مدونات

لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين‎

"ترددت الشائعات بأن المقاومة هي من وضعت الجثث في طريق جيش الاحتلال"-إكس
في غزوة بدر الكبرى وقع "أبو عزة الشاعر" أسيرا لدى جيش النبوة، كان مقررا أن يطلق سراحه نظير الفدية ولكنه بكى وتعلل بالفقر، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم عليه عهدا بألا يخرج في جيش يحاربه وألا يهجو الإسلام والمسلمين بشعره.

ولكن المشركين أغروه بالخروج معهم بعد عام واحد في غزوة أُحد، ورغم هزيمة المسلمين إلا أنهم أسروا "أبو عزة الشاعر" ثانية في غزوة حمراء الأسد.. مرة ثانية وقف الرجل باكيا معتذرا طالبا العفو، فقال النبي: لا أدعك تقول خدعت محمدا مرتين، ثم أمر به فقتل.

تذكرت هذه الواقعة بعد مقتل الجنود الصهاينة الستة في رفح، وهي الحادثة التي ألّبت الجمهور الصهيوني على نتنياهو.

ففي أثناء طوفان الأقصى راهن العدو على تحرير أسراه بالضغط العسكري وفشل مرارا، فإما أن يُقتل الأسرى وإما أن يُقتل من يريدون تحريرهم، ونجح العدو مرة واحدة في الثامن من حزيران/ يونيو الماضي في منطقة النصيرات عندما تمكن من تحرير أربعة من الأسرى بعد قتل ثلاثة آخرين، واستشهاد نحو 275 فلسطينيا وإصابة قرابة 700 معظمهم من النساء والأطفال، وهو الحادث الذي رفع شعبية نتنياهو من جديد.

قبل ذلك الحادث أخذ العدو يسرب المعلومات عن الخلافات داخل كابينيت الحرب بين غالانت ونتنياهو وأن وزير الحرب يقول: لا بد من الصفقة ولن نستطيع تحرير الأسرى مطلقا عن طريق الحرب، وجرى تضخيم هذا الخلاف لدرجة أن كثيرين توقعوا أن يستقيل أو يُقال غالانت.

ويومها قالت المقاومة إن هذا الحادث سيكون له تأثيره على الأسرى الذين كانوا يعيشون مع آسريهم حياة شبه طبيعية في بيوت سكنية وليس في الأنفاق.

استمرت محاولات العدو وزادت المخابرات الأمريكية والبريطانية من دعمهما للوصول إلى أماكن احتجاز الأسرى.

في الأيام القليلة الماضية زاد الحديث من جديد عن الخلاف بين نتنياهو ووزير حربه حول صفقة التبادل بنفس الطريقة التي حدثت قبل ثلاثة أشهر، في تكرار لنفس السيناريو دون تجديد أو إبداع.

ثم خرج المتحدث باسم جيش الاحتلال هجاري ليعلن استعادة ستة جثث لأسرى صهاينة، منهم أمريكي مزدوج الجنسية وممن كانت أسماؤهم في قائمة من سيفرج عنهم في المرحلة الأولى من صفقة التبادل.

قال هجاري: إن الستة قتلوا على يد مخربي حماس وكنا على وشك الوصول إليهم. ورفض إعطاء أي معلومات أخرى لأنه يعلم أن رواية المقاومة ستنسف أكاذيبه. وبطبيعة الحال ترددت الشائعات بأن المقاومة هي من وضعت الجثث في طريق جيش الاحتلال.

صُدم المجتمع الصهيوني واستطاعت عائلات الأسرى إعادة زخم المظاهرات بمئات الآلاف مطالبة بعقد الصفقة فورا، واجتمعت عائلات الأسرى الأمريكيين من مزدوجي الجنسية وزاد الضغط على بايدن الذي خرج يبكي وينعى الأسير الأمريكي الذي قُتل، ثم تجرأ وأعلن أن نتنياهو لا يقوم بعمل اللازم في موضوع الأسرى وأنه سيواصل التفاوض مع فريق نتنياهو وليس معه شخصيا.

للمرة الأولى منذ بدء الحرب يجد نتنياهو نفسه مضطرا تحت الضغط إلى الخروج بوجهه الكالح وسحنته المهزومة ليحاول تخفيف الصدمة، ولكنه بدلا من التنازل تمسك بالبقاء في محور فيلادلفيا وعدم الانسحاب الكامل، فقط تلاعب بالألفاظ وأبعد المسؤولية عن نفسه وألقاها على الجميع حتى شارون.

وعلى الفور خرجت تصريحات "أبو عبيدة" وهي تحمل هذا المعنى: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، وأن الأسرى قتلوا بسبب تعنت نتنياهو حرصا على موقعه ومستقبله وحكومته، وأن تعليمات صارمة صدرت لوحدة الظل التي تتولى حماية الأسرى في حال وصل العدو إلى أي منهم، وأن السبيل الوحيد أمام الاحتلال هو الانسحاب ودفع الثمن.

كانت إشارات "أبو عبيدة" صريحة واضحة وهي: لن نترككم تصلون إلى أسير واحد حيا، وأننا وإن كنا أحرص منكم على سلامتهم فلن نترككم تصلون إليهم أحياء، فإما صفقة تستعيدون بها الأحياء وإما ستستعيدونهم في أكياس وربما لا تجدونهم أبدا مثلما حدث مع "رون أراد"، مما يفتح الباب واسعا عن طريقة مقتل هؤلاء الأسرى.

كانت نتيجة هذه العملية وما سبقها من عمليات نوعية في جنين وطولكرم والخليل فضلا عن الفشل في غزة سببا في انقلاب الرأي العام على نتنياهو وزيادة الضغط عليه، وخروج مظاهرات بأعداد غير مسبوقة ضده والدعوة إلى الإضراب العام من نقابة العمال "الهستدروت"، لتتلخص المعادلة بعد أحد عشر شهرا في أن المقاومة هي التي تتحكم في الميدان وأنها توسع جبهات القتال تدريجيا لتشمل كل فلسطين، وأنها في الوقت ذاته من يتحكم في الحرب الإعلامية ويتحلى بالمصداقية وينقل الحقائق، وأن أكاذيب العدو لم يعد أحد يصدقها رغم الإجرام الكبير الذي قام به في حق المصورين والصحفيين والإعلاميين والمراسلين.