في ضوء زهوة الانتصار
التي يعيشها رئيس الوزراء
الإسرائيلي وقادة الجيش والوزراء، بعد قيامهم باغتيال
قيادات الصف الأول لحزب الله، وعدد من القيادات البارزة بحركة حماس، يصبح استمرار
الحرب في
غزة ولبنان هو السيناريو المتوقع، خاصة مع الدعم الأمريكي الكبير إلى حد نشر
صحيفة نيويورك تايمز عن قيام الرئيس الأمريكي بإرسال قوات أمريكية للحرب مع إسرائيل،
والدعم الغربي بالسلاح من بريطانيا وألمانيا وغيرها، وتغاضي الدول الغربية بل
والعربية عن المجازر التي ترتكبها إسرائيل في شمال غزة منذ ثلاثة أسابيع، ومنعها
وصول المساعدات للسكان المُحاصرين.
وها هي الولايات
المتحدة تمنحها مهلة لمدة شهر لإدخال المساعدات لإتاحة الوقت الكافي لها لدفع سكان
شمال غزة لترك المنطقة، رغم تحول الممرات التي تسميها إسرائيل بالممرات الآمنة
لمصيدة لمن يسلكها، من خلال القتل أو الاعتقال، دون أي تحرك من خلال الأمم المتحدة
ومؤسساتها لوقف تلك الإبادة التي تسفر عن عشرات الشهداء يوميا.
ويحظى قادة الحرب
في إسرائيل بتأييد مجتمعي داخلي للخيار العسكري إلى حد صمت أهالي الأسرى عن
المطالبة بالإفراج عنهم في الأسابيع الأخيرة، كما يستندون أيضا في سعيهم للاستمرار
بالحرب لتحقيق النصر الكامل حسب وصف رئيس الوزراء؛ إلى ما أسماه نتنياهو في خطابه
الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة بوجود صداقة بين إسرائيل وعدد من الدول
العربية لم ير مثلها من قبل في حياته!
يُتوقع حدوث اتفاق غير معلن مع السعودية لخطوات نحو التطبيع، واتفاق مع الإمارات وغيرها من الدول العربية للمشاركة في القوات التي ستدير غزة بعد وقف إطلاق النار، ويرتبط بتلك التوقعات ما حدث من لقاءات فصائل فلسطينية في القاهرة للاتفاق على نهج إدارة قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار، ولقاء مدير المخابرات الإسرائيلية مع رئيس المخابرات المصرية الجديد
ورغم استفادة
رئيس الوزراء الإسرائيلي من انشغال الإدارة الأمريكية بالانتخابات الرئاسية التي
ستجرى في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وعجزها عن الضغط عليه مهما بالغ في
عمليات الإبادة الجماعية ومنع دخول المساعدات للسكان المحاصرين بشمال غزة، بل
واستهداف قوات اليونيفيل بلبنان وتهجير نحو 1.2 مليون مواطن لبناني والاستمرار
بقتل الصحفيين؛ إلا أنه يبدو أن تقارب مستوى التأييد الانتخابي لكلا المرشحين
للرئاسة، ترامب وهاريس، قد دفع الإدارة الأمريكية للسعي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي
لوقف إطلاق النار، كي يُحسب هذا الإنجاز لمرشحة الحزب الديمقراطي لتحسين موقفها الانتخابي،
مثلما قد يُحسب للحزب نجاحه في تحجيم الضربة الجوية الإسرائيلية الأخيرة لإيران،
وعدم امتدادها إلى المنشآت البترولية حتى لا تؤثر على أسعار النفط أو إلى المنشآت
النووية لإشعال حرب إقليمية.
ولهذا كانت جولة
وزير الخارجية الأمريكي الأخيرة للمنطقة والتي شملت إسرائيل والسعودية وقطر، ولقاء
رئيس وزراء لبنان ووزيري خارجية الأردن والإمارات في لندن، والإعلان عن جولة جديدة
من
المفاوضات اليوم الأحد في الدوحة، بعد ترحيب رئيس الوزراء الإسرائيلي بسعي مصر
للإفراج عن الرهائن، من خلال ما تردد عن مقترح مصري لوقف إطلاق النار لفترة قصيرة
قد تصل إلى أسبوعين، يتم خلالها إطلاق عدد محدود من الأسرى الإسرائيليين لدى
المقاومة في غزة، ويمكن أن تشمل إطلاق عدد من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال،
كخطوة تفتح نافذة لاتفاق شامل.
وهو ما يمكن أن
يرتبط ببيان مجلس الوزراء السعودي الأسبوع الماضي عن توجه السعودية لعقد قمة عربية
إسلامية في الرياض، للخروج بقرارات تسهم في وقف العدوان الإسرائيلي وحماية الحقوق
المشروعة لشعب فلسطين، لكن السؤال المهم: ما هو المقابل الذي ستقدمه الولايات
المتحدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي كي يقبل
وقف إطلاق النار، بما يعرضه لغضب ترامب الذي
قدم لإسرائيل الكثير من العطايا، والذي يتوقع منه الكثير أيضا في حالة فوزه؟
وهنا يُتوقع حدوث
اتفاق غير معلن مع السعودية لخطوات نحو التطبيع، واتفاق مع الإمارات وغيرها من
الدول العربية للمشاركة في القوات التي ستدير غزة بعد وقف إطلاق النار، ويرتبط
بتلك التوقعات ما حدث من لقاءات فصائل فلسطينية في القاهرة للاتفاق على نهج إدارة
قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار، ولقاء مدير المخابرات الإسرائيلية مع رئيس
المخابرات المصرية الجديد، ولعل القمة العربية الإسلامية التي دعت إليها السعودية
يمكن أن تشهد الاتفاق على وجود قوات عربية وإسلامية في غزة، تشرف على إدارتها
مثلما تحدثت إسرائيل من قبل، بعد تقسيم غزة إلى كانتونات متعددة يسهل السيطرة
عليها، وبحيث لا تتحمل إسرائيل تكلفة إدارة القطاع أو تكلفة إعادة الإعمار.
تبعية أوروبية
للموقف الأمريكي من إسرائيل
لكن التوقع
المحتمل أن تواصل إسرائيل المفاوضات مع إطالة أمدها إلى ما بعد الانتخابات
الأمريكية، بحيث تبدو قد تجاوبت مع الإدارة الأمريكية وفي نفس الوقت لم تخسر ترامب،
كما أن إطالة الوقت يمنحها الفرصة لتدعيم إنجازاتها العسكرية في كل من غزة ولبنان،
بعد توسيع نطاق عملياتها إلى العديد من المدن اللبنانية بل وإلى سوريا، والاستفادة
من فترة إعادة تنظيم الصفوف لدى كل من حماس وحزب الله، في ظل موقف أوروبي يغلب
عليه تأييد إسرائيل للدفاع عن نفسها إلى حد ضرب المدنيين كما ذكرت وزيرة الخارجية
الألمانية، والمطالبة بحل الدولتين رغم معرفتهم بأنه لن يتحقق.
التوقع المحتمل أن تواصل إسرائيل المفاوضات مع إطالة أمدها إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية، بحيث تبدو قد تجاوبت مع الإدارة الأمريكية وفي نفس الوقت لم تخسر ترامب، كما أن إطالة الوقت يمنحها الفرصة لتدعيم إنجازاتها العسكرية في كل من غزة ولبنان، بعد توسيع نطاق عملياتها إلى العديد من المدن اللبنانية بل وإلى سوريا، والاستفادة من فترة إعادة تنظيم الصفوف لدى كل من حماس وحزب الله، في ظل موقف أوروبي يغلب عليه تأييد إسرائيل
وإذا كانت بعض
الأصوات الأوروبية في إسبانيا وأيرلندا والنرويج تطالب بوقف إطلاق النار، فإنها
مجرد بيانات لا تقترن بخطوات عملية لتحقيق ذلك، ولا حتى مجرد إعادة النظر في الاتفاقات
التجارية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، ليظل الموقف
الأوروبي تابعا للموقف الأمريكي المساند بقوة لإسرائيل، خاصة في ضوء المصالح الاقتصادية
لدول أوروبا مع الولايات المتحدة، وها هي بيانات التجارة الخارجية الأمريكية
للشهور الثمانية الأولى من العام الحالي، تشير لتحقيق دولة مثل فرنسا والتي تعاني
من عجز تجاري مزمن؛ فائضا تجاريا مع الولايات المتحدة بأكثر من 11 مليار دولار، بينما بلغ الفائض
التجاري لألمانيا معها 57 مليار دولار ولإيطاليا أكثر من 30 مليار دولار، كذلك
حققت كل من سويسرا والنمسا والسويد والمجر ورومانيا وبولندا والنرويج فائضا تجاريا
مع الولايات المتحدة، كما أشارت بيانات التجارة الخارجية الإسرائيلية بنفس الشهور
الثمانية الأولى من العام الحالي، إلى تحقيق كل من ألمانيا وهولندا وبلجيكا
وسويسرا وبريطانيا وايطاليا وفرنسا وإسبانيا فائضا تجاريا مع إسرائيل.
الصين الشريك التجاري
الثاني لإسرائيل
أما ما يخص موقف
الصين فهي تركز على مصالحها الاقتصادية بأنحاء العالم، ولن تمارس أى ضغط لوقف
الحرب، بل تأمل في استمرار الحرب بغزة ولبنان لشغل الولايات المتحدة عنها، وعن
التدخل لصالح تايوان أو التدخل لصالح كوريا الجنوبية بخلافها مع كوريا الشمالية أو
بخلاف كوريا الشمالية مع اليابان، وها هي الصين قد حققت فائضا تجاريا مع الولايات
المتحدة في بالشهور الثمانية الأولى من العام الحالي بلغ 186 مليار دولار، مقابل
فائض بلغ 279 مليار دولار بالعام الماضي كاملا، كما كانت الشريك الثاني بالتجارة
الخارجية الإسرائيلية مع دول العالم بعد الولايات المتحدة في الشهور الثمانية
الأولى من العام الحالي، وكانت المورد الأول لإسرائيل وحققت فائضا تجاريا معها بلغ
حوالي 6 مليار دولار.
وها هو صمت
القادة العرب خلال حصار شمال غزة وما تم خلالها من إبادة وتجويع، مثل سكوتهم عن
منع إدخال المساعدات منذ شهر أيار/ مايو الماضي، وعدم تحركهم مع اتساع العدوان الإسرائيلي
على لبنان ليشمل العديد من المدن اللبنانية حتى وصل إلى سوريا، سوى ببيانات
الإدانة وبعض المساعدات الإنسانية، الأمر الذي يجعل من الصعب لدى الجمهور العربي والإسلامي
تصديق أن القمة العربية الإسلامية التي تحدث عنها بيان مجلس الوزراء السعودي يمكن
أن تسفر عن إجراءات عملية لوقف العدوان الإسرائيلي، حيث تدنت الثقة بهؤلاء القادة بعد
فشل القمة السابقة التي عقدت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي في تحقيق ما خرجت به
من قرارات، عندما كان عدد الشهداء في غزة وقتها حوالي 11 ألفا، بينما اقترب حاليا من
الخمسين ألفا في غزة ولبنان حتى الآن، بخلاف أكثر من مائة ألف من المصابين.
ومن هنا تتضاءل
توقعات أن تسفر الجولة الجديدة من المفاوضات في الدوحة، عن وقف إطلاق النار قبل الانتخابات
الرئاسية الأمريكية، بل وقبل استلام الرئيس الجديد السلطة في كانون الثاني/ يناير،
رغم النزيف اليومي الذي تتسبب فيه عمليات المقاومة في غزة ولبنان، واستمرار ابتعاد
سكان مستوطنات غلاف غزة وشمال إسرائيل عن منازلهم، حيث تسعى الإدارة الإسرائيلية
لفرض واقع جديد في المنطقة، يتخطى أهداف حربها مع كلا من حماس وحزب الله، مدعوما
من الإدارة الأمريكية أيا كان الفائز في الانتخابات، ومن الدول الغربية التي تعتبر
إسرائيل ركيزة أساسية لها في المنطقة، ومدعوما أيضا من العديد من قيادات الدول
العربية!
x.com/mamdouh_alwaly