مدونات

حزب الله: بين الردع والتصعيد في مواجهة العدوان الصهيوني

"حفظ معادلة الردع القائمة وفي نفس الوقت تجنب تصعيد شامل"- جيتي
وسط التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، يبقى حزب الله اللبناني لاعبا أساسيا في المعادلة الإقليمية، خاصة في ما يتعلق بالصراع المستمر مع الكيان الصهيوني. ومع تزايد الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران وحلفائها، يبرز التساؤل حول كيفية تعامل حزب الله مع التطورات العسكرية والسياسية التي قد تؤثر على موقعه كقوة مقاومة.

منذ تأسيسه في عام 1982 كحركة مقاومة للاحتلال الصهيوني في جنوب لبنان، تطور حزب الله ليصبح قوة عسكرية وسياسية بارزة على الساحة اللبنانية والإقليمية. اليوم، يتجاوز تأثير حزب الله حدود لبنان ليصل إلى سوريا والعراق واليمن، مما يجعله ركنا أساسيا في محور المقاومة الذي تقوده إيران ضد الهيمنة الإمبريالية والصهيونية في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، يواجه الحزب اليوم تحديات جسيمة تشمل:
أدرك حزب الله أهمية اختيار اللحظة المناسبة لأي رد، حيث إن ردا غير محسوب قد يؤدي إلى تصعيد واسع لا يخدم مصالح المقاومة في هذه المرحلة

- تزايد العقوبات الأمريكية والأوروبية التي تستهدف حزب الله وحلفاءه، في محاولة لتقويض قدراته المالية والعسكرية وإضعاف دوره كمحور للمقاومة في المنطقة.

- يستهدف الكيان الصهيوني مواقع الحزب في سوريا عبر غارات جوية تهدف إلى تدمير شحنات الأسلحة والمواقع التابعة للحزب، في مسعى لتقويض قدرته على المقاومة والتصدي لمخططات التوسع الصهيوني.

- يعيش لبنان أزمة اقتصادية خانقة، زادت من حدتها في تورط بعض القوى السياسية في مشاريع تطبيع مع العدو وتبني سياسات اقتصادية نابعة من الرأسمالية المتوحشة، مما أدى إلى تحميل الحزب مسؤولية الأوضاع المتردية، وتزايد الضغوط عليه من الداخل.

في ظل هذا الواقع المعقد، يبقى السؤال حول طبيعة الرد القادم لحزب الله مفتوحا. تعتمد الاستراتيجية العسكرية والسياسية على عدة عوامل، أهمها:

- أدرك حزب الله أهمية اختيار اللحظة المناسبة لأي رد، حيث إن ردا غير محسوب قد يؤدي إلى تصعيد واسع لا يخدم مصالح المقاومة في هذه المرحلة.

- لا تقتصر عمليات حزب الله على الرد العسكري فقط، بل تحمل أيضا رسائل سياسية واضحة تتجاوز حدود المواجهة المباشرة، وقد يكون الرد مرتبطا بمسار تفاوضي أو بتسويات إقليمية تسعى قوى الاستعمار الجديد إلى فرضها.

- يمتلك حزب الله قدرات قتالية وترسانة صاروخية متقدمة، ولديه القدرة على خوض حرب عصابات متطورة، مما يمنحه القدرة على توجيه ضربات مؤثرة في العمق الصهيوني في حال اضطر إلى ذلك.

ومن بين السيناريوهات المحتملة للرد:

- ضربة محدودة ومركزة قد يختار الحزب تنفيذ عملية عسكرية محدودة ضد هدف صهيوني حساس، كرد على غارة أو حادثة محددة، مع الحرص على تجنب تصعيد شامل، مع الحفاظ على توازن الردع مع العدو.

مع استمرار الضغوط على إيران وحلفائها، قد يجد حزب الله نفسه مضطرا لتبني ردود فعل أكثر حدة للحفاظ على توازن القوى الإقليمي ومنع أعداء الأمة من تحقيق مكاسب استراتيجية على حساب محور المقاومة
- هجوم صاروخي واسع النطاق في حال تصعيد العدوان الصهيوني إلى مستويات غير مسبوقة أو استهداف قيادات بارزة في الحزب، قد يلجأ حزب الله إلى توجيه ضربة صاروخية واسعة النطاق تستهدف مواقع حيوية في الكيان الصهيوني، مما قد يؤدي إلى حرب شاملة.

- قد يختار الحزب الرد من خلال جبهة سوريا، حيث يمتلك تواجدا عسكريا قويا يمكنه من توجيه ضربات مؤثرة للعدو من هناك، وبالتالي تفادي استهداف مباشر للبنان وحصر المواجهة في سوريا.

ويعتمد حزب الله دائما على استراتيجيات متوازنة بين الرد على العدوان الصهيوني وبين تجنب حرب شاملة قد لا تكون في مصلحة لبنان أو المقاومة في هذه المرحلة. ولهذا، فإن السيناريو الأكثر احتمالا هو أن يستمر الحزب في نهج "الردع المتدرج"، الذي يهدف إلى حفظ معادلة الردع القائمة، وفي نفس الوقت تجنب تصعيد شامل قد يُضر بالمصالح العليا للمقاومة.

مع استمرار الضغوط على إيران وحلفائها، قد يجد حزب الله نفسه مضطرا لتبني ردود فعل أكثر حدة للحفاظ على توازن القوى الإقليمي ومنع أعداء الأمة من تحقيق مكاسب استراتيجية على حساب محور المقاومة. وفي خضم هذه التوترات، يبقى حزب الله، بقدراته وتحالفاته وصلابته الأيديولوجية، لاعبا رئيسيا في مواجهة المشاريع الاستعمارية والصهيونية، سواء نحو التصعيد أو التهدئة.