر، ويُفترض كذلك أن مصالح مصر تلتقي مع كل مقاومة فلسطينية باعتبار أنها حائط صد أولي عن الأمن القومي المصري، فضلا أن المقاومة تعني استنزاف لإسرائيل العدو الأزلي والتاريخي لمصر والعرب".
وقال: "أيضا ما حدث بالحرب الأخيرة على غزة أن اسرائيل انتهكت كل معالم السيادة المصرية بقتل جنود مصريين وانتهاك الحدود المصرية واتفاقية كامب ديفيد المشؤومة، والعبث بمقررات الأمن القومي".
ويرى أنه "مع كل ما حدث لم يتحرك نظام السيسي، للبحث عن مصالح لمصر والدفاع عن سيادتها وكبريائها وأمنها القومي".
وأضاف: "والآن ونحن على وشك وقف لإطلاق النار نتمنى أن يكون متماسك ومستدام، فإنه بصورة أو أخرى أوقف نزيف الخسائر المصرية الناجمة من الانبطاح لكل الأجندات والمصالح لإسرائيل والغرب وأمريكا ودويلات الخليج وكلها خصما من المصلحة المصرية".
وأشار إلى "حقيقة أخرى أن وقف اطلاق النار نقل الأزمة للكيان الصهيوني وسيصنع مشاكل جذرية بالبنية السياسية والشعبية وربما العسكرية بإسرائيل، وهذا مكسب لمصر على المدى القصير والبعيد، خاصة وأن العداة كانوا يتحدثون عل خطط اليوم الأول بعد الحرب على أنها ستكون داخل فلسطين، لكن صمود المقاومة والشعب الفلسطيني جعل مشكلات اليوم الأول بعد الحرب نار وألغام قابلة للتفجير بالداخل الصهيوني".
وختم بالقول: "سيظل نظام السيسي يحاول بمنتهى الخسة أن ينسب لنفسه دورا في الوصول للاتفاق، وهو الذي أُعلن وجرت مفاوضاته في قطر بكل أسف، ووجود مصر في الخلفية من باب ذرا للرماد في العيون واستبقاء لمصر التاريخ حقها ووزنها على حساب تسفل وسقوط وعُري مصر السيسي من كل مكرمة وفضيلة".