مع اقتراب حرب الإجرام والإبادة على
غزة من إكمال عامها الأول، أصبح واضحا أن
الحرب الإعلامية كان لها دور بارز فيما
حققته
المقاومة من خلال التوثيق الحي والتصوير الدقيق.
هذا الإعلام المقاوم، كشف هشاشة جيش
العدو وهروبه وعدم قدرته على المواجهة، ومن ناحية ثانية كانت استراتيجية العدو
الإعلامية تعتمد على أمور:
الأمر الأول، استهداف الصحفيين والمصورين،
ولهذا فاق عدد الشهداء من الإعلامين العدد الذي قتل في أي حرب أخرى، بل إن العدو
كما استهدف الإعلاميين استهدف بيوتهم وأسرهم.
الأمر الثاني، هو تقليل ما يعلن عنه
من قتلى العدو ومصابيه إلى الحد الأدنى، وفي هذا تتباين تقديرات الحكومة عن
تقديرات الجيش عن تقديرات المستشفيات، وبدا واضحا أن العدو يريد هذا التباين، ولا
ينزعج منه، بل ويبني عليه.
أما الأمر الثالث، فهو استخدام
الإعلام في التشويش؛ تمهيدا للقيام ببعض الهجمات أو تحقيق بعض الأهداف، وقد رصدت
ذلك في ثلاث مرات على الأقل:
أولها، عندما اشتغلت الآلة الإعلامية
على الخلاف بين
نتنياهو وغالانت، وأنهما لا يحضران مؤتمرات صحفية مشتركة، بل يخرج كل
منهما على حدة، وأن نتنياهو يريد الحرب وغالانت يريد الصفقة. وكان هذا للفت
الأنظار بعيدا عن عملية تخليص الأسرى، التي نجح فيها العدو في النصيرات، بعدما قام
بمجزرته البشعة، التي راح ضحيتها قرابة الآلالف من النساء والأطفال.
وكانت الحملة الثانية عن الخلاف بين
نتنياهو وغالانت وعن الصياح وارتفاع الأصوات في مجلس الحرب واشتغال الإعلام بهذا،
وحتى المحللون على الجزيرة ومعظمهم فلسطينيون، اشتغلوا على هذه الإشاعة كثيرا، ثم
تبين أن هذا كان تمهيدا وصرفا للأنظار عن محاولة لتخليص الأسرى، وهي المحاولة التي
فشلت وقتل فيها الأسرى الستة، وتسببت في اندلاع المظاهرات المطالبة بعقد الصفقة وإقالة
نتنياهو.
أما ثالث المحاولات، فهي التي عشناها
قبل عملية تفجير البيجرات في لبنان وإصابة الآلاف، ولأن هذه عملية كبيرة، فقد احتاجت
أن يكون الحديث عن مستوى أعلى من الصراع وإقالة غالانت وإدخال ساعر اليميني المنشق
عن الليكود إلى الحكومة، واستدعت خروج رئيس الوزراء الأسبق المجرم باراك منددا
بفشل نتنياهو. وربما كان قدوم المبعوث الأمريكي إلى المنطقة، وكأنه لإطفاء نار
الحرب، ليكون هذا جزءا من الخداع الصهيوني، والحرب الإعلامية الموجهة لصرف الأنظار
عما يتم التجهيز له.
هذا الأمر فكرت فيه أمس قبل تنفيذ
عملية تفجير بيجرات لبنان، وتساءلت بيني وبين نفسي: ما الذي يجهز له
الاحتلال
بالإعلان عن هذه الحرب بين نتنياهو ووزير حربه؟ وهل هي عملية لتخليص أسرى كما فعل
من قبل، وهل يعيد السيناريو نفسه للمرة الثالثة؟ وهل وصل إلى هذا الحد من الغباء؟
والملاحظ، أن المقاومة لا تنشغل بما
يعلنه العدو، ولديها أدواتها الإعلامية، وتصدر بياناتها تباعا، وتصل مصداقيتها في
هذا إلى الحد الأقصى.
والذي أريد أن أصل إليه، أن جمهور
المقاومة وداعميها لا بد أن يكونوا على وعي كامل بأبعاد هذه الحرب الإعلامية، التي
لا تقل ضراوة عما يحدث في الميدان، وأن يكون مصدر تلقي المعلومات هو المقاومة وما
تعلنه، ولا نقع فيما يروجه الاحتلال من شائعات، حتى نفوت عليه الفرصة، ونجعله يخسر
إعلاميا كما يخسر ميدانيا.